الغاز المصري… ضد روسيا و”أوبك”
Women carry gas cylinders to be refilled at a distribution point in Cairo January 19, 2015. Egypt is going through its worst energy crisis in decades and is seeking fresh sources of natural gas, which powers most of its homes and factories. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany (EGYPT - Tags: ENERGY SOCIETY BUSINESS COMMODITIES POLITICS) - RTR4M0SS

وسط التغيرات السياسية الكبيرة التي مرت بها مصر خلال السنوات الماضية، تبدل موقعها من استثمارات الغاز الطبيعي عدة مرات، بدءاً من اكتشافات قديمة جعلت مصر قادرة على تصدير الغاز إلى الأردن وإسرائيل بأسعار زهيدة، وصولاً إلى تعطل الموقع التصديري إثر أكثر من 20 تفجيرا استهدف خطوط نقل الغاز إبان خلع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في شباط العام 2011. مرت بضع سنوات على مأزق مصر المتجلي في عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها التجارية مع أطراف دولية، ثم عادت لتتحدث عن احتياطات ضخمة، ومشاريع إقليمية، وتحالفات دولية.. فما الذي حدث؟

كان العام 2015 بمثابة نقطة تحول كبيرة في استثمارات الغاز المصرية. بدأ ذلك في أول أشهر تلك السنة باكتشاف حقل ظهر، الذي وصل الانتاج فيه مع بدء التشغيل التجريبي إلى 350 مليون قدم مكعب يومياً، ليصل إلى أكثر من مليار قدم بحلول العام 2018، ومن المخطط أن يصل إلى 2.7 مليار قدم في نهاية العام الحالي.
وفي آذار من العام ذاته، أعلنت شركة “بي. بي” البريطانية عن اكتشاف حقل “آتول” في منطقة شمال دمياط البحرية، ووصل معدل الإنتاج اليومي لهذا الحقل إلى 350 مليون قدم مكعب يومياً، بالإضافة إلى 10 آلاف برميل يومياً من المكثفات، ويقدر الاحتياطي فيه بـ 1.5 تريليون قدم مكعب.
وفي تموز العام 2015، أعلنت “إيني” الإيطالية عن اكتشاف حقل “نورس” في دلتا النيل، وهو أكبر الحقول المصرية حتى اليوم، بمعدل إنتاج يومي يصل إلى 1.2 مليار قدم مكعب ينتجها 14 بئراً.
وفي آب العام 2015، أعلنت “إيني” عن اكتشاف حقل “شروق” في مياه البحر الأبيض المتوسط باحتياطي يقدر بـ30 تريليون قدم مكعب، بالإضافة إلى 5.5 مليار برميل من المكافئ النفطي.
وأخيراً، في العام الماضي، أعلنت وزارة البترول المصرية عن اكتشاف حقل “نور” في مياه البحر المتوسط، ووصل الاحتياطي فيه إلى 90 تريليون قدم مكعب.

البداية مع الغاز الإسرائيلي

لعبت قضية التحكيم الدولي التي رفعتها شركة كهرباء إسرائيل على الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية والهيئة المصرية العامة للبترول، بسبب توقف مصر عن الوفاء بالتزامها بتصدير الغاز إلى إسرائيل منذ العام 2012، دوراً أساسياً في توضيح السياسات المصرية المتعلقة بالغاز الطبيعي محلياً، وإقليمياً.
كان قرار التحكيم الدولي يلزم الشريك المصري بتسديد غرامة مالية قدرها 1.76 مليار دولار، ولكن في نيسان 2019، توصل الطرفان إلى صفقة مختلفة.
تقرر ضمن الصفقة المذكورة أن تتنازل شركة كهرباء إسرائيل عما قدره 1.3 مليار دولار من قيمة الغرامة، على أن تسدد مصر باقي المبلغ بتسهيلات خلال ثماني سنوات ونصف السنة. وفي الوقت ذاته، تلتزم مصر باستيراد ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الإسرائيلي من حقلي “لفيتان” و”تمار” على مدى 10 سنوات، على أن تقوم مصر بإسالة هذا الغاز وإعادة تصديره إلى وجهات أخرى.

إقتحام السوق الدولي… بشراكة إسرائيلية

تعتمد مصر على اكتشافاتها الجديدة وشراكتها طويلة المدى مع الجانب الإسرائيلي للتحول إلى طرف إقليمي، وربما دولي، له ثقله المكتسب في قطاع الطاقة.
وباستعادة الاستثمارات القديمة، تخطط الحكومة المصرية للتحول إلى منطقة ربط بين منتجي الغاز وإسالته ومن ثم تصديره إلى وجهات نهائية.
في أيلول الماضي، قال وزير البترول المصري طارق الملا إن مصر “تستهدف التحول إلى مركز إقليمي لتداول وتجارة الطاقة”، مضيفاً أنّ “مصر تسعى إلى تحقيق هذا الهدف من خلال استغلال البنية التحتية من شبكات الغاز ومحطات تسييل الغاز عبر تحويل ما يزيد من الإنتاج بعد تغطية الطلب المحلي”.
لدى مصر الآن محطتان لإسالة الغاز الطبيعي مع مرافق مساعدة لتصديره خارج القطر. الأولى، وهي موجودة في مدينة دمياط، تأسست في العام 2000 وخرجت أولى الشحنات المسالة منها في العام 2005. وفيما تصل حصة مصر فيها إلى 20 في المئة، فإن شركة “يونيون فينوسا” الأسبانية هي التي تتولى إدارة المحطة بشراكة مع “إيني”.
أما المحطة الثانية، الموجودة في منطقة إدكو قرب مدينة الإسكندرية، فتضم وحدتي إسالة بطاقة قدرها 4 مليون طن سنوياً، بالإضافة ميناء للتصدير.
وتتوزع حصص محطة إسالة إدكو بين الهيئة العامة للبترول بنسبة 12 في المئة، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعة “إيجاس” بنسبة 12 في المئة، وشركة “شل” بنسبة 35.5 في المئة، وشركة “بتروناس” الماليزية بنسبة 35.5 في المئة، وشركة “إنجي” الفرنسية بنسبة خمسة في المئة.
إلى ذلك، وبحسب ما كشف موقع “غلوبس” الإسرائيلي في تموز الماضي، فإن حكومتي مصر وإسرائيل تدرسان إنشاء محطة لإسالة الغاز الطبيعي باستثمارات قدرها 15 مليار دولار على ساحل البحر الأحمر في سيناء، وذلك من أجل زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال من كلا البلدين إلى الأسواق الآسيوية.

تعتمد مصر على اكتشافاتها الجديدة وشراكتها طويلة المدى مع الجانب الإسرائيلي للتحول إلى طرف إقليمي، وربما دولي، له ثقله المكتسب في قطاع الطاقة

 وقالت المصادر إنه برغم إنشاء المحطة الجديدة، لن تكون هناك حاجة إلى انطلاق السفن التي تحمل الغاز الطبيعي المسال من محطتي إدكو ودمياط المصريتين على البحر المتوسط ومرورها المكلف عبر قناة السويس للوصول إلى أسواق شرق آسيا، والتي تشكل مجتمعة 70 في المئة من سوق الغاز الطبيعي المسال عالمياً.

إقرأ على موقع 180  أنابيب الحروب أم السلام؟

منتدى الغاز… والتحالفات الجديدة

منذ مطلع العام الحالي، اتجهت مصر إلى تأمين غطاء يحتوي كل تلك العمليات تحت مسمى “منتدى غاز شرق المتوسط”.
منذ البداية، شاركت سبع دول في تأسيس المنتدى، وقررت أن تكون القاهرة هي المقر الرئيسي له. وهذه الدول هي: مصر وإسرائيل وفلسطين والأردن وإيطاليا واليونان وقبرص.
وخلال الاجتماعين اللذين ضما الدول المشاركة، شارك كذلك ممثل عن الحكومة الفرنسية، التي تفكر في الانضمام إلى المنتدى، كما شارك ممثلان عن كل من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، فيما شارك وزير الطاقة الأميركي بصفة ضيف شرف.
وحددت الدول المشاركة أهداف المنتدى بعدة نقاط أهمها: العمل على تشكيل سوق غاز إقليمي يخدم مصالح الأعضاء، من خلال تأمين العرض والطلب، وتعزيز التعاون من خلال خلق حوار منهجي منظم وصياغة سياسات إقليمية مشتركة بشأن الغاز الطبيعي، ودعم أصحاب الاحتياطات الغازية والمنتجين الحاليين في جهودهم الرامية إلى الاستفادة من احتياطاتهم الحالية والمستقبلية، ومساعدة الدول المستهلكة في تأمين احتياجاتها وإتاحة مشاركتها مع دول العبور في وضع سياسات الغاز في المنطقة.
ويشكل الإعلان عن المنتدى خبراً سيئاً لأطراف دولية في استثمارات الغاز، وأوّلها روسيا، التي تمد أوروبا بثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي عن طريق أنابيب تعبر شرق أوروبا وبحر البلطيق.
ويزداد هذا الخطر مع الامكانات الموضوعية التي يوفرها المنتدى، بصفته كياناً اقتصادياً جديداً، بتوصيل الغاز المتوسطي بسعر منافس لنظيره الروسي الأنسب سعراً حتى الآن، خاصة وأن المنتدى دفع بدولٍ في حالة خلاف (اليونان وقبرص) إلى العمل المشترك.
بالتوازي مع هذه المخاوف، بدأت الحكومة الروسية بالفعل في مد خطوط لنقل الغاز إلى أسواق آسيوية بديلة عن تلك الأوروبية، والساعية إلى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
من جهة أخرى، فإن المنتدى الجديد يمثل تهديداً حقيقياً لدول “أوبك”، لا سيما الدول النفطية في الخليج، والتي طوّعت إنتاجها لخدمة أغراض سياسية، فيما يستطيع الكيان الجديد (منتدى شرق المتوسط)، والذي يعتمد بالأساس على موارد طاقة أنظف وأرخص من النفط، منافسة سياسات ونفوذ دول “أوبك”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  خرائط الغاز والنفط: هل يمتلك العرب مشروعاً تاريخياً؟