أحداث المنطقة وعلاقتها بالنفط والغاز

في كانون الأول / ديسمبر العام 2012، ومع بدء الحديث عن فورة الغاز المرتقبة في شرق المتوسط، نظّمت صحيفة "السفير" سيمينار داخلياً، للبحث في آفاق المرحلة الجديدة، مع دخول الطاقة عنصراً أساسياً في الديناميات السياسية والاقتصادية في منطقتنا. الباحث الراحل مصطفى اللباد، الذي فارقنا بالأمس، قدّم يومها مقاربة شاملة لأحداث المنطقة وعلاقتها بالنفط والغاز، وفي الآتي ننشر أهم نقاطها.

1- خطأ تصدير الغاز كان متعمداً في مصر في عهد مبارك، إذ كان يتعين استخدامه محليا عوضا عن “السعي للتحول إلى دولة نفطية” وهو أمر بلا معنى، فالغاز يفيد مصر وهي غير قادرة فعليا على المنافسة. كما أن معظم صادراتها أفادت دولة إسرائيل (على أساس أنها كانت تريد منافسة قطر).

2- تم ترسيم الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة من جانب مصر عبر توزيع خرائط للحدود البحرية المصرية بشكل مخالف للأعراف الدولية وبشكل يعطي مميزات لدولة الاحتلال الإسرائيلي، على العكس من حقوق مصر الثابتة.

3- تم في عهد مبارك استخدام الغاز لتصنيع الاسمنت والسيراميك وهي صناعات ملوثة جداً للبيئة ومبارك كان يفتخر بأنه من الدول الأولى المصنعة لهذه المواد والحقيقة أن الدول الأوروبية أوقفت تصنيعها لأنها ملوثة للبيئة وكثيفة الاستخدام للغاز. كما تم استخدام الغاز في أمور لا تخدم التنمية.

4- تم ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص في العام 2003 .

5- هناك نوعان من الحدود البحرية:

– حدود يكون للدولة سيادة مباشرة عليها (200 ميل)
– منطقة اقتصادية خالصة (Economic exclusive zone) تابعة للدولة ولكن تمر فيها السفن الدولية.

6- بعد اكتشاف منطقة احتياطات غاز كبرى في شرقي البحر الأبيض المتوسط أصبحت كل الدول المطلة عليه تتنافس على هذا الغاز (سوريا، لبنان، قطاع غزة، إسرائيل، مصر، قبرص، اليونان، تركيا ولا ننسى جبل الغاطس الغاطس تحت البحر المتوسط والذي تتركز حوله حقول الغاز التي تدعي كل من قبرص ودولة الاحتلال الإسرائيلي ملكيتها وهذا الجبل أقرب بوضوح إلى منطقة دمياط في مصر. وبحسب التاريخ مصر لها أحقية في هذه المنطقة، فأراثينوس كان مصرياً عمل أمينا لمكتبة الإسكندرية في حدود القرن الثالث الميلادي بحسب الباحث الدكتور نائل الشافعي. لكن مبارك لم يبذل أي جهد لاستعادتها وغض الطرف عن حقوق مصر في هذه المنطقة.

7- في لبنان يجب استشارة خبراء في “القانون الدولي للبحار” ومراجعة مراجع تاريخية (منذ أيام الفينيقيين مثلاً) لإثبات أحقيات في الساحل اللبناني، واستشارة مفكرين ومثقفين متخصصين في ثقافات لبنان القديمة والقادرين على إثبات ملكيات تاريخية أو معنوية لبنان في منطقة الساحل، وعدم الاستخفاف بالموضوع ومجرد العمل مع بعض الخبراء النفطيين. فمثلا البحرين، ولكي تثبت امتداد حدودها البحرية في مواجهة قطر إبان التنازع القانوني على جيرتي حوار وفشت الديبل عملت حتى تمكنت من استخراج صورة لمراكب صيد اللؤلؤ من فترات زمنية بعيدة ما أسند ادعاءاتها بأن تلك المياه هي بحرينية، وحصلت عليها في النهاية.

8- تملك شركة “شل” إمكانية الحفر على أبعاد سحيقة، لكن شركات صغيرة لن تكون لديها التقنيات العالية للحفر إلى هذا العمق. لكن “شل” انسحبت من مصر في العام 2007 في حقول داخل المنطقة المصرية الاقتصادية الخالصة، في ما يبدو أنه تأثير سياسي عليها. وهنا عيب ربما للشركات الكبرى التي تكون لها حسابات سياسية-استراتيجية وليس تجارية حصراً.

9- نشهد اليوم مرحلة شبيهة بمرحلة سايكس-بيكو التي قسمت المنطقة على أساس ثرواتها النفطية، والآن نحن في مرحلة إعادة تقسيم للمنطقة ولكن على أساس ثرواتها الغازية. تدور المعركة الكبرى بين دول ثلاث هي الولايات المتحدة والصين وروسيا، فيما تصطف الأطراف الإقليمية والمحلية في مواجهة بعضها بعضاً ولكن في إطار يعود ليصب في معسكرات الدول الثلاث المتصارعة.

10- اكتشفت بريطانيا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين اكتشفت النفط في المنطقة قبل فرنسا، لذلك تم تقسيم المنطقة حسب المصالح البريطانية إلى حد كبير.

11- بالربط مع الثورات العربية، بالطبع هناك حريات الشعوب في مواجهة أنظمة ديكتاتورية لكن الموضوع أبعد من ذلك.

12- بعد سقوط النظام في ليبيا أظهرت قطر اهتماماً بقبيلة تميم الموجودة في شرقي ليبيا بحجة القرابة القبلية، لكن الحقيقة أن قطر لها مصالح نفطية في شرقي ليبيا، وذلك ليس من سبيل المصادفة البحتة.

13- قطر لديها ثالث احتياطي غاز في العالم بعد روسيا وإيران، وهي الوحيدة التي تملك التقنية الأميركية لتسييل الغاز وتصدره لأنه ليس لديها صناعات مهمة، وتلك هي ميزتها. إذ أن تصدير الغاز المسال أسهل من تصديره عبر الأنابيب، على الرغم من أن كلفته أعلى ولكن استعمالاته الاقتصادية أوسع وأفضل. وقطر (وهي هنا مرتبطة أو وكيلة الولايات المتحدة) من مصلحتها أن تؤدي دوراً في إيصال الغاز إلى أوروبا لأن روسيا هي من تصدر الغاز اليوم إلى أوروبا، في حين أن الولايات المتحدة تريد انتزاع هذا الدور من روسيا، أمّا أوروبا فتريد التخلص من “الابتزاز” أو التحكّم الروسي بهذه القضية.

14- قبل الحرب في سوريا كانت قطر تستثمر في قطاع الطاقة هناك ولكنها ألان تدعم المعارضة لأن النظام لن يسمح لها بتمرير خط غاز من أراضيها وحقولها عبر السعودية والأردن إلى سوريا ومنها إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا (خط الغاز هذا هو أقل كلفة من تسييل الغاز وتصديره بالسفن)، وذلك بسبب ارتباط سوريا بإيران. وسيعني نجاح قطر في ذلك أن تطير من روسيا ورقة الضغط على أوروبا باعتبارها متحكمة في استهلاك أوروبا من الغاز، وبالتالي اللعبة أبعد من نزاع في سورية أو على سورية، وإنما هو نزاع دولي.

إقرأ على موقع 180  مصطفى اللبّاد.. عن "حدائق" لم تنته

15- تركيا حاولت ابتزاز روسيا ومنع سفنها من المرور في المضائق البحرية في البوسفور والدردنيل بحجة تلويث البحر لكنها لم تنجح في فعل ذلك لفترات طويلة، لأن روسيا دولة عظمى ولأن هناك اتفاقات دولية لمرور السفن والبضائع عبر المضائق الدولية.

16- اليوم يتم تطويع الجغرافيا لخدمة المصالح النفطية والغازية

17- الصراع اليوم في أحد وجوهه المباشرة هو صراع أميركي-روسي بتحالفات إقليمية: إيران وسوريا مع روسيا، قطر وتركيا مع الولايات المتحدة.

18- هذه التحالفات أيضا غير واضحة تماماً لأنها تحالفات على تفاصيل معينة وتتغير بفعل عوامل تاريخية وقانونية. لكن الواضح أننا أمام إعادة ترسيم للخارطة وفقاً للغاز. وإن كان لدينا ما يكفي من الوعي فيمكن لنا التدخّل ومحاولة التغيير أو التأثير في ما يحصل، لكن ذلك الإحتمال يبدو للأسف ضئيلا.

19- الغريب أن هناك دول إقليمية تنادي بالديمقراطية في سوريا وهي بعيدة عن الديمقراطية، فالموضوع ليس محصورا بين دكتاتوريات وشعوب فقط، بل بمصالح إقليمية ودولية.

20- تدعم تركيا أجزاء من المعارضة السورية، ولكن هناك القضية الكردية، التي أتوقع أن تظهر على السطح مرة أخرى في الفترة المقبلة. هناك برأيي محاولة لرسم خريطة تمتد عبر جنوب المتوسط من مصر وتونس وليبيا إلى سورية تحت عباءة الإخوان المسلمين. وهنا أحاول الإبتعاد عن نظرية المؤامرة إلا أن هناك لعب على دور الأيديولوجيا، لضمان تماسك المناطق وترابطها بعصب ما. وتركيا المعزولة عن غاز شرق المتوسط والمكبلة بحدود بحرية مع اليونان منذ عام 1913 تعطي كل المساحة البحرية في بحر إيجة وفي شرق المتوسط إلى اليونان، لأن الجزر اليونانية المتناثرة في المتوسط قبالة السواحل التركية تمنع تركيا من ادعاء مناطق اقتصادية خالصة، وبالتالي المشاركة في ثروة الغاز الكامنة بالمتوسط. الموضوع الآن ليس فقط شعوب ضد نظام وهو أمر حاصل، ولا مجرد تغيير خارطة وفقاً للغاز إنما تركيب أنظمة ذات وجه إيديولوجي معين (إخوان مسلمين)، تضمن استدامة المصالح الأميركية في المنطقة.

21- الحرب في سوريا طويلة، ستنتهي على الأرجح بالتقسيم، وأتوقع أن يبقى للنظام سلطة على الساحل السوري من الشمال هبوطاً إلى حمص (مما يفسر ضراوة القتال في حمص والرستن) ومن ثم تلتقي مع البقاع وربما لاحقاً جنوب لبنان أيضا. أما المعارضة، فستسيطر على الداخل، ومن ضمن التداعيات الإقليمية للنزاع في سورية أن مدينة طرابلس ستخترق شمالاً إلى المحيط السني-السوري، وهو سينعكس ذلك على هيكلية غاز شرقي المتوسط، لأن الساحل هو الذي يرسم الحدود البحرية وليس الداخل.

22- تهدف المحاولات والتدخلات الدولية في سوريا إلى التحكم بميكانيزمات الصراع الداخلي هناك وتوجيهه في المسار الذي يخدم مصالح كبرى، وليس دعم فريق في مواجهة أخر. باختصار توجيه الصراع إلى تثبيت خريطة جديدة للمنطقة، وبالتالي تقسيم الموارد الكامنة تحت أرضها ومياهها.

23- على لبنان أن يتنبه ليس فقط لمطامع إسرائيل بل لكل ما يحدث في المنطقة، لأن ما يحدث سيؤثر عليه بالضرورة لاعتبارات لا تغيب عن أحد.

24- الاحداث في سوريا ستؤثر أيضا على العراق ومعادلاته الداخلية وتركيبته السياسية.

25- روسيا أبرمت تحالفاً مع إسرائيل للتنقيب عن غاز منطقة شرق المتوسط مع انها متحالفة مع إيران. التحالفات تبرم حسب المصالح وليست دائماً متشبثة بدول معينة.

26- روسيا لديها الغاز ولكن ليس لديها السيولة لتقنية التسيّيل وقطر لديها المال لذلك ولديها إعلام مؤثر (الجزيرة) وهي المقر الأساسي للتنظيم العالمي لجماعة لإخوان المسلمين منذ سنوات.

27- الصين بحاجة دائمة إلى النفط والغاز من اجل رفد صناعاتها المتوجهة إلى التصدير. التهديد رقم واحد للأمن القومي الصيني يتمثل في مشكلة البطالة، التي لو حدث وارتفعت نسبتها لأصبحت الصين أمام خطر انقسام بين شرق غني وغرب أفقر ومتعدد الأعراق. لذلك يشكل التصدير الأولوية رقم واحد لبكين حتى تستطيع الحفاظ على نسبة التشغيل العالية لمواطنيها، وحتى تستطيع أن تصدر بكميات عالية جدا فهي بحاجة إلى تأمين موارد الطاقة. الشركة الصينية التي تنقب وتحوذ أنصبة في حقول الطاقة حول العالم ليست قطاع خاص وغنما مملوكة للدولة الصينية، في إشارة إلى الأهمية الفائقة التي توليها الصين للحصول على منابع الطاقة. وحسب مؤشرات القوة في العالم، يتوقع أن تتجاوز الصين الولايات المتحدة الأميركية خلال عقدين من الزمان، لذلك ما يجري في المنطقة أحد اهدافه هو منع الصين من تولي هذه المكانة، عبر منعها من الوصول إلى موارد الطاقة في المنطقة. مثلاً إيران تروي عطش الصين للطاقة لكن بمقدار معين، فلا تمنع نفطها وغازها عن الصين حتى تستميلها إلى جانبها في صراعاتها الإقليمية والدولية، ولكنها لا تعطي الصين كل ما تريد حتى لا تستعدي الولايات المتحدة تماما.

Print Friendly, PDF & Email
مصطفى اللباد

كاتب ومحلل مصري ومدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  إيران والسعودية.. طريق التسوية ليس "حريرياً"!