الحريري وباسيل يتحاربان بسمير الخطيب.. والحكومة مؤجلة
سياسة الحريري في السراي ( عباس سلمان )

نظرياً، يمكن القول إن رجل الأعمال اللبناني سمير الخطيب يتصرف حالياً، بوصفه المرشح الحصري الوحيد لرئاسة الحكومة اللبنانية، لكن التدقيق بالمواقف والمعطيات لدى الأطراف السياسية اللبنانية الوازنة، يشي بأن "وراء الأكمة ما وراءها".

على الأرجح، لن ينتظر اللبنانيون حتى الإثنين المقبل، حتى يدركوا ما إذا كان سيكون لهم رئيس حكومتهم المكلف، ومن بعده، حكومة لا أحد يستطيع التنبؤ منذ الآن، ما إذا كانت ستولد أم لا وهل أن  البلد سيبقى عالقاً عند عنق زجاجة التسمية والتكليف.

ماذا في المواقف؟

عون امام بعض معاونيه في القصر الجمهوري:” اذا عاد الحريري إلى رئاسة الحكومة، لن أشارك في جلسات الحكومة”

أولا، يتصرف الرئيس اللبناني ميشال عون وكأنه خرج نهائيا من رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، حتى أنه قالها صراحةً أمام بعض معاونيه في القصر الجمهوري: “إذا عاد الحريري إلى رئاسة الحكومة، لن أشارك في جلسات الحكومة”.

هذه الحدة في الموقف العوني الشخصي ـ السياسي، تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول أسبابها الحقيقية، وهل هي متصلة بقرار الحريري الإستقالة من دون موافقة عون أو بسبب “الفيتو” السياسي ـ الشخصي، الذي وضعه رئيس الحكومة المستقيل على عودة جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر إلى أية حكومة حريرية في ما تبقى من سنوات العهد الحالي.

وإذا كان سفراء الدول الكبرى يحرصون على التأكيد أن أيا من عواصمهم، ولا سيما واشنطن، لم تضع أي “فيتو” على توزير باسيل في حكومة الحريري، وأن أبعاد المسألة محلية بحتة، فإن حالة القطيعة الحالية تطرح علامات إستفهام حول ما كانت عليه علاقة الثنائي سعد الحريري ـ جبران باسيل، طيلة سنوات ثلاث من عمر العهد الحالي، وهي علاقة إمتزج فيها السياسي بالـ”البيزنس” والشخصي، إلى حد إنتفت فيه الحدود، وبات يصعب تمييز موقف هذا من ذاك، لا بل إستطاع الحريري أن يكابر ويعض على جرح الصلاحيات التي لطالما إتهمه أقرب المقربين منه بأنه يفرط بها لا بل بالصيغة وبإتفاق الطائف.

لقد حسم عون وباسيل المعادلة الحكومية منذ اليوم الاول ما بعد الفراغ الحكومي الذي بدأ في التاسع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم: عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة تساوي عودة جبران باسيل، وبالتالي، إذا أصر الحريري على إستبعاد باسيل شرطا لعودته، فإن باسيل سيضع توزيره شرطا لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، لا بل إن باسيل كان واضحا أمام تكتل لبنان القوي في إجتماعه الأخير بأن مشاركته في أية حكومة تساوي مشاركة التيار سياسيا، كما أن عدم مشاركته تساوي عدم مشاركة التيار..  وهكذا أصبح لبنان أسير معادلة شخصية لا تمت بصلة إلى واقع البلد السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي الذي بلغ حافة الهاوية.

ثانيا، منذ اليوم الأول لإستقالته، أصبح الحريري أسير معادلة صعبة: بضربة إستقالة واحدة، إستعاد رصيدا سياسيا وشعبيا بدده على مدى سنوات. قررت بيئته أن تحتضن “عودة الإبن الضال”، وأن تصفح عنه شرط أن لا يفرط بالصلاحيات في ما تبقى من سنوات العهد. سقطت التسوية الرئاسية (عون في بعبدا والحريري في السراي الكبير)، وحاول الحريري أن يرسم قواعد إشتباك جديدة، بجعل قبول عودته إلى رئاسة الحكومة المعروضة عليه على طبق من ذهب، مشروطة بأن يكون رئيسا لحكومة تكنوقراط، وهي كلمة السر لحكومة يريد فقط أن يبعد عنها جبران باسيل.

جاء سمير الخطيب، بوصفه مرشح جبران باسيل لرئاسة الحكومة، وهي البداية التي إنطلق منها الرجل لنيل موافقة الإمارات والسعودية وسعد الحريري و”الثنائي الشيعي، قبل أن يكتشف الجميع أن ثمة أفخاخ كثيرة وكبيرة أمام الخطيب، أولها من داخل بيئته

عندما إلتزم الحريري بالمرشح محمد الصفدي مرشحا لرئاسة الحكومة، أخذ على رؤساء الحكومات السابقين أنهم رفضوا مسايرته ولو ببيان تأييد شكلي، لا يغيّر من حقيقة إقتناع زعيم تيار المستقبل بأن الصفدي سيسقط قبل أن يُكلف “لكن بيعوني ياها”. ما جرى مع الصفدي كان يمكن أن يتكرر مع بهيج طبارة، غير أن الأخير أدرك اللعبة مبكرا وفضل أن يفرض قواعد مختلفة للتكليف، أفضت إلى رمي إعتذاره بوجه الجميع، من دون أن يحرق نفسه أو صورته خصوصا أمام الحراك الشعبي.

جاء سمير الخطيب، بوصفه مرشح جبران باسيل لرئاسة الحكومة، وهي البداية التي إنطلق منها الرجل لنيل موافقة الإمارات والسعودية وسعد الحريري و”الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله)”، قبل أن يكتشف الجميع أن ثمة أفخاخ كثيرة وكبيرة أمام الخطيب، أولها من داخل بيئته، حيث إكتشف بالملموس أن لا تأييد عميقا لتكليفه لا من دار الفتوى ولا من الحريري ولا من رؤساء الحكومات السابقين ولا من إتحاد العائلات البيروتية ولا من باقي أطياف البيت السني اللبناني، وهو أمر لا يزعج الحريري الذي ما زال ينطبق عليه المثل: “بدو ياها وتفو عليها”.

ثالثا، لعل الأكثر إنسجاما مع موضوع التكليف هو “الثنائي الشيعي”، إذ أن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ومن خلال معاونيهما السياسيين حسين الخليل وعلي حسن خليل، أبلغا رسالة واضحة إلى الجميع: مرشحنا الأول اليوم وغدا وبعده هو سعد الحريري، وعندما فتحت أبواب التفاوض من أجل تسمية آخرين، كان شرطهما أن الممر الإلزامي لتكليف أية شخصية هو “بيت الوسط” (دارة الحريري في وسط العاصمة اللبنانية).

حتى أن “الخليلين” وفي آخر لقاء جمعهما بالحريري مطلع الأسبوع الحالي، وعندما أبلغهما بقراره الواضح بدعم سمير الخطيب “في هذه المرحلة الإنتقالية”، أعادا التأكيد أمامه أنه إذا كان لـ”الثنائي” أن يقرر، فإنه لن يسمي أحداً إلا الحريري لرئاسة الحكومة، أما وأن الأخير قد حسم أمره، فإن المضي بأي ترشيح آخر، سيبقى مرهونا بمباركة الحريري نفسه للمرشح محله.

إقرأ على موقع 180  جبران باسيل إن حكى.. "بشير" أم "رابط البترون"؟

ولعل النقطة الوحيدة التي رفض “الثنائي” التفريط بها، هي التمثيل السياسي الواضح: وزيرا دولة من حزب الله (محمد فنيش، على الأرجح) وأمل (علي حسن خليل، بحكم المؤكد)، وما عدا ذلك، ثلاثة وزراء من فئة التكنوقراط يسميهما “الثنائي” ويملك رئيس الحكومة المكلف حق “الفيتو” إلى أن يتفق الجميع على أسماء هؤلاء الوزراء.

رابعا، يمكن القول إن وليد جنبلاط قرر أن يحمل العصا من الوسط. أشهر سيف تأييده لسعد الحريري وقبل على مضض بتبني ترشيح سمير الخطيب، وهو أول مرشح سني من الشوف (إقليم الخروب)، ينتمي إلى معقل آل جنبلاط التاريخي، لكن جنبلاط قرر أن يتصدى لرافضي حكومة التكنوقراط، بإصراره على تسمية وزيرين درزيين في حكومة من 24 وزيرا، هما من فئة التكنوقراط.

أمام هذا المشهد السياسي الذي رست عليه الأمور منذ يوم الأربعاء الماضي، يمكن طرح علامات الإستفهام الآتية:

أولا، لماذا قرر القصر الجمهوري، تحديد موعد الإستشارات النيابية الملزمة، يوم الإثنين المقبل، وليس في اليوم التالي (الخميس أو الجمعة على أبعد تقدير)، وهل المطلوب مرة جديدة إختبار الشارع قبل موعد الإستشارات، وما هي القطبة المخفية التي تقف وراء هذا التأخير، خصوصا وأن الفاصل الزمني حفل بتطورات تكاد تعيد الجميع إلى المربع الأول.

 لماذا قرر جبران باسيل الإنسحاب سياسيا من الحكومة التي سيترأسها سمير الخطيب، وهو الذي دمغ إسمه، وهل أصبح عون زاهدا بالكرسي إلى درجة أن يصبح تياره السياسي رأس حربة معارضة العهد؟

ثانيا، لماذا قرر جبران باسيل الإنسحاب سياسيا من الحكومة التي سيترأسها سمير الخطيب، وهو الذي دمغ إسم الخطيب وأصل تكليفه بإسمه؟ وهل يعقل أن من سمى الخطيب قرر أن يعارضه، وهل أصبحت حسابات معركة رئاسة الجمهورية المقبلة، أهم وأكبر من محاولات ترميم صورة العهد الحالي، وهل أصبح عون زاهدا بالكرسي إلى درجة أن يصبح تياره السياسي رأس حربة معارضة العهد؟

ثالثا، إذا قرر التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب عدم المشاركة في الحكومة الجديدة برئاسة سمير الخطيب، ماذا يلزم سعد الحريري بأن يبقى داعما لترشيح الخطيب، فرئيس الحكومة المستقيل، دعا الآخرين إلى تشكيل حكومة أكثرية وأن تسقط ذريعة ربط التكليف بالتأليف، وعندما يقرر باسيل الإنسحاب من الحكومة، ماذا يمنع الحريري أن ينسحب من أصل التفاهم السياسي معه، ولماذا يلزم نفسه وتياره بحكومة يمكن أن تحترق في الشارع، وماذا يضير أن يصبح معارضا مثل الآخرين، ومن يوفر الغطاء المسيحي الميثاقي للحكومة إذا قررت المكونات المسيحية الثلاثة (التيار الحر والقوات والكتائب) عدم المشاركة فيها؟، وهل يستطيع تيار المردة بزعامة سليمان فرنجية أن يوفر الغطاء الميثاقي المسيحي وحده وماذا لو قرر فرنجية أن ينتقل إلى ضفة المعارضة مخافة أن تجري محاولة إحراقه مسيحيا في حكومة تبدو حظوظ فشلها أكبر من حظوظ نجاحها حتى الآن؟

رابعا، من يضمن مسار يوم المشاورات الإثنين المقبل؟ وهل أن أزمة إنعدام الثقة بين جميع المكونات هي التي أملت للمرة الأولى تبديل المواعيد البروتوكولية، بحيث تقرر أن يكون الحريري أول الواقفين في الصف، وهو لن يقبل بالتوقيع على ورقة تكليف سمير الخطيب، من دون أن يعرف ماهية الخطوة التالية، وفي تريثه هذا، تأكيد متجدد من الرجل بأنه يأمل عودة رئاسة الحكومة إليه في آخر لحظة، أو لنقل من خلال “لحظة تخل”، تفسح أمام إبعاد باسيل وعودة الحريري في آن معا.

خامسا، ماذا إذا قرر الحريري الإنتقال إلى صفوف المعارضة وأن يسحب تأييده للخطيب في آخر لحظة؟ وكيف ستتصرف باقي الكتل وتحديدا كتل قوى 8 آذار/ مارس، وهل ستمضي بسمير الخطيب لرئاسة الحكومة، وهي تستطيع أن تجير له أكثر من سبعين صوتا نيابيا، أم أنها ستبادر إلى تطيير موعد الإستشارات بأية ذريعة سياسية أو بروتوكولية؟ وهل يمكن أن يؤدي إنسحاب الحريري من تسوية تسمية سمير الخطيب إلى العودة إلى لعبة الشارع، وماذا يضمن أن لا نعود إلى نغمة الإحباط السني سياسيا؟

سادسا، من الان وحتى الإثنين المقبل، يشهد لبنان مناورة سياسية مكشوفة أو لعبة وقت، يفترض فيها أن يحاول كل طرف كشف أوراق الطرف الآخر، قبل موعد الإستشارات الملزمة، فإذا إكتشف سعد الحريري أن حساباته لا تنطبق على بيدر الخطيب، سيجد الوسيلة المناسبة، ولا سيما الشارع، من أجل الإنقلاب وأعادة الأمور إلى ما قبل سمير الخطيب. التوتر القائم بين بيت الوسط وقصر بعبدا لا يشي بولادة حكومة، إلا إذا كان المطلوب أن يكون سمير الخطيب متراساً أو مجرد رئيس حكومة مكلف، يتلو بيان التكليف من بعبدا ويمضي إلى إستشارات نيابية تفضي إلى إعتذاره ويكتفي عندها بالحصول على بطاقة إنتساب إلى عضوية نادي رؤساء الحكومات السابقين.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  تحليل نتائج إنتخابات البقاع الغربي وراشيا.. إنكسار "الثنائيات" (2)