الثنائية.. حتى لا يتكرر مشهد تاريخي في منطقتنا

في 7 نيسان/أبريل 1947، انطلق حزب البعث العربي في سوريا بقيادة ميشال عفلق وصلاح البيطار تحت شعار "أمة عربية واحدة"، واندمج معه في العام 1952 الحزب العربي الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني، فأضحى المسمى الجديد: حزب البعث العربي الاشتراكي ليصبح الهدف ثنائياً: وحدة العالم العربي؛ تحقيق الاشتراكية.

إستلم حزب البعث الحكم في سوريا بعد انقلاب 8 آذار/مارس 1963، بمساعدة الناصريين في الجيش ثم استفردوا به بعدها بأشهر، وتحديداً في تموز/يوليو.

في 23 تموز/ يوليو 1952، ‪ انطلقت حركة الضباط الأحرار واستلمت الحكم في مصر بتوجهات عروبية محورها القضية الفلسطينية. وعندما تردد الغرب في تسليح الجيش المصري، ابرم الأخير عقد توريد الأسلحة مع الاتحاد السوفياتي من خلال ما عرفت بـ”صفقة الأسلحة التشيكية” في 27 أيلول/ سبتمبر 1955. هذه الخطوة أفشلت التوجه الغربي لابقاء الجيش المصري “من دون اسنان”، فردت الولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً بالايعاز للبنك الدولي برفض تمويل مشروع السد العالي على نهر النيل. لم يتأخر رد الرئيس جمال عبد الناصر، فأمّم منشأة قناة السويس لتأمين الموارد المالية اللازمة لإنشاء السد، وأوكل تشييده للاتحاد السوفياتي .

على خط موازٍ، برز تطور سياسي في مصر: كان هدف الثورة المصرية عند انطلاقتها التحرر من التبعية للانكليز، فأسست هيئة سياسية إسمها “هيئة التحرير” في العام 1953، ثم عندما تحول الهدف إلى الوحدة السياسية للعالم العربي، استبدلت “هيئة التحرير” بـ”الاتحاد القومي” في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1957، ثم بعد الانفصال السوري، تم التركيز على بناء مجتمع اشتراكي من خلال الاتحاد الاشتراكي العربي في 4 تموز/يوليو 1962، فأصبح التوجه الاشتراكي يسير على خط مواز مع الوحدة العربية، فكان أن ولدت الثنائية أيضاً.

هذا التوجه الرسمي كان قد ترسخ عملياً من خلال قانون الإصلاح الزراعي في العام 1958 وقانون تأميم الصناعة الوطنية في اب/أغسطس 1961 في الجمهورية العربية المتحدة.

أكملت سوريا البعث بعد الانفصال هذا التوجه بإقرار قانون تأميم الصناعة المتوسطة في العام 1964. كذلك تم التماهي مع الحليف السوفياتي والنخب التي تبنت التوجه الاشتراكي في أوجه.

في العراق، أسس فؤاد الركابي الفرع القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي. الهدف هو الثنائية: العروبة مع الاشتراكية.

في ليبيا الثورة: الجمهورية العربية الليبية 1969 ـ 1977، ثم الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى 1977ـ2011. الهدف هو الثنائية: العروبة ثم الاشتراكية.

إجتاحت الثنائية السودان مع حركة الضابط جعفر النميري في أيار/مايو 1969. طرقت العروبة باب ثوار الجزائر في 3 ايلول/سبتمبر 1962 لتلتحق بقطار التأميم، وتم تأميم قطاع النفط في العام 1971.

في مواجهة هذا المد المطالب بالوحدة العربية والاشتراكية، اعتمد الغرب على سياسة فرق تسد بين الهدفين: الكل متفق على العروبة، أما الاشتراكية والتبعية لـ “معسكر الإلحاد الشيوعي”، فهذا شيء آخر، شيء مخالف للموروث الديني وعمره 1400 سنة، فانقسم العالم العربي بين تقدمي (اشتراكي) ورجعي (إسلامي). كان ذلك كافياً لاشغال العرب في صراع دموي لم تنته آثاره حتى يومنا هذا، وما الموجة التي بدأت في العام 2003 تاريخ الإحتلال الأمريكي للعراق واستتبعتها موجة “الربيع العربي”، الا تصفية حساب بين الفريقين في جوهرها.

بعد الثورة الإيرانية، حلت قيادة دينية بإمتياز، وضعت نصب عينيها هدف تحرير فلسطين، ولكن إيران ليست من دول الطوق ولا تملك حدوداً مع فلسطين. مشكلة سرعان ما وجد لها الإمام الخميني حلاً

بدأت التجربة الإيرانية في الصراع العربي الصهيوني في العام 1978، من خلال إنتصار الثورة الاسلامية. لقد كانت إيران قبل ذلك التاريخ قلعة من قلاع الأمريكيين في المنطقة مثلها مثل تركيا. بعد الثورة الإيرانية، حلت قيادة دينية بإمتياز، وضعت نصب عينيها هدف تحرير فلسطين، ولكن إيران ليست من دول الطوق ولا تملك حدوداً مع فلسطين. مشكلة سرعان ما وجد لها الإمام الخميني حلاً، من خلال تصدير الثورة الإسلامية وتبنيها من مكونات موجودة في دول الطوق: العراق من خلال حزب الدعوة الإسلامية في العراق الذي ساند الثورة الإسلامية في إيران من يومها الأول في العام 1979، وهو حزب اسسه في العام 1957 السيد محمد باقر الصدر في العراق،  وخاض صراعا طويلا مع البعثيين العراقيين. البلد الثاني في دول الطوق هو لبنان. وفي الحالتين، ثمة موطىء قدم لأحزاب شيعية المذهب.

ولكن الإمام الخميني لم يقتنع بان هذه الثنائية: القدس والتشيع تحمل خطر استهدافها في تشيعها

لقد تنبأ الرئيس الأول للجمهورية الإسلامية الإيرانية ابو الحسن  بني صدر بالمشكلة وبأن تصدير الثورة سيخلق صراعات بوجه هذه الاسقاطات من قبل مجتمعاتها، وخاصة في العراق حيث التجربة حية بين حزب الدعوة المعارض وحزب البعث، وسيرتد ذلك على العلاقة بين العراق وإيران، ولا يكفي اننا سنرفع لواء الزحف نحو القدس، ولكن الإمام الخميني لم يقتنع بان هذه الثنائية: القدس والتشيع تحمل خطر استهدافها في تشيعها.

أعدمت السلطات العراقية محمد باقر الصدر في نيسان/أبريل 1980 واندلعت الحرب العراقية ـ الإيرانية في أيلول/سبتمبر 1980 وإستمرت ثماني سنوات.

إقرأ على موقع 180  قراءة جديدة في الحروب الصليبية: إمبراطورية أم دينية؟

في لبنان، نجحت الجمهورية الإسلامية في تأسيس حزب الله اللبناني في العام 1982، وذلك في خضم الاجتياح الصهيوني للبنان، مستفيدة من ضعف الدولة اللبنانية.

وتحت رايات “يا حسين” و”يا فاطمة”، تحرك مناضلون لبنانيون… وكان الهدف هو فلسطين. مرة أخرى، ولدت الثنائية.

وغداة عودة الجيش السوري إلى بيروت في شتاء العام 1987، وقع أول صدام مع حزب الله، وتكرر ثاني مرة في العام 1993، لكن مع السلطات العسكرية اللبنانية. يوماً بعد يوم، إزدادت وتيرة الدعم الإيراني لحزب الله وازدادت معه “النقزة” من هذا الحزب الموسوي الشيعي الاثني عشري، بالرغم من كل الانجازات التي حققها وأهمها تحرير الجنوب اللبناني في ربيع العام 2000.

لا بد من مصالحة إيرانية عربية تركية من خلال مؤتمر مفتوح حتى لو إستمرت جلساته لسنتين، وهي المدة التي احتاجها مؤتمر كامبل بانرمان (1905 ـ 1907)

عندما حان وقت غزو العراق وسقطت بغداد في 9 نيسان/أبريل 2003، طلب الأمريكيون من سوريا فك إرتباطها بكل فصائل المقاومة، وأولهم حزب الله، وعندما رفضت دمشق الطلب الأمريكي، صدر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 في 4 أيلول/سبتمبر 2004، مطالبا بخروج الجيش السوري من لبنان وتسليم سلاح حزب الله. وليس سراً أن ذلك كان مطلباً سعودياً بالدرجة الأولى دفع الرئيس رفيق الحريري حياته ثمناً له، وبلغ الاستقطاب مداه ولا يزال يتصاعد حتى يومنا هذا.

بعد 9 نيسان/ابريل 2003، بلغ الاستقطاب مداه أيضا في الساحة العراقية عندما استلم حزب الدعوة الإسلامية الحكم، فكان إحتراب أهلي ما زال يتصاعد حتى يومنا هذا.

لاحقاً، إمتدت الموجة التصادمية نحو البحرين ثم اليمن، ولا تزال من دون حل في هذه الساحات الاربع. السؤال: ما هي السبل للخروج من هذا التيار الصدامي الجارف الذي دمّر العراق وثرواته ودمّر اليمن وشلّ البحرين وعطّل لبنان؟

سؤال يستوجب طرح حلٍ، ولا أراه إلا على الشكل الآتي:

لا بد من مصالحة إيرانية عربية تركية من خلال مؤتمر مفتوح حتى لو إستمرت جلساته لسنتين، وهي المدة التي احتاجها مؤتمر كامبل بانرمان (1905 ـ 1907)، الذي عقد في لندن، بدعوة من المحافظين، وخُصص للبحث في استدامة الاستعمار في القرن العشرين وأوصى بتفتيت العالم العربي. هكذا مؤتمر (يجب أن يكون سرياً وبعيداً عن الإعلام)، وظيفته رسم حقوق وواجبات مكونات هذه المنطقة وإطلاق وثيقة إسلامية جامعة.

وقبل الوصول إلى هذا المؤتمر، لا بد، في هذه الاثناء، وبأسرع وقت ممكن، من فك الاشتباك في الساحات الاربع (لبنان والعراق واليمن والبحرين). هو أمر مطلوب اليوم قبل الغد.

(*) كاتب وناشط سياسي لبناني

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  الحراك الدبلوماسي لبنانيًا.. تهيب من الإرتطام الكبير