أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.. “خليفة” الوقت الضائع

قليلة هي المعلومات عن زعيم تنظيم "داعش" الجديد، وهي تتضارب في أيّ من "وزراء الخليفة" قد حل محله، فبين "المدمر" و"وزير الانتحاريين" وغيرهما من الألقاب التي لمّعت بها وسائل الإعلام المرشحين المحتملين لخلافة البغدادي في السنوات القليلة الماضية، وقع اختيار التنظيم على "المُعلم"، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، قائداً جديداً.

تتنوع المعلومات الشحيحة بين كون القرشي أحد القادة المعروفين على مستويات استخباراتية وإعلامية ولكنه بدّل أسمه ولقبه ليتوافق مع الشروط الدعائية والشرعية لشخص “الخليفة”، وبين روايات متضاربة متنوعة المصادر حول الخلفية التي أتى منها ومسيرته في التنظيم، والتي تعود إحداها لما قبل الاحتلال الأميركي للعراق 2003.

ومن بين أسماء معروفة ذاع صيتها في السنوات الأخيرة من قياديي تنظيم “داعش”، سواء في الفضاء الافتراضي للتنظيمات الجهادية أو وسائل الإعلام وتسريبات أجهزة الأمن والاستخبارات، لم يقع الاختيار على أحدهم ليكون خليفة “الخليفة” الذي قُتل في غارة أميركية قبل أسبوعين، بناء على معلومات تتنوع مصادرها من أعضاء سابقين في التنظيم وأقاربه، وتعاون استخباراتي بين واشنطن وحلفائها في المنطقة.

ولكن التعتيم على هوية “الخليفة” الجديد لا يأتي من باب الغموض المعتاد في سيرة زعماء التنظيمات الإرهابية المعروفين لدى أجهزة الأمن والاستخبارات الإقليمية والدولية، وإنما كنوع من الإثارة المتعمدة والهيبة لتوفير ما قد ينقص شخص “الخليفة” الجديد، مثلما كانت الحال مع سلفه، وهي نفسها الإثارة التي استمرت حتى ظهور البغدادي العلني الأول منتصف 2014.

بين هذا وذاك، ثمة ثوابت ومحددات يجب أن تتوافر في شخص “الخليفة”، سواء على منحى التأصيل الشرعي، بحسب أدبيات وفقه التنظيمات الجهادية، أو على مستوى ضروريات الواقع الاستثنائي لظاهرة “داعش” ككل، وخاصة في أعوامها الأخيرة، والظروف الذاتية والموضوعية التي على أساسها يتم اختيار زعماء التنظيمات الجهادية و”مبايعتهم”، والتي قفز تنظيم داعش بها من “الإمارة” إلى “الخلافة”.

“أهل الحل والعقد”.. الأقدمية كعامل حاسم

 

في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، علم أجهزة الاستخبارات الأميركية بخليفة البغدادي، فإن علامة الاستفهام على عدم تأكيد هوية القرشي بعد إعلان التنظيم عنه تبدو غريبة على سياسات ترامب المبالغة في الدعائية، والتي قد تكون استثماراً تالياً مع قرب موعد الانتخابات الأميركية.

 وبعيداً عن فرص التوظيف والاستثمار الدعائي من جانب الإدارة الأميركية فأن الولايات المتحدة تمتلك على الأرجح ثلاث مقاربات عن كينونة “الخليفة” الجديد تتمحور حول قرارات البغدادي في الفترة الأخيرة من حياته بتولية كل من القياديين البارزين في “داعش” مسئوليات مختلفة، وكذلك لكونهم من دائرة “أهل الحل والعقد”، وهي المجموعة التي أحيطت بغموض وسرية حتى بعد إعلان “الخلافة” في 2014، ووصفتها مجلة ديرشبيجل الألمانية في آذار/مارس عام 2015، عقب أنباء عن إصابة البغدادي وتدهور حالته الصحية، بأنها تضم”قدامى الجهاديين في العراق والمعروف عنهم تشددهم البالغ ومرافقتهم البغدادي في سجن بوكا عام 2004″.

المؤكد أن أياً من القياديين الثلاثة في “أهل الحل والعقد” لم يكون الاختيار الأول للبغدادي لإنابته أو خلافته، ولا أكثر القاديين نفوذاً وتأثيراً من ناحية التشريع ضمن قواعد وصفوف التنظيم الإرهابي.

وبخلاف أن اللقب الرسمي الجديد لـ”الخليفة” هو عبارة عن كُنية لا تؤكد ولا تنفي الشائعات حول خلفيته الجهادية وجنسيته، إلا أن المؤكد وحسب التسجيل الصوتي للمتحدث باسم “داعش” أن هذا الشخص يأتي من نفس الطيف الجهادي الذي أتى منه البغدادي، والذي يجمع بين التحصيل الفقهي والخبرة العسكرية، والتي قد تمتد إلى خلفيات نظامية في الجيش العراقي إبان عهد صدام حسين.

تلك القائمة من معاوني ونواب البغدادي تبدلت وتغيرت على مدار السنوات الأربع الماضية على أثر اندحار التنظيم ومقتل قياداته في حوادث مختلفة على امتداد جغرافيا سوريا والعراق. لكن حتى مع ذلك فأن هناك سمات تجمع كل من أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى ولقبه “حجي عبدالله قرداش”، وسامي جاسم محمد الجبوري ولقبه “حجي حميد”، ومعتز نعمان عبد نايف نجم الجبوري ولقبه “حجي تيسير”، وأبرزها أنهم كانوا ضمن تنظيم “مجلس شورى المجاهدين” الذي تكون من تنظيمات جهادية تحت أمرة أبي مصعب الزرقاوي، وهو ما يشي بأن هناك نمط من “الأقدمية” كان يهيمن على تفضيل البغدادي لرجاله وخاصة في سنوات حياته الأخيرة.

قالوا…

 

” نعلم تماماً من حلّ مكانه (البغدادي) في قيادة التنظيم الإرهابي”.

 الرئيس الأميركي دونالد ترامب

“علم من أعلام الجهاد، وعالم من علماءه”.

المتحدث بأسم “داعش” أبو حمزة القرشي

“المعلومات عنه بخلاف أسمه الأول ولقبه الجديد لا يعرفها قادة الصف الثاني من داعش”.

صحيفة واشنطن بوست

الحاج تيسير والحاج حميد.. تلاميذ مُعلم الزرقاوي

يشير المنظر الجهادي، عبد الرحمن القادولي ولقبه أبو علي الأنباري، في سيرته الذاتية إلى أنّ الزرقاوي بعدما قدم إلى العراق قبيل الغزو الأميركي، ألتقى مع أثنين من تلامذته كانا ضمن “المجاهدين الأولين في بلاد الرافدين”، وشكلا ارتكازاً للتمايز بين الأطر الجهادية التي قادها وشكلها الزرقاوي وبين تنظيم “القاعدة” بزعامة أسامة بن لادن آنذاك، والتي بدأت بالانفصال التدريجي بعد العام 2003.

إقرأ على موقع 180  لبنان وروسيا.. "من يُغيّر عادته تقل سعادته"!

على هذا الأساس، شكل الحاج تيسير نواة الإسناد المالي واللوجستي لتنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، فيما تولى الحاج حميد عملية تدريب المقاتلين على أعمال التفجير وصنع العبوات الناسفة.

وبخلاف ذلك فإن الرجلين تتلمذا على يد القادولي وكانا يعتبرانه شيخهما المباشر حتى قبل الزرقاوي والبغدادي.

يضاف إلى ذلك أن انتماءهما لعشيرة الجبور ومدينة الموصل، فأن “حجي تيسير” و”حجي تيسير” قد شكلا مع البغدادي وأبو علاء العفري وحجي بكر، نواة مجموعة “الحل والعقد”، التي كانت الحامل الفاعل والامتداد الفقهي والشرعي والعملي لتنظيرات القادولي، والتي تعد الأساس في رسم الإطار “الشرعي” والنظري لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” الذي أصبح في ما بعد “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.

واللافت أيضاً تباين وتنوع اختصاصاتهما داخل التنظيم والمهمات التي أوكلها البغدادي إليهما مؤخراً، حيث أن “حجي حميد” تولى مالية التنظيم وكان مسؤولاً عن بيع النفط والآثار وغيرها من الموارد في الأراضي التي سيطر عليها عناصر التنظيم في سوريا والعراق، فيما كان “حجي تيسير” مسؤولاً عن تدريب الانتحاريين والانغماسين، إلا أن الأثنين حرصا ضمن ممارساتهما العملية ضمن الغطاء الشرعي والفقهي سابق الذكر.

النقطة السابقة، وبحسب تقرير لصحيفة الاندبندنت البريطانية، تشكل أساس استمرار “داعش” حتى بعد انهيار “دولتها”، وتكمن في تضفير تمويل عملياتها الإرهابية بالتأصيل الشرعي للعمليات الانتحارية التي أضحت في الفترة التي تلت فقدان الموصل والرقة وباقي المدن التي كان يسيطر عليها “داعش”، النشاط العسكري الرئيسي للتنظيم من أجل إبقائه على قيد الحياة، لدرجة تجعل بعض المتخصصين في الحركات الجهادية يرى أن المسؤولين عن استمرار هذه العمليات كانت لهم السيطرة الفعلية والقول الفصل داخل التنظيم في العاميين الماضيين، وأن البغدادي تقلّص دوره إلى حدود شرفية لا تتجاوز المباركة لما يفعلونه.

عبدالله قرداش..دواعي عملية ومخالفة شرعية

يعتبر عبد الله قرداش الأقرب إلى هوية “الخليفة” الجديد ضمن المقاربات سابقة الذكر بين من تبقى من الصف الأول لتنظيم “داعش”. وحسب قوائم وكالة الأمن القومي الأميركية، وبرنامج المكافآت في وزارة الخارجية الأميركية، فإنّ عبدالله قرادش تولى الأعمال القتالية اليومية بشكل فاعل في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى كونه مُشرع عام التنظيم في الأشهر الأخيرة، وقبلها أولاه البغدادي منصب “الحل والعقد في شؤون أمن الدولة الإسلامية”، وهي السلطة الأكثر نفوذاً بعد منصب “الخليفة” عملياً.

وترجح أجهزة الأمن العراقية أن قرادش من الجيل الذي تأثر بأفكار السلفية الجهادية عشية الغزو الأميركي للعراق، وعاش الجزء الأكبر من حياته في مدينة الموصل، واعتقل في العام 2004 لصلته بتنظيم “مجلس شورى المجاهدين”. وتشير المصادر العراقية إلى أن الأخير عرف عنه هوسه بالانتقام العشوائي ودمويته، كما يُتهم بأنه وراء اتخاذ قرار تنفيذ “مذبحة سبايكر” التي راح ضحيتها أكثر من ألفي شاب عراقي.

التسجيل الصوتي الصادر عن التنظيم يصف “الخليفة” الجديد بأنه “أمير” حرب ويعدد صفات تكاد تطابق مع “حجي عبدالله”. ولكن حتى مع تشابه “أمير حرب” مع أسمه الحقيقي، إلا أن هناك تناقضاً رئيسياً يعود إلى تأصيل شرعي في مسألة شخص “الخليفة” طبقاً لأدبيات السلفية الجهادية، وهي حتمية نسبه وبالحد الأدنى إلى قبيلة قريش، أي وجوب انتمائه إلى الاثنية العربية وليس التركمانية كما هي الحال بالنسبة لقرادش.

وجدير بالذكر هنا أن عشية إعلان البغدادي كـ”خليفة”، كانت أحد أهم المحاجات التي ساقها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، أن البغدادي وبخلاف غيره من زعماء التنظيمات الجهادية حول العالم، وأبرزهم تنظيم “القاعدة”، نسبهُ يعود لقبيلة قريش، كتأكيد على أصل ثابت تاريخياً في اختيار الخليفة، وهو حتمية أن يكون عربياً قرشياً.

وكمحصلة عامة، فأن غموض هوية أبو إبراهيم الهاشمي القرشي الحقيقية، وابقاءها ضمن علامات الاستفهام الكثيرة الخاصة بالتنظيم ودوره الوظيفي في المنطقة، قد يكون هدفاً في حد ذاته للتنظيم الذي انتهى رسمياً بمقتل رمزه الأهم الذي حمل التحول الأبرز في مسيرة التنظيمات الجهادية على مدى العقود السابقة، فيما يكمن الاختلاف فقط في قدرة “الخليفة” الجديد على إبقاء شبح “داعش” حيّ في خيال جمهوره ومن ذاقوا ويلاته على حد سواء.

Print Friendly, PDF & Email
إسلام أبو العز

كاتب صحافي ومحلل مختص بالشؤون الإقليمية والعلاقات الدولية - مصر

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  المطلوب من إيران سعودياً.. وقف حرب اليمن اولاً