هل انتخب الجزائريون رئيساً أم مسيّراً لـ”عهدة انتقالية”؟

انتهت الانتخابات الرئاسيّة الجزائريّة الأولى بعد "حراك  22 فيفري"، بفوز المرشح عبد المجيد تبون (74 عاماً)، بنسبة 58.15% من الأصوات، حسبما أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، خلال مؤتمر صحافي  عقده في المركز الدولي للمؤتمرات.

بلغ عدد المشاركين في الانتخابات الرئاسية 9.692.077 مصوّتاً، أيّ بنسبة مشاركة وطنية – دون احتساب الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج- قدرها 41.15%.

وبلغ عدد المسجلين في القوائم الانتخابية 23.559.853 شخصاً، فيما بلغت نسبة مشاركة الجالية الوطنية المقيمة في الخارج 8.69%.
وبحسب وكالة الأنباء الجزائريّة فإنّ عدّة ولايات (محافظات) سجلت نسبة مشاركة تفوق الـ 50%، وقد اشار محمد شرفي في هذا الصدد إلى ولايات الجنوب التاليّة: أدرار (61.24 %) والأغواط (56.48 %) وبشار (56.20 %) وتمنراست (55.07 %)، إضافةً إلى ولاية تيارت (54.68 %) في غرب الجزائر.

وأكّد في ذات السياق أنّ الولايات الآتية سجلت هي الأخرى نسبة مشاركة معتبرة: سعيدة (54.32 %)، سيدي بلعباس (53.43%)، معسكر ( 51.24%)، ورقلة في الجنوب الشرقي(50.22%)، البيض في الجنوب الغربي (60.61 %)، إليزي في الجنوب الغربي في الحدود مع ليبيا (54.76 %)، الطارف (52.35%)، تندوف في الجنوب الغربي (64.14%) والنعامة (19.55 %)، وأخيراً عين تموشنت (54.34 %).
أما بشأن مشاركة الجالية الوطنية المقيمة في الخارج، فقد ذكر شرفي المدن والدول التاليّة مرفقةً بنسب المشاركة المسجلة: أبوظبي (17.96%)،  تونس (18.68 %)، برلين (5.2%)، باريس (4.49%) والمدن الفرنسية الأخرى، من بينها ليون (13.44 %) وليل (11.33%) ومرسيليا (11.09%).
وجاءت النتائج على النحو التالي:
1- عبد المجيد تبون 58.15.%
2- عبد القادر بن قرينة 17.38%.
3- علي بن فليس 10.55%.
4- عز الدين ميهوبي 7.26%.

5- عبد العزيز بلعيد 6.66%.

الملاحظ في نسب المشاركة هو إقبال الجنوب الجزائري على التصويت، بالموازاة مع باقي مناطق البلاد، وهي سابقة وطنية، يمكن وسمها بالحالة الاستثنائيّة. فقد عُرف عن الجنوبيين عادةً الكسل الانتخابي في بلدان كثيرة في العالم، ففي أميركا توصف مدن الجنوب (The Bible Belt) بأنّها الأقلّ مشاركةً في الاقتراع، ولذلك لا يغازلها الكثير من المرشحين سواءً في الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.

اقبال الجنوب على التصويت سابقة وطنية يمكن وسمها بالحالة الاستثنائية

وفي المقلب الآخر لم تخالف هذه المشاركة الظنون كثيراً، ولكنّ غيرَ المتوقع في هذا السيناريو هو عدم حدوث أيّ تزوير مفصلي تتغيّر النتائج من خلالهِ لصالح مرشح دون آخر، لاسيما أنّ السلطة الفعليّة، أيّ المؤسسة العسكريّة، لم يكن لها أيّ مرشح، وجلّ ما قالوهُ حول هذا الزعم، كان بطلهُ وزير الثقافة السابق ومرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي) عز الدين ميهوبي، الذي حظيَ بدعمٍ وُصف بـ “المبدئي” من قبل الحزب الحاكم سابقاً (جبهة التحرير الوطني). وبرغم ذلك حلّ “مدلَّل” السلطة في المرتبة ما قبل الأخيرة.
وكان لافتاً حلول عبد القادر بن قرينة ثانياً بعد المرشح الفائز، برغم سعة الفرق الانتخابي بينهما، لكنّ الذي ينبغي تذكّرهُ هو أنّ بن قرينة لم يكن معروفاً شعبياً قبل ترشحهِ وقبول ملفهِ، ثم لمعان نجمه خلال المناظرة الرئاسية التي عُقدت قبيل الانتخابات وبثّها التلفزيون الوطني مباشرةً، رغم أنّه شغل منصباً وزارياً هامشياً (وزير السياحة والصناعة التقليديّة) في حكومة إسماعيل حمداني التي عمّرت عاماً واحداً فقط، قبل أن يتلوها عامٌ آخر بقي فيه عبد القادر بن قرينة في نفس المنصب تحت سلطة رئيس حكومة جديد/قديم هو نفسه أحمد أويحيى، رئيس الوزراء في الفترة الممتدة ما بين 1997 و 1998، والمعتقل في قضايا فساد والمحكوم عليه بـ 15 سنة سجناً نافذاً،  وهو حتى انشقاقه عن حزبه الأول، حركة مجتمع السلم، لم يُحدث أثراً بيّناً، لفت الناس إليه.
ونفس التجاهل اكتنف بن قرينة حين انتُخبَ نائباً برلمانياً عن حركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي (الإخواني) عام 2002، ثم بعد انتخابه سنة 2016 رئيسا لاتحاد خبراء السياحة العرب، رغم أنّه من بلدٍ لم يُعرف عنهُ اهتمامهُ بالسياحة ولا توافد السيّاح نحوه، بسبب البيروقراطيّة التي يمارسها على تأشيرة الدخول إلى أراضيه! وذاتهُ التجاهل صادفهُ أيضاً حين أسّس حزباً “مجهرياً” سمّاه “حركة البناء الوطني” سنة 2014، وهو حزب إسلامي يصف نفسه بـ “الوطني والدعوي”، وكان شخص إسماعيل شنين، رئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلماني) الحالي، المنخرط في ذات الحزب، أشهر منهُ وأكثر صيتاً.

لكنّه بعد كل هذا المسار الممهور بشيءٍ من الجحود، استطاع أن يصل إلى الناس ويهزم السياسي المخضرم علي بن فليس، بسبب خطابه البسيط والأكثر قرباً من الناس، فضلاً عن دماثة تعامله المباشر في حملته الانتخابية. ومن جهة ثانيّة، ينحدر بن قرينة من ولاية (محافظة) ورقلة الجنوبيّة التي شاركت بما نسبتهُ 50.22%، وقد استُقبل فيها على أحسن وجهٍ قياساً بباقي جولاته الميدانيّة، في حين لم يُوفّق المرشح الفائز عبد المجيد تبون المنحدر من ولاية (محافظة) النعامة في دفع سكّان مسقط رأسه إلى المشاركة المعتبرة في الانتخاب، إذ لم تتجاوز النسبة هنالك الـ 19.55 %.

من هو الرئيس الجزائري الجديد والثامن في ترتيب الرؤساء منذ الاستقلال؟

ولد عبد المجيد تبون في 17 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1945، في ولاية النعامة في الجزائر. درس وتخرّج من المدرسة الوطنية للإدارة (École nationale d’administration) المرموز لها اختصاراً بـ ENA سنة 1965 (وهي نفسها المدرسة المرموقة التي تخرّج منها رئيسا الحكومة القابعين في السجن أحمد أو يحيى وعبد المالك سلال) في  تخصص الاقتصاد والمالية.

شغل تبون مناصب ولائيّة ووزاريّة في حكومات مختلفة، فتقلد مناصب عدّة، من مسؤول على مستوى الجماعات المحلية بين عامي 1978 و1992، إلى والٍ للمحافظات، قبل أن يجري تعيينه وزيراً منتدباً في الجماعات المحلية بين عاميّ 1991 و1992.

تولّى تبون حقيبة السكن والعمران عام 1999، ثم حقيبة الاتصال عام 2000، ثم عُين وزيراً للإسكان والعمران للمرة الثانية بين عاميّ 2001 و2002.

ابتعد تبون عن الحياة السياسية لأكثر من عشر سنوات، قبل أن يعود وزيراً للسكن والمدينة بين عامي 2013 و2014، في أول حكومة لعبد الملك سلال، خلال عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وتولى تبون رئاسة الحكومة منذ حزيران/يونيو وحتى آب/أغسطس 2017، خلفاً لسلال، لتكون بذلك أقصر حكومة في التاريخ السياسي الجزائري. وفي وقت لاحق، تسلم وزارات عدة أبرزها الثقافة والجماعات المحلية والتجارة والسكن.

وقد ارتبط اسم تبون بقطاع السكن الأهم بالنسبة للجزائريين والذي أداره لأكثر من سبع سنوات في مختلف الحكومات. كما أشرف على إطلاق صيغة “عدل” عام 2013 التي تسهل على الجزائريين الحصول على السكن عن طريق البيع بالإيجار. وكان الرئيس بوتفليقة قد سلمه وسام استحقاق لجهوده في قطاع السكن.
وحين تولّى تبون رئاسة الحكومة في أيار/مايو 2017 خلفا لعبد المالك سلال، أعلن تبنيه توجهاً يقضي بفصل المال عن السياسة على حدّ قوله، ما أثار مشاكل مع رجال أعمال مقربين من الرئاسة.

وقبل أيام من إقالته، ثارت تساؤلات في الجزائر بشأن مستقبل تبون في ظل ما تردد عن صراع صامت مع سعيد بوتفليقة شقيق رئيس الجمهورية ومستشاره الخاص الموصوف بالشخصية الأكثر نفوذا في البلد، والذي تعتبره بعض الأطراف الرئيس الفعلي في الجزائر منذ أن غيب المرض عبد العزيز بوتفليقة.
في تصريحه للإذاعة الوطنيّة حين حلّ ضيفاً فيها بتاريخ 2019/11/13، قال عبد المجيد تبون عن برنامجه الانتخابي بأنّه يتضمن 54 التزاماً وليست وعوداً تيمناً بثورة نوفمبر 1954، ورفض اتّهامه بـ “الشعبويّة”، نافياً أن تكون إحدى مؤسسات الجمهورية قد دفعته إلى خوض غمار الرئاسيات المقبلة. وتعهّد “بتخليص الجزائر من مظاهر الشيتة (كلمة عامية جزائرية تشير الى التملّق للمسؤولين لنيل مكاسب شخصية) والولاء للأشخاص”، مضيفاً أنّ “الوضعية المزرية التي آلت إليها الجزائر” و”سقوطها في الرذيلة”، إضافة إلى قوافل الشباب والمثقفين وإلحاح التيار الوطني، كانت دافعاً قوياً لترشحه للرئاسيات المقبلة.

وقال تبون قبل انتخابه: “إذا ما زكّاني الشعب، فسأعيد الجزائر إلى سكتها الأصلية كما تمنّاها الشهداء… إلى جزائر لا تباع ولا تشترى”.
ووصف الحراك الشعبي بـ “المبارك” الذي أنقذ البلاد من “انزلاق كاد أن يُذهب ريح الجزائر، التي أصبحت مهزلة في كثير من الدول العربية والأفريقية والاوروبية، قبل أن يسقط الحراك الشعبي العهدة الخامسة ومحاولات تمديدها، وذهاب بعض الرموز، ويبدأ التصحيح بملاحقة بعض من أفسدوا وزرعوا الفساد على كل المستويات وكانوا سببا في نزيف مالي رهيب”.
برنامجه الانتخابي ليس معجزة وإنما إعادة للقطار إلى السكة، و”على رأس الالتزامات الاعتماد على الكفاءة قبل الولاء الذي قاد الجزائر إلى الرذيلة في التسير الاقتصادي والاداري حيث أضحت الكفاءات الجزائرية متناثرة عبر العالم، وأما في الداخل فهي مهمشة رغم أن الشارع الجزائري معظمه من خريجي الجامعات، وحتى لا ندخل في صراع أجيال مميت للدولة الجزائرية يجب فتح الباب لهاته الكفاءات ووضع حد للمحسوبية والشيتة” على حد تعبيره.
وأضاف تبون أن استعادة ثقة المواطن والشعب مجدداً تقتضي قول الحقائق كما هي والابتعاد عن لغة الخشب والوفاء بالالتزامات وعدم تقديم وعود بما هو غير ممكن، مشيراً إلى أنه ورغم توفر الجزائر على 22 قناة تلفزيونية خاصة و152 جريدة ومجلة، “لم يمنع ذلك من انتشار شائعة ترشحي ومساندتي من قبل مؤسسات الدولة وهذا دليل على فقدان الثقة وأن جيل الفايسبوك يصعب إقناعه”.

إقرأ على موقع 180  ملاحظات حول خيارات المقاطعة والمشاركة في الإنتخابات الجزائريّة

والتزم تبون في الشق السياسي بتعديل الدستور الذي انقذ الجزائر من انزلاقات خطيرة رغم نقائصه، وذلك بفضل الحدود التي سطرها و”الغريب في الأمر”، كما يقول، أن “الجزائر صنعت الاستثناء حينما طالب الجيش باحترام الدستور بينما من يدّعون الديمقراطية يحاربون الدستور”، مضيفا أنه في حالة اعتلائه سدة الحكم سيمنع الانزلاق نحو الحكم الفردي “بحيث تصبح لرئيس الجمهورية ضوابط تمنعه من أن يصبح ملكا أو شبه ملك”.

لماذا فاز تبون؟

يمكن إيجاز ذلك في سببين وجيهين:
الأول: اشتهر تبون بعد واقعة المواجهة التي حدثت لهُ مع شقيق الرئيس حول فصل المال عن السياسة. هذه المواجهة كانت انتحارية في تلك الفترة التي كان فيها سعيد بوتفليقة، المعتقل حالياً، يمسك بزمام البلاد، ويُحكم القبضة على كل دوائر الحكم، الأمر الذي عجّل برحيل تبون السياسي من رئاسة الحكومة في فترة وجيزة، فقد  استلم المنصب رسمياً يوم 25 أيّار/مايو 2017، وأقيل يوم 15 آب/اغسطس 2017 ليخلفه أحمد أويحيى، ويحدث الذي صار معلوماً لاحقاً.
أحسن تبون استغلال هذه الواقعة جيداً، وعمل على تضخيمها والنفخ فيها، إبّان حملته الانتخابيّة. وساعدتهُ في ذلك حداثتها، ذلك أنّها لا تزال متداولة على الألسن، وكانت هي الفصل الأخير قبل اندلاع الحراك الشعبي في 22 شباط/فبراير، وتُعتبر أحد الأسباب المؤديّة إلى حدوثه، إذ إنّها المرة الأولى التي عاين فيها الشعب نوعاً من الصراع الأفقي، فيما كانت كل الخلافات والصراعات التي تجري بين الفرقاء الحاكمين محاطة بساتر من السريّة، ما خلا تلك الشكوك التي تفرزها الشائعة وتحافظ فيها على قدرٍ من الحقيقة، تجري صياغتها على أوجهٍ عدّةٍ.

أحسن تبون استغلال مواجهته لسعيد بوتلفيقة، وعمل على تضخيمها والنفخ فيها

الثاني: اعتمادُ تبون على لغةٍ بسيطة وقريبة من الناس، دون الحاجة إلى أي تهويلٍ بلاغي، فضلاً عن الاتكاء بشكلٍ كبير على الموروث الثوري الجزائري، علاوةً على التذكير الدائم بتأييده للقضية الفلسطينيّة، وقد أشار إلى ذلك في ردّه على ما وصف وقتها بـ “تدخل البرلمان الأوروبي في الشأن الجزائري”، حين ذكّر بسكوت هذا البرلمان عن المجازر التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وعلى المستوى المحلي؛ تعهد تبون باسترجاع الأموال المنهوبة، وتحفّظ على الطريقة التي يقوم بها من أجل ذلك، ما آثار تكهنات كثيرة بشأن هذه الطريقة التي لم ترد على بالٍ حتى الآن. هذا الوعد يبدو مغرياً جداً للكثيرين، لاسيما أولئك الذين صوّتوا له، ومنحوه الثقة في مقابل استرجاع هذه الأموال الفلكيّة.
إنّ السبب الثاني من أكثر الأسباب تأثيراً على الاطلاق، إذ إنّ السياسة الخارجيّة القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتأييد حركات التحرّر الوطني في العالم، وبخاصة القضية الفلسطينيّة، محلّ اتفاق بين سائر المرشحين، وبالتالي يضيق هامش الاستثمار فيها.

هل انتخب جزءٌ من الجزائريين “مسيّراً” لـ “العهدة الانتقالية” أمّ رئيساً للجمهوريّة؟

منذُ عهد الرئيس الجزائري أحمد بن بلّة (من 15 تشرين الأول/أكتوبر 1963 – 19 حزيران/يونيو 1965 ) ثم عهد العقيد هواري بومدين (19 حزيران/يونيو 1965 – 10 كانون الاول/ديسمبر 1976 )، ثمّ الشاذلي بن جديد ( 9 شباط/فبراير 1979 – 11/كانون الثاني/يناير 1992)، فالفترة الانتقاليّة التي رأسها  علي كافي ( 2 تموز/يوليو 1992 – 30 كانون الثاني/يناير 1994 )، ثم محمّد بوضياف  (16 كانون الثاني/يناير 1992 لغاية اغتياله مباشرةً أمام كاميرات العالم في 29 حزيران/يونيو 1992)، ثم اليمين زروال (16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 – 27 نيسان/ابريل 1999)، ثم عبد العزيز بوتفليقة ( 27 نيسان/أبريل 1999 – 2 نيسان/أبريل 2019 )، وصولاً إلى انتخاب عبد المجيد تبون، لم تثبت انتخابات رئاسيّة شفّافة متّفقٌ على نزاهتها، إلا انتخابات العهدة الرئاسيّة الثانية التي فاز فيها بوتفليقة بنسبة 84 %، وشهدت على شفافيّتها وقتذاك منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ثم هذه الانتخابات التي تقول المؤشرات بأنّ مشكلتها الوحيدة في نسبة المشاركة الضئيلة بسبب دعوات المقاطعة.
ما يجب أن يُعرف، هو أنّ الرئيس المنتخب في الجزائر هو الضمانة الوحيدة تجاه انفراد المؤسسة العسكريّة بصناعة القرار السياسي الوطني، فبوتفليقة لم يجرؤ على تحدي جنرالات السياسة إلا بعد انتخابه، وشكواهُ الدائمة  في العهدة الأولى كانت أنّه “ربع رئيس” ، بسبب ما عُرف حينها بانسحاب المرشحين الستة. وحين أوغل في تحدي الجنرالات، جرى الإيعاز إلى ما تمّت تسميتهُ وقتذاك بـ “المصدر المأذون” بالحديث إلى جريدة “الشروق اليومي”، مصرّحاً بالقول “اخترنا بوتفليقة لأنّه الأقل سوءاً من بين المرشحين الستة”.
عانى بوتفليقة طيلة العهدة الأولى من هذه العقدة، وصار يصرّح في حملته الانتخابية في العهدة الثانية بتلميحات واضحة، من بينها قوله “أنا رئيس إلا ربع” و”الرئيس لي كتافو ماهمش سخونين بالشعب ماشي رئيس” (الرئيس الذي لم تسخن أكتافهُ من الشعب ليس رئيساً) والكناية صريحة هنا، ثم وبمجرد أن انتُخب؛ انتقم من محمد وإسماعيل العمّاري، وهما الجنرالان الأكثر قوّةً وقتها.
والحال أنّ الشاهد هنا، هو أن واقعة الانتخاب الرئاسي المشهود لها بالنزاهة في تاريخ الجزائر هي العهدة الثانية لبوتفليقة، وقد اعترتها على ضوء تلك الشفافية، تحدّيات صريحة لأشخاصٍ بعينهم في المؤسسة العسكريّة، مّا يوحي بأنّ الجنرالات في السابق كانوا يتعمّدون التدخل في الانتخابات بشكلٍ سافر ويعملون على تزييف صوت الشعب، حتى يتسنّى لهم التحكم في الرئيس المزعوم، وحالَ تحقّق الانتخاب الشفاف وثبوت واقعة الديمقراطيّة كما حصل في نيسان/أبريل 2004، شهدنا أوّل تحدٍ واضح من رئيس مدني تجاه جنرالات السلطة.
من أجل ذلك كان الانتخاب واجباً ديمقراطياً وتقنياً، أكثر ممّا يصرّ بعض الحراكيين على تمثّله دون تبصّر وتفحّص كافيين، كما سبق أن شرحتُ في مقالي السابق حول ضرورة الانتخاب لقطع الطريق عن أيّ استئثارٍ عسكريّ محتمل.

كان يجب فهم المعنى المرجوّ، وهو انتخاب السياق المساعد على إحداث كوّة معينة للحدّ من انفراد الجيش بالسلطة. هذا الأمر الذي لم يُفهم على نحوه المقصود كما ينبغي.
وقصارى القول؛ لقد انتخب المصوّتون مسيّراً للعهدة الانتقاليّة؛ مسيّرٌ برتبة رئيس منتخب، إلى غاية حلول الفترة الثانية، ويدخل ضمنها الرئيس/ المسيّر الحالي ضمن المضمار الانتخابي بصورة خاليّة من دسم اللحظة الحسّاسة هذه إنْ رغبْ، وحيث يلتئم الحراك ويخرج من مراهقته ساعتئذٍ، وينتقل إلى التنظيم السياسي، فقد سبقَ أن اتّفقت أدبيات العلوم السياسيّة في كل العالم، لاسيما المدرسة الأميركيّة تحديداً، على اعتبار أي نضال جماهيري دون قيادة، هو شعبويّات، سرعان ما تتبدّد بفعل عوامل الطبيعة وسنن التغيّر الكوني.
لكن رغم ذلك علينا الاتفاق، بعيداً عن كل أشكال التعصّب والغوغائيّة، بأنّ شرعيّة الصندوق أقوى من شرعيّة الشارع، كون الشارع في حدّ ذاتهِ يبحث بواسطة الاحتجاج عن سلامة الصندوق من كافة أشكال التزييف والتزوير،  ما عدا هذا، فالتظاهر مطلبي، أيّ أنّه لا يربو أنّ يكون احتجاجاً، والفرق بينهما حاسم للغاية.

Print Friendly, PDF & Email
ضيف حمزة ضيف

كاتب وصحافي جزائري

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  أوميكرون إنتشار أسرع.. مخاوف أقل ولكن