الحراك بحاجة لصدمة حقيقية لا للقمع  

يراقب العالم ما يجري في لبنان ليقرر في أي إتجاه يسير، تماما كما حصل في ثورات عربية أخرى، حتى ولو أن المؤشرات جميعا حتى الآن تؤكد دعم بقاء الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة، دون إستبعاد تعديل وزاري أو الانتقال الى حكومة تكنوقراط.

من يراقب حركة السفراء الأجانب وتصريحاتهم في لبنان، يفهم أن المجتمع الدولي واقف على مسافة واحدة بين دعم إصلاحات الرئيس الحريري، وبين عدم المساس بالحراك السلمي، ويعتمد على الجيش لحماية المتظاهرين شرط إمتناع هؤلاء عن العنف.

الحريري إتصل أو التقى بسفراء أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة والقائم بالأعمال الصيني وممثل جامعة الدول العربية وسفير الكويت (لم يذكر مكتب الحريري أي اتصال مع السفير السعودي). وقالت المجموعة الدولية بعد هذه اللقاءات إنها ” تدعم إصلاحات الرئيس الحريري التي تتماشى مع تطلعات الشعب، وأن الحريري إلتزم بأن توفّر الحكومة وقواها الأمنية الشرعية الحماية للمدنيين المتظاهرين بشكل سلمي، وستتخذ التدابير المناسبة تجاه أي تحريض عنيف محتمل لحماية الممتلكات العامة والخاصة والمؤسسات”.

غداة هذه اللقاءات، رأينا اليوم الجيش اللبناني، وكما كان متوقّعا، ينزل إلى بعض الطرقات الرئيسية ليعيد فتحها، حتى ولو إضطر لاستخدام القوة الناعمة (وليس السلاح). ما يعني عمليا أن الجيش يتمتع بغطاء محلي ودولي للقيام بهذه الخطوة المنتظرة، وأن في الأمر رسالة واضحة للجميع بضرورة إحترام رأي الناس وحمايتهم من جهة، وعدم السماح بالعنف وقطع الطرقات من جهة ثانية.

لا شك أن الدعم الدولي العلني للرئيس الحريري والذي يضاف إلى دعم مُباشر من قبل حزب الله (حتى ولو إختلفت مقاصد الغرب والحزب)، يسحب قليلاً البساط من تحت أقدام قوى إستغلت غضب الناس لشن حملة سياسية ممنهجة ضد العهد والحكومة والحزب، وفي مقدمها القوات اللبنانية، التي تحرّك مناصروها صوب الشوارع رفضاً لإعادة تعويم العهد حتى لو إضطرها الأمر لقطع الطرقات والصدام بالقوة، بينما تولى بعض الاعلام تسليط الضوء على عون وحزب الله وحركة أمل. أما الحزب التقدمي الإشتراكي فيبدو أنه ينحو صوب التهدئة، وظهر ذلك جلياً في الطلب من المناصرين عدم إستخدام عبارات نابية في التظاهرات، ثم ظهر في دعوة وزير التربية الاشتراكي أكرم شهيب لفتح المدارس حتى ولو إضطر للتراجع عن الأمر لاحقاً أمام ضغط الشارع.

يبدو المجتمع الدولي راغب بإعادة لبنان إلى الاستقرار خصوصاً بعدما إقتنع الجميع بأن الفوضى تعني مصيراً قاتما للبلد وللنازحين السوريين

هنا نحن أمام ٣ إحتمالات:

  • فإما أن يستمر الدعم الدولي وتظهر نتائجه الفورية في عمل الحكومة، ويصار الى المراهنة على تنفيس غضب الشارع مع الزمن حتى لو إستمرت التظاهرات لأسابيع.
  • أو أن تتطور حركة الشارع صوب محاولة الحراك قطع الطرقات بالقوة ورفع مستوى التحدي، فينزل الجيش بقوة أكبر وندخل في مرحلة جديدة مقلقة خصوصاً إذا أصرت القوات اللبنانية، ومعها الكتائب في بعض المناطق مثلا، على الانتشار في مناطق نفوذها ضد التيار الوطني الحر (على غرار ما جرى اليوم في منطقتي جل الديب و الزوق حيث تحولت محاولات الجيش لفتح الطرقات الى تدافع مع المحتجين).
  • وإما أن يلجأ الحريري الى صدمة سياسية فعلية، فيصار إلى نسف كل هذه الحكومة وتشكيل غيرها من وزراء تكنوقراط لتنفيذ الإصلاحات وتمرير المرحلة الحساسة جداً، ذلك أن التعديل (وكما شرح الزميل حسين أيوب في مقاله أمس على موقع ١٨٠، يصطدم بعقدة الوزير جبران باسيل الذي لو قبل الاستقالة وهذا مستبعد، يعني أنه خسر معركة كبرى أمام خصومه اللدودين وفي مقدمهم سمير جعجع ووليد جنبلاط).

لا شك أن الخيار الثالث هو الأفضل، وهو وحده قادر على تنفيس الاحتقان وإقناع الناس بأن مطالبهم قابلة للتنفيذ.

حتى الآن يبدو المجتمع الدولي راغباً بإعادة لبنان إلى الاستقرار، خصوصاً بعدما تبين أن حزب الله الذي كان يراد تطويقه أيضاً شعبياً بعد العقوبات، قد تلقّف الأمر وظهر بمظهر حامي العهد ورئيس الحكومة ومتحكّماً بمفاصل البلد، وبعدما إقتنع الجميع بأن الفوضى في لبنان تعني مصيراً قاتما للبلد وللنازحين السوريين فيه، وبعدما إقتنعوا أيضاً بأن لبنان يختلف عن الدول الأخرى بحيث أن الجيش لا يستطيع أن يكون طرفاً ثالثاً ويمسك بمفاصل البلد.

لكن تبقى خطورة واحدة، وهي أن يقرر العالم التخلي عن لبنان كما حصل طيلة ١٥ عاماً ونصف العام من الحرب، بذريعة أن هذا العالم لا يريد إنقاذ بلد ما زال حزب الله فيه هو القوة الأهم، وسوف يزداد أهمية بعد إنتهاء الحرب السورية، وبذريعة أن  الفوضى مفيدة لتمرير صفقة القرن. لذلك المهم أن يحافظ الحراك السلمي الرائع على وهجه معبراً عن غضب الناس ونقمتهم ورغبتهم بالتغيير وليس عن مصالح هذا الطرف أو ذاك.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  هذه تنبؤات "فورين بوليسي" لعشر أزمات عالمية في العام 2024
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  ما بعد نتنياهو.. هل تتغير السياسات؟