تقييم أميركي للوضع في سوريا… نهاية الحرب ليست قريبة

Avatar18030/09/2019
"لا يمكن للولايات المتحدة تجنّب الصراع في سوريا أو تجاهله... منذ بداية الأعمال القتالية، ثبتَ أن التقليل من الانخراط الأميركي في الحرب يتناقض مع هدف حماية مصالح الأمن القومي الأميركي، وهكذا ستبقى الحال في المستقبل المنظور". هذا ما خلصَ إليه التقرير الأخير لـ"مجموعة الدراسات حول سوريا"، التي شكّلها الكونغرس الأميركي بهدف تقديم توصيات بشأن الاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية للولايات المتحدة في ما يتعلق بالصراع في سوريا، وهي مجموعة عمل ثنائية الحزبية، تتألف من 12 مشاركاً معيّنين من الكونغرس.

السؤال المركزي الذي طرحه تقرير “مجموعة الدراسات حول سوريا” أمام صانعي السياسة الأميركيين لا يتعلق بما “إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تبقي قواتها في سوريا أو أن تسحبها”، وإنما بـ”الإستراتيجية والأدوات التي من شأنها أن تحمي الولايات المتحدة بشكل أفضل من أصداء الصراع، وتدفع المصالح الأميركية إلى الأمام”.
يبدأ التقرير من تقييم الربط بين الصراع في سوريا والمصالح الأميركية، فمنذ بداية الأزمة السورية، كـ”انتفاضة محلية سلمية” في العام 2011، حذر الخبراء من أن “الاستجابة الوحشية للرئيس بشار الأسد قد تكون لها آثار سلبية خطيرة على المصالح الأميركية”، موضحاً أنه “بالنظر إلى موقع سوريا المركزي في الشرق الأوسط، وعلاقات نظامها الحاكم مع الجماعات الإرهابية وإيران، وعدم توافق حكم الأسد “الاستبدادي” مع تطلعات الشعب السوري، فإن الكثير من الخبراء ابدوا قلقهم من امتداد الصراع عبر الحدود السورية، وهذه المخاوف هي الآن حقيقة واقعية”.
يرصد التقرير إفرازات الصراع السوري: أزمة لاجئين امتدت إلى جيران سوريا وأثّرت على السياسات الأوروبية، توترٌ في العلاقات الأميركية – التركية بلغ حد الأزمة، أعمال عدائية مباشرة بين إيران وإسرائيل، وعودة روسيا إلى الشرق الأوسط.
علاوةً على ما سبق أصبحت مناطق سوريا ملاذاً آمنًا لتنظيم “القاعدة” وأخواته، وموطناً لأكبر تجمع للمقاتلين الإرهابيين الأجانب منذ أفغانستان في التسعينيات. كما أن الصراع أذكى صعود تنظيم “داعش” ما دفع إلى تدخل عسكري بقيادة الولايات المتحدة.
بعد مرور ثماني سنوات، لم يجر احتواء النزاع بشكل مفيد، كما لم تتم حماية الولايات المتحدة من آثاره، وفقاً لما خلصت إليه “مجموعة الدراسات حول سوريا”.

الحرب بعيدة عن النهاية

يرفض واضعو التقرير التسليم بمقولة أن “نظام الأسد انتصر في الصراع”، وذلك انطلاقاً من المعطيات التالية:
–    الحرب السورية بعيدة كل البعد عن النهاية، وهي تدخل مرحلة جديدة. وحتى كتابة سطور التقرير، لا يزال نظام الأسد وراعيته (روسيا) يضغطان لهجومٍ على إدلب يمكن أن يحفز كارثة إنسانية جديدة وتدفقاً للاجئين.
–    تتفاقم التوترات بين العناصر الكردية في شمال شرق سوريا، فيما تجهّز تركيا قواتها لغزو هذه المنطقة، الأمر الذي سيحوّل قوات الدفاع الذاتي الكردية عن المهمة الأساسية المتمثلة في منع عودة “داعش”.
–    “داعش” نفسه لم يهزم كلياً، فقد عاد إلى الظهور بالفعل من خلال إستعادة أراضٍ في كل من سوريا والعراق.
–    تتصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، اللتين تخوضان بالفعل صراعاً منخفض المستوى، حتى الآن، في سوريا، لفتح جبهة مرتفعات الجولان.
–    قد يسعى نظام الأسد وشركاؤه إلى عبور نهر الفرات، ما يهدد ببث الحياة مجدداً في تمرّد تنظيم “داعش”، ويسمح لإيران بتوحيد طرقها البرية من العراق إلى لبنان.

يحذر التقرير من أن كل هذه السيناريوهات تصبح أكثر احتمالاً من دون وجود قوات أميركية في سوريا، ومن دون وجود قيادة أميركية ملتزمة بتجنب هذه التطوّرات.

تقييم الوضع الراهن

امتداداً لفكرة أن لا نهاية قريبة للصراع في سوريا، يشير التقرير إلى ديناميات خطيرة لا تزال تخيّم على الوضع، ويلخصها بمجموعة من التقديرات حول الموقف الراهن:

–    تحرير الأراضي التي يسيطر عليها “داعش” لا يلغي التهديد الذي يشكله التنظيم الإرهابي للولايات المتحدة. لم يعد “داعش” يحتفظ بأراضٍ مهمة في سوريا أو العراق، ولكنه لم يهزم، إذ لا تزال لديه الإرادة والقدرة والموارد لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة. سيسعى “داعش” للاستفادة من أية ثغرة كتخفيض الضغط الأميركي أو حالة السخط السائدة في صفوف السكان العرب في شرق الفرات لتجنيد مقاتلين جدد وشن هجمات جديدة.
–    يشكل أسرى “داعش” تحدياً طويل الأمد لا يتم التعامل معه بشكل كافٍ. الآلاف من المقاتلين الأجانب ما زالوا رهن الاحتجاز تحت إدارة “قوات سوريا الديمقراطية”، وإذا ما تمّ إطلاق سراحهم سيتكرر سيناريو “داعش” أو مجموعات مماثلة. علاوة على ذلك، يقيم عشرات الآلاف من أفراد أسر مقاتلي “داعش” في معسكرات في شرق سوريا، وهي واقعة تحت سيطرة القوات الكردية، ولكن الأخيرة تفتقر إلى الموارد والدعم الخارجي للاحتفاظ بها إلى أجل غير مسمى.
–    لا يزال تنظيم “القاعدة” وغيره من الجماعات الإرهابية نشطاً في سوريا ويهدد الولايات المتحدة. لقد حظي “داعش” باهتمام كبير في الحرب على الإرهاب، ولكن الجماعات الإرهابية الأخرى تنشط وتسيطر على الأراضي، وبخاصة في إدلب، حيث شكّل فرع تنظيم “القاعدة” – “هيئة تحرير الشام” – حكومةً هناك، في وقت تفتقر الولايات المتحدة إلى حرية التصرف للقيام بحملة شاملة لمكافحة الإرهاب في هذه المناطق.
–    برغم الضربات الجوية الإسرائيلية والعقوبات الأميركية، تواصل إيران تثبيت أقدامها في سوريا، ويبدو أنّها تتبع سياسة ذات مسارين، تتمثل في ترسيخ وجودها العسكري من جهة، وتكثيف الجهود السياسية والاقتصادية الهادفة إلى تعزيز قوتها ونفوذها في سوريا على المدى الطويل من جهة ثانية.
تُظهر روسيا وإيران بعض علامات الاختلاف الخطيرة، وقد تسببت الأنشطة الإيرانية في استياء بين السكان المحليين، لكن نظام الأسد لا يزال يعتمد اعتماداً كبيراً على الدعم الإيراني.
في السياق، يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن الغارات الجوية الإسرائيلية عطّلت محاولات إيران لنقل أسلحة متطورة إلى سوريا، لكن الأهداف الإيرانية الشاملة ما زالت على حالها، وخطر الصراع الإيراني- الإسرائيلي الشامل لا يزال مرتفعاً.
–    الأسد لم ينتصر في الصراع. لقد استعاد النظام السوري أراض شاسعة، تقارب 60 في المئة من مساحة سوريا، ومع ذلك، فإن سيطرته خارج دمشق ما زالت ضعيفة، ويُعزى ذلك جزئياً إلى افتقاره إلى القوات الكافية لتأمين المناطق المستعادة، بجانب اتباع سياسات عقابية ضد السكان المحليين (التجنيد الإجباري، الاعتقال التعسفي، التعذيب، والإعدام)، بجانب تفشي الجريمة وتزايد نفوذ أمراء الحرب.
يبدو نظام الأسد مصمماً على استعادة إدلب، وهو يتلقى مساعدة روسية للقيام بذلك، لكنه كافح حتى الآن من أجل استعادة الأراضي دونما مساعدة القوات البرية الإيرانية.
–    توقَّفَ التقدّم نحو تسوية سياسية للصراع السوري، ولم يبدِ الأسد أي استعداد لتقديم تنازلات لخصومه. ولم تسفر “عملية جنيف” أو “عملية أستانا” التي تضم روسيا وإيران وتركيا، عن تحقيق أيّ اختراق ملموس. ومن غير المرجّح أن تسفر الانتخابات الرئاسية في العام 2021 عن نتيجة انتخابية مشروعة، لأن هناك فرصة ضئيلة لأن يسمح النظام بإجراء انتخابات حرة ونزيهة أو بمشاركة موثوقة من الشتات السوري.
–    استخفّت الولايات المتحدة بقدرة روسيا على استخدام سوريا كمنطقة نفوذ إقليمي. في الواقع، حقق التدخل الروسي، ابتداءً من عام 2015، هدفه القريب بتكلفة منخفصة نسبياً: الحفاظ على النظام السوري، وتحدي الولايات المتحدة في  دعوتها إلى “رحيل” الأسد.
كذلك عززت روسيا مكانتها ونفوذها على نطاق أوسع في الشرق الأوسط.
صحيح أن مدى نجاح روسيا في سوريا أمر قابل للنقاش – إذ لم تترجم بعد المكاسب العسكرية التي حققها الأسد إلى نصر سياسي تسعى إليه موسكو – إلا أنّ روسيا أعادت تأسيس نفسها كلاعب أساسي في سياسات المنطقة، وذلك للمرة الأولى منذ عقود.
–    توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في سوريا بسبب وجهات النظر المتباينة حول “قوات سوريا الديمقراطية”. سيمثل التوغل التركي في شمال شرق سوريا انتكاسة كبيرة لأهداف الولايات المتحدة في سوريا، وأزمة جديدة في العلاقات الأميركية – التركية.
تعتبر الولايات المتحدة قرارها بالشراكة مع “قوات سوريا الديمقراطية” لمحاربة “داعش” أمراً ضرورياً بسبب عدم وجود بديل تركي موثوق وقادر على التدخل في الوقت المناسب، في حين تعتبر تركيا أن “قوات سوريا الديمقراطية” تشكل تهديداً أمنياً خطيراً بسبب صلاتها بـ”حزب العمال الكردستاني”.
لقد أدى الدعم الأميركي لقوات الدفاع الذاتي الكردية إلى تآكل العلاقات الأميركية- التركية، وقد يؤدي إلى توغل تركي ثالث في سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يعقّد الحملة العسكرية الأميركية ضد “داعش”، إذ لا يوجد ما يشير إلى أن تركيا تنوي التخلي عن السيطرة على المنطقتين السوريتين اللتين تسيطر عليهما حالياً – عفرين ومنطقة “درع الفرات”.
–    استهداف نظام الأسد للمدنيين والبنية التحتية المدنية يشكل جرائم حرب تستدعي المساءلة. وبالرغم من أن احتمالات المساءلة هذه تبقى باهتة على المدى القريب، إلا أن الجهود المبذولة لتوثيق “فظائع” النظام مستمرة.
–    الأزمة الإنسانية في سوريا سيتردد صداها لعقود. من غير المرجح أن يعود معظم اللاجئين طوعاً في ظل الظروف الحالية في سوريا. لقد أثار النزاع السوري أخطر نزوح بشري منذ الحرب العالمية الثانية (6 ملايين سوري مشردون داخلياً، وحوالي 6 ملايين آخرين مسجلون كلاجئين خارج البلاد). بات اللاجئون عبئاً اقتصاديا ثقيلاً على البلدان المضيفة، وخاصة جيران سوريا، حيث يتزايد الضغط، وبخاصة داخل لبنان وتركيا، من أجل العودة غير الطوعية. وفي الداخل السوري، تعتمد نسبة كبيرة من السكان على المساعدات الإنسانية  التي يسعى النظام إلى السيطرة عليها من أجل تعزيز سلطته.

إقرأ على موقع 180  القذافي الإبن على "هُدى" أبيه.. "مُنقذ ليبيا" أم طُرفة بالوراثة؟

توصيات

تقر “مجموعة الدراسات حول سوريا” بعدم وجود حلول سهلة للتعامل مع تداعيات الأزمة السورية، ومع ذلك، فإنها ترى أن ثمة حاجة إلى تغيير السياسات بغرض الاستجابة للتحديات التي تواجهها المصالح الأميركية (الإرهاب، إيران، روسيا، اللاجئون)، بما يتطلب “مواءمةً أفضل بين الأهداف والوسائل”، مقدّمة توصياتها على الشكل التالي:
–    وقف الانسحاب العسكري الأميركي، وتعزيز المكاسب التي تحققت في أعقاب الهزيمة الإقليمية لـ”داعش”، ودعم المجتمعات المحررة من “داعش” في تشكيل نموذج بديل للحكم، وتخصيص الموارد المالية والقدرات الأمنية لهذا الغرض.
وفي هذا الإطار توصي المجموعة بست خطوات أساسية:
1 – تحديث المهمة العسكرية لتجنّب تمرد “داعش”.
2 – الاستعداد بشكلٍ كافٍ لمختلف الحالات الطارئة وسيناريوهات التصعيد.
3- تمويل الاستقرار في شمال شرق سوريا.
4- الضغط على قوات الدفاع الذاتي (الكردية) لتحكم بشكل أكثر شمولية.
5- الاهتمام بمشكلة أسرى “داعش”.
6- إعطاء الأولوية للمشاركة الدبلوماسية والعسكرية في العراق.
–    إلى أن تتحسن الظروف داخل سوريا، توصي المجموعة بحرمان نظام الأسد ومؤيديه من جميع سبل التطبيع، من خلال فرض العزلة الدبلوماسية للنظام، وبثبيت بنية عقوبات صارمة، وذلك عبر مجموعة إجراءات محددة، من بينها مواصلة الضغط على الحلفاء والشركاء من أجل الامتناع عن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، وحجب مساعدات إعادة الإعمار، وفرض العقوبات بصرامة والسعي إلى توسيعها.
–    اختبار استعداد روسيا لدعم التسويات السياسية المقبولة من قبل الولايات المتحدة، إذ يعتقد العديد من المراقبين أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا هو شرط أساسي للتقدم نحو تسوية سياسية. ومع يشير التقرير إلى أن روسيا فشلت باستمرار في الوفاء بالتزاماتها في سوريا، وبالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تطلب إجراءات ملموسة من روسيا في أية مناقشات حول التسوية السياسية، وأنه في حالة عدم وجود مثل هذه الإجراءات، يجب على واشنطن تجنب تقديم أية تنازلات لموسكو أو إضفاء الشرعية على مواقفها. في الوقت ذاته، ينبغي على الولايات المتحدة الضغط على روسيا، جزئياً، من خلال تسليط الضوء على التواطؤ الروسي في “جرائم الحرب”.
–    العمل على طرد القوات الإيرانية ووكلائها من سوريا، مع التشديد على أنه من المهم أن يتم ذلك على مراحل. يجب أن يكون الهدف الرئيسي على المدى القريب هو منع إيران والعديد من شركائها ووكلائها من ترسيخ وجودهم. ويجب على الولايات المتحدة مواصلة دعمها للغارات الجوية الإسرائيلية، وفرض عقوبات تهدف إلى تقويض قدرة إيران على تمويل وكلائها وشركائها في سوريا ولبنان والعراق، بجانب الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في قاعدة التنف العسكرية، ودعم جهود فضح جهود التأثير الإيراني في سوريا. علاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تصر على أن أية تسوية سياسية تتطلب انسحاب القوات الإيرانية ووكلائها من سوريا.
–    البحث عن مجالات للتعاون مع تركيا ومعالجة المخاوف الأمنية التركية المشروعة، بجانب الضغط على أنقرة لتجنب أي توغل في شمال شرق سوريا، وتحسين الظروف في منطقتي عفرين ودرع الفرات. يجب كذلك أن تواصل الولايات المتحدة جهودها للتوصل إلى اتفاق بشأن منطقة أمنية أو آلية أمنية على طول الحدود التركية مع شمال شرق سوريا، وبذل كل محاولة لعزل سوريا عن المشاكل الأخرى في العلاقات بين واشنطن وأنقرة. كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجع على استئناف محادثات السلام بين تركيا و”حزب العمال الكردستاني” بما يساهم في انفراج بين تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية”.
–    السعي لتجنب وقوع كارثة إنسانية في إدلب أثناء معالجة وجود الجماعات الإرهابية هناك، حيث يتعين على الولايات المتحدة استكشاف السبل لزيادة الضغط على الجماعات الإرهابية في إدلب، التي ربما تخطط لشن هجمات خارجية. في الوقت ذاته، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى لردع نظام الأسد وشركائه عن مواصلة استهداف المدنيين في هذه المنطقة.
–    تنشيط الجهود لمعالجة الأزمة الإنسانية داخل سوريا مع اتخاذ خطوات لدعم البلدان المضيفة للاجئين السوريين.

 

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  بعد الدونباس.. زيلينسكي يتواضع أو يستدرج "بطرس الأكبر"!