زعزعة الأردن وعرشه قبل صفقة القهر

من يتأمل في المشهد الأردني وفي الجمر الكامن تحت رماد أكثر من قضية، يشعر فعلاً بقلق على مستقبل دولة مرتبطة عضويا بمستقبل فلسطين مهما حاولت النجاة.

يشهد الأردن اهتزازات اقتصادية واجتماعية متكررة، بلغت ذروتها هذه الأيام مع المواجهة المفتوحة بين المعلمين وحكومة عمر الرزّاز. لا هم في وارد التراجع عن اضرابهم المفتوح منذ شهر لزيادة رواتبهم، ولا الحكومة في وارد تقديم تنازلات أكبر من التي قدّمتها حتى الآن خشية أن يصبح الاضراب سابقة تلجأ إليها كل قطاعات المجتمع في مواجهة الأزمة الإقتصادية الإجتماعية.      لم تنفع التحذيرات ولا قرار المحكمة الإدارية ولا بعض الاعتقالات في ثني نقابة المعلمين عن اضرابها المفتوح. وإذا استمر التشنّج على حاله، فان الأردن مقبل على خضة اجتماعية وتربوية تقارب الخطر الأمني، حتى ولو ان العرش تميّز طيلة تاريخه الحديث بالتسويات والحكمة وتجنّب القمع في مجتمع كبير التعقيد عشائريا، لطالما كان يوالي العرش طيلة العقود المنصرمة.

كانت الحلول السابقة أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تتمثل اما بحل البرلمان أو بإقالة الحكومات او بإجراء تعديلات وزارية، ولعل الأردن من أكثر الدول العربية تغييرا للحكومات أو تعديلا لها. أما هذه المرّة، فيبدو الأمر أكثر تعقيدا ما لم يتدخل الملك عبدالله الثاني شخصيا ويقترح حلا يُرضي المعلمين المتمسكين بأحقية مطالبهم التي تطال معيشة نحو مليون و400 ألف شخص في الأردن.

هذا بالضبط ما يجعل البعض يأمل بأن يطل الملك الأردني قريبا ويحسم قضية المعلمين فيجدّد موقعه كضامن لوحدة البلاد

 لكن هل ان المشكلة تتعلق بمطالب نقابية فقط؟

– قبل هذه الخضة التعليمية ذات المطالب المُحقّة للمعلمين، كان الأردن قد عاش في العام الماضي خضة اقتصادية كبيرة، ليتبين لاحقا أن كثيرا من الوعود العربية بقيت حبرا على ورق وان ثمة ضغوطا سياسيا تُمارس من الشقيق قبل الخصم بغية دفع الأردن باتجاه خيارات مستقبلية صعبة تتعلق بصفقة القرن. جرى تعديل حكومي كبير ونُفذت بعض الوعود وهدأت الاوضاع، لكن الجمر بقي تحت الرماد.

– مع تلاحق وتعاقب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ارتفعت لهجة النقد الداخلي لا بل ولهجة التهجمّات اللفظية ضد العرش أيضا، وبعضها راح يطال الملك وعقيلته (الملكة رانيا الفلسطينية الأصل). هذا جديد لجهة النبرة العالية وكسر الخطوط الحمراء من خلال القول ان ثمة هوة بين الشعب والملك.

– يوحي تيار الاخوان المسلمين في الأردن بأنه على الحياد السياسي في مسألة اضراب المعلمين. لكن ثمة من يقول إن هذا التيار بعمقه الشعبي اللافت للإنتباه، قد يكون في مرحلة انتظار تطور الاوضاع في هذا الاتجاه او ذاك للتدخل. يذهب البعض الى حد القول ان الاخوان في مصر بقوا على هامش التظاهرات ضد الرئيس حسني مبارك حتى شعروا بتبدل الرياح، فانضموا علانية الى الشارع وتصدروا الواجهة. لكن من يلتقى بإخوان الأردن مؤخرا يقول انهم ايجابيون في تعاملهم مع الاضراب وليست لهم أي نوايا لتسيسه.

– تأتي هذه التطورات في الأردن، في أعقاب تجدد موجات الربيع العربي ونجاحها في بعض الدول بفضل التناغم الجيد بين الحراك الشعبي السلمي والمؤسسات العسكرية. حصل هذا خصوصا في الجزائر والسودان. ثمة من يقلق بأن تبلغ ارتدادات هذه الموجة الأردن الذي نجح في تفادي “الربيع” سابقا.  لكن الأكيد ان المؤسسات العسكرية والأمنية الأردنية موالية تماما للعرش وليست في موقع صدامي مع الناس.

أين الخطر إذا؟

من يقرأ كتاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “مكان بين الأمم” والذي يعتبر فيه  أن الأردن هو “الوطن البديل”، ومن يتابع عنترياته الحالية لجهة طرد أهل الضفة الغربية الى الأردن، ومن يقرأ بإمعان حجم الضغوط الدولية والعربية والإسرائيلية التي تُمارس على عمّان للقبول بتمرير صفقة القرن ولو على حساب البنية الاجتماعية والديمغرافية والسياسية للبلاد، يفهم أن المطلوب على الأرجح هو إبقاء الاردن على فوهة بركان، واضعاف موقع العرش، وزرع بذور شرخ فلسطيني أردني داخل الأردن، ذلك أن اللحمة الاردنية الداخلية حول العرش مناهضة لمنطق صفقة القرن.

الأردن مرتبط بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ اتفاقية وادي عربة قبل ربع قرن، ولا توجد عداوة بين الطرفين، لكن عمّان لا تستطيع مطلقا القبول بأن تكون ضحية لصفقة القرن وتبعاتها.

لعله من واجب الحكومة أن تتفادى اتساع حجم المطالب الاجتماعية عبر استيعابها وحسن الحوار مع النقابات لان ثمة من يريد الولوج الى النسيج الأردن من أي بوابة ممكنة.

هذا بالضبط ما يجعل البعض يأمل بأن يطل الملك الأردني قريبا ويحسم قضية المعلمين فيجدّد موقعه كضامن لوحدة البلاد. ما عداه، لن يكون سهلا، ذلك ان صفقة القرن تتطلب اضعاف الأردن وعرشه.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  حادثة التنف.. لا أحد يخوض معارك أميركا بعد اليوم!
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  لبنان إن خَرَجَ من سوريا وسائر المشرق.. يُسقط "طائفه"!