روسيا ومقتل البغدادي.. تشكيك في مصير رجل دُفن عدّة مرات

لم يقنع الإعلان الأميركي عن مقتل أبي بكر البغدادي الروس. "العمل الكبير" الذي أكّده الرئيس دونالد ترامب في مؤتمره الصحافي يوم أمس، قوبل سريعاً بتشكيك رسمي في وزارة الدفاع الروسية، وأثار حوله الإعلام الروسي الكثير من التساؤلات، وتحوّل إلى موجة "سخرية" عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

توجيه الرئيس الأميركي الشكر لروسيا على مساعدتها، غير المباشرة، في تصفية زعيم تنظيم “داعش” لم يكن له أيّ تأثير في موسكو، لا بل أن هذه الجزئية في الإعلان الرسمي عن عملية الكوماندوس في إدلب، والتي تضمنت إشارة من ترامب إلى إعلام موسكو بأنّ عمليةً ما ستنفذ في إدلب،
جاءت لتضاعف الشكوك الروسية حول الرواية الأميركية.

المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء ايغور كوناشينكوف أكد أن “لا معلومات موثوقة بشأن سلوك الجيش الأميركي في الجزء الخاضع لسيطرة تركيا من منطقة خفض التصعيد في إدلب في عملية القضاء على الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي”، لافتاً إلى أن “الزيادة في عدد المشاركين المباشرين، والبلدان التي يُزعم أنها شاركت في هذه ]العملية[، مع كل تلك التفاصيل المتناقضة تماماً، تثير تساؤلات وشكوكاً مشروعة حول صحة نجاحها”.

وبحسب  كوناشينكوف فإنه “يوم السبت، وفي الأيام السابقة، لم تُشن أية غارات جوية على منطقة إدلب من قبل الطائرات الأميركية أو ما يسمى ]التحالف الدولي[“.

ما يعزز شكوك وزارة الدفاع الروسية حول العملية الأميركية هي “إقامة البغدادي بشكل هادئ في منطقة خفض التصعيد في إدلب، والتي يسيطر عليها الفرع السوري لتنظيم القاعدة، أي جماعة جبهة النصرة” التي تعتبر “داعش” منافساً لها على النفوذ في سوريا، وسبق أن خاضت معارك ضارية ضده.

في مطلق الأحوال، وبصرف النظر عن التشكيك، رأت وزارة الدفاع الروسية أن موت البغدادي “ليست له أية أهمية عملية على الإطلاق في الوضع في سوريا أو على تصرفات الإرهابيين الباقين في إدلب”.

البغدادي “دُفن” عدة مرات

 

التشكيك الرسمي الروسي واكبه تشكيك أوسع نطاقاً في وسائل الإعلام، التي طرحت الكثير من التساؤلات حول ملابسات مقتل البغدادي.

موقع “تسارغراد”، على سبيل المثال، وتحت عنوان “البغدادي دُفن عدّة مرات”، أشار إلى حقيقة أن السنوات الماضية شهدت الكثير من التسريبات عن مقتل تنظيم “الدولة الإسلامية”.

يستعرض الموقع بالتفصيل هذه الوقائع: “في العام 2011، أعلنت الولايات المتحدة عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات موثوقة حول مكان وجود هذا الإرهابي (حين كان يتزعم تنظيم ]الدولة الإسلامية في العراق[. ولكن، طوال ثلاث سنوات تلت، لم يُسمع أي شيء عنه. بعد ذلك، وفي صيف عام 2014، استولت جماعته على مدينة الموصل وجزء من شمال العراق، وعندها ظهر ]داعش[ اختصاراً لتسمية الدولة الإسلامية في العراق والشام”.

ويضيف الموقع “ظهرت الشائعات الأولى حول وفاة زعيم ]داعش[ بعد ضربات نفذها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في منطقة القائم. ثم قيل إن العشرات من الجهاديين قتلوا، وأن البغدادي ربما كان من بينهم. ومن ثمّ تحدثت وسائل الإعلام عن إصابة هذا الإرهابي بجروح خطيرة، وادعت تقارير أخرى أنه توفي في أحد مستشفيات الرقة في سوريا”.

سرعان ما “تم إحياء” البغدادي، يكمل الموقع، فقد “زُعم أنه شوهد في تركيا، حيث كان يخضع للعلاج، ومنها ذهب سراً إلى ليبيا. وفي صيف عام 2016، تم نشر تقارير تفيد بأنه أصيب بجروح قاتلة نتيجة ضربة أخرى لقوات التحالف في منطقة الرقة نفسها… وبعد أقل من عام بقليل، ألمحت وزارة الدفاع الروسية إلى أن البغدادي قتل في غارة جوية روسية، ومع ذلك، فقد قدمت الخدمة الصحافية للوزارة هذا الخبر باعتباره مجرّد معلومات تحتاج إلى توضيح”.

تساؤلات وتناقضات

ما سبق فتح الباب أمام سيل من التساؤلات في وسائل الإعلام الروسية حول الرواية الأميركية، وإشارات متعددة إلى التناقضات التي احتوتها.

على سبيل المثال، طرح موقع “إي – رياكتور” الأسئلة التالية:

1- أين هو شريط الفيديو الذي يؤكد العملية؟

يشير الموقع إلى إعلان ترامب عن أن “الإرهابي العالمي قام بتفجير نفسه أثناء ملاحقته من قبل القوات الأميركية الخاصة في أحد الأنفاق”، مضيفاً “في الغالب، يتم تصوير هذه العمليات عبر كاميرات مثبتة على خوَذ قوات دلتا الخاصة لتحليلها لاحقاً. والفيديو الذي تم تصويره بهذه الكاميرات كان يمكن أن يشكل دليلاً ممتازاً على ما قاله ترامب، لكن الرئيس الأميركي رفض رفضاً قاطعاً تقديمه إلى الصحافيين”.

2 – من أين يأتي الحمض النووي للبغدادي؟

يلفت “إي – رياكتور” الانتباه إلى أن ترامب أشار إلى “التعرف على البغدادي من خلال مقارنة عينات الحمض النووي. وهنا يُطرح سؤال منطقي: من أين حصلت السلطات الأميركية على عينة الحمض النووي من المجرم المراوغ، لكي تتم مقارنته بحمضه النووي بعد تصفيته”، مضيفاً: “هنا تتبادر إلى الذهن العلاقة بين زعيم  ]داعش[ ووزارة الخارجية الأميركية، والتي تحدث عنها الخبراء سابقاً”.

3- كيف وصل زعيم “داعش” إلى إدلب؟

وفقاً لترامب، تمت تصفية البغدادي في محافظة إدلب السورية، التي تسيطر عليها حالياً مجموعات معادية لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي هذا السياق، يشير موقع “اي-رياكتور” إلى أن وزارة الدفاع الروسية تقول إنه ينبغي على الولايات المتحدة تقديم دليل مباشر على وجود البغدادي في الإقليم، وليس مجرد الحديث عنه.

ويضيف “برغم ذلك، يمكن الإشارة إلى أنّه عند الطريق إلى إدلب من الحدود هناك العديد من الأطواق السورية والتركية”، وباستطراد “يزعم المحللون المؤيدون لأميركا أن البغدادي وصل إلى هناك للقاء قائد (جماعة) حراس الدين، ولكن في اجتماعات كهذه لماذا يأخذ معه زوجات وأطفال كأولئك الذين قال ترامب إنهم ماتوا مع زعيم ]داعش[؟”.

إقرأ على موقع 180  أزمة الطاقة العالمية.. الأسوأ لم يأتِ بعد (1)

انطلاقاً من ذلك، يرى الموقع أن ما حدث يشبه إلى درجة كبيرة “خدعة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما” حول تصفية زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن في أبوت أباد، ويتساءل بشكل ساخر: “لماذا يفضل ترامب أخذ نسخة من رواية عدوه اللدود؟”.

مكان وجود البغدادي وقت تصفيته، كان أهم ما أثار ملاحظة الصحافة الروسية، فصحيفة “كومرسانت”، على سبيل المثال، اعتبرت في تغطيتها للحدث إنه “لأمر مدهش أن أبو بكر البغدادي كان مختبئاً في محافظة إدلب، وهو المكان الذي ظل طوال الحرب السورية معقل مقاتلي ما يسمى بالمعارضة المعتدلة والمدنيين الذين لا يريدون العيش تحت حكم الرئيس السوري بشار الأسد. علاوة على ذلك، فقد قاتلت هذه الجماعات في معظمها ]الدولة الإسلامية[ ولم تعترف بسلطات السيد البغدادي”، مضيفة أنه “بالنظر إلى هذا الوضع، اعتقد الكثيرون أن البغدادي لم يكن يختبئ هناك، وإنما في مكان ما على الحدود العراقية السورية”.

موقع “تسارغراد” أضاف إلى ما سبق، تساؤلات أكثر تفصيلاً حول الرواية الأميركية.

تنطلق هذه التساؤلات من أنه “لم يتضح بعد كيف سمح الإرهابيون لكل الطوافات الاميركية بأن تحط في مكان إقامة قائدهم، ولم يتمكنوا من إسقاط حتى واحدة منها؟”.

كذلك يتساءل الموقع: “كيف علم الأميركيون أن البغدادي فجّر نفسه؟ لو كان كان هناك فرد على الأقل من القوات الخاصة في مكان قريب، لكان قد أصيب بجروح خطيرة على الأقل، أو حتى لقي حتفه”، والأهم “ما كانت الحاجة إلى غارة جوية بعد العملية؟”، ليخلص إلى القول إن “السبب المنطقي الوحيد، وفقًا للخبراء، هو إخفاء أدلة ما”.

ومع ذلك، يشير الموقع إلى أن “كل ما سبق مجرد تخمين. إذا كان أبو بكر البغدادي قد قُتل فعلاً في إدلب، فالحقائق لا يكفي أن تقتصر على بيان ترامب، ذلك المجتمع الدولي يحتاج إلى أدلة… سوف ننتظر بفارغ الصبر”.

الخبير في نادي “فالداي” اندريه بيستريتسكي ربما كان أقل الروس تشكيكاً في رواية مقتل البغدادي، لكنه ترك هامشاً قليلاً للخطأ في التقدير، حين قال لوكالة “تاس” إن “المعلومات المتعلقة بتصفية زعيم الإرهابيين صحيحة بنسبة 99 في المائة… ولكن في الشرق الأوسط، لا يمكن اعتبار أي شيء نهائياً”.

بين الانتخابات الأميركية و”رائحة النفط”

 

يربط المحللون الروس بين إعلان دونالد ترامب عن تصفية البغدادي والحملة الرئاسية في الولايات المتحدة.

وتحت عنوان “ورقة وهمية رابحة وسط هزيمة الولايات المتحدة في سوريا”، نقلت وكالة “فدرالنايا اغنستفا نوفوستي” عن عضو مجلس الاتحاد الروسي سيرغي تسيكوف قوله إن “بيان ترامب الصاخب بشأن القضاء على زعيم ]داعش[ ينطوي على خداع”، موضحاً أن “الولايات المتحدة كانت تحتاج إلى انتصارات بعد هزيمتها السياسية في سوريا، بعدما وافقت روسيا وتركيا، من دون مساعدة أميركية، على إنهاء عملية  عملية ]نبع السلام[ الموجهة ضد المسلحين الأكراد. والآن تحتاج واشنطن بشكل عاجل إلى إعادة التأهيل في عيون الأميركيين وكبار الحلفاء في أوروبا”.

يتفق يوري سامونكين ، رئيس “المعهد الأوراسي للبحوث ودعم مبادرات الشباب” مع وجهة النظر هذه، إذ يرى أن “البيان حول القضاء على الإرهابي الخطير ليست أكثر من استعراض إعلامي سياسي”، لافتاً إلى ان “بيان ترامب هو تعبير عن خلفية الحملة الانتخابية الرئاسية الجديدة التي تكتسب الآن زخماً كبيراً”.

ويوضح سامونكين، في حديث إلى موقع “بوليتروسيا” أن “ترامب الذي يعتزم البقاء على رأس السلطة يريد أن يلعب الورقة السورية”، وبالتالي فإنّ “الغرض من خديعة قتل البغدادي هو رفع تصنيفه وإضافة نقاط سياسية” إليه، مشيراً إلى أن “هذه هي لعبة واشنطن الصعبة”.

من جهتها، أشارت صحيفة “ازفستيا” إلى أن المزاعم بشأن مقتل البغدادي تزامنت مع القرار الأميركي بإعادة مئات العسكريين إلى شرق سوريا.

وتوضح الصحيفة الروسية أنه “في وقت سابق، توافقت واشنطن مع أنقرة على سحب وحداتها من المناطق الحدودية مع تركيا. وبعد ذلك، في 9 تشرين الأول، أطلق الأتراك عملية ]نبع السلام[ ضد قوات الدفاع الذاتي للأكراد السوريين… وفي وقت لاحق سحب الأميركيون معظم قواتهم من سوريا إلى العراق المجاور، تاركين عدداً صغيراً فقط من القوات ]لحماية[ حقول النفط”.

في هذا الإطار، يرى نائب مدير معهد التاريخ والسياسة في جامعة موسكو الحكومية فلاديمير شابوفالوف، في مقابلة مع صحيفة “سلوفو إي ديلو”، أن “مقتل البغدادي يبدو وكأنه خداع أميركي آخر مطلوب لتحويل الانتباه عن سرقة النفط السوري”.

ويلفت شابوفالوف الانتباه إلى “التزامن مفاجئ لهذه الأحداث مع انسحاب القوات الأميركية من المناطق السورية التي يحتلها المسلحون الأكراد ، وكذلك مع اتهامات في أميركا وخارجها ضد ترامب: سيد البيت الأبيض يواجه حقيقة أنه خان مصالح الأكراد والمصالح الوطنية للولايات المتحدة، وأظهر ضعفه، وخسر الشرق الأوسط أمام روسيا”.

Print Friendly, PDF & Email
وسام متى

صحافي لبناني متخصص في الشؤون الدولية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  عقوبات أميركا.. إنكشاف قوة لم تعد عظمى!