طالبان من التوحش إلى الإعتراف الدولي!

طالبان احتلت القصر الرئاسي في كابول. المعركة انتهت من الناحية العسكرية. الأسئلة المطروحة من الآن فصاعداً هي أسئلة سياسية بإمتياز.

كل الحديث عن حكومة انتقالية كان مناورة ادارتها قيادة طالبان بذكاء او سوء نية من أجل القول انها تعمل في السياسة ولا تميل الى تغليب القوة العسكرية. اعطوا تطمينات عدة خلال الأسابيع الماضية، لكنهم لم يلتزموا بها، سواء لناحية إعطاء المجال لتشكيل حكومة انتقالية او لعدم السعي لاحتلال عواصم الولايات او لعدم الدخول إلى كابول حربا. خرقوا كل هذه التعهدات العلنية تحت ذرائع مختلفة.

بعد سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، لا شك ان الحدث تاريخي ويأتي قبيل حلول الذكرى السنوية العشرين لغزو إدارة جورج دبليو بوش أفغانستان في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠١.

من الواضح أن طالبان التي خسرت السيطرة على كابول ذلك العام بعدما استمرت في الحكم قرابة خمس سنوات، استفادت من تجربة المقاومة في العراق ضد الإحتلال الأميركي لكي تعيد استنهاض قواها وتحاول العودة إلى حكم أفغانستان مجدداً، وهذه نقطة مهمة جدا. غرقُ الولايات المتحدة في المستنقع العراقي بعد العام ٢٠٠٣ نتيجة الضغط الشديد لعمليات المقاومة، أعطى الأمل لطالبان لكي تخرج من كهوف وقفار جنوب وشرق أفغانستان، بعد أن فرّ مقاتلوها أمام الحملة الجوية الأميركية.

لكن الحركة استفادت من بعض أخطائها وحاولت أن توحي لكل القوى الخارجية أنها خرجت من عباءة تنظيم القاعدة، خاصة بعد وفاة أسامة بن لادن. وهي انفتحت على لقاءات جرت مع الأميركيين، كما مع روسيا والصين وإيران التي رعت جلسات حوار بين ممثلين عن الحركة والحكومة الأفغانية التي اطيح بها يوم أمس (الأحد).

مشروع أميركا في أفغانستان ذات الموقع الوسطي بين ايران والصين أصيب بهزيمة جلية، لكن إدارة عواقب الانسحاب الاميركي بما لا يحوّل الهزيمة إلى فرصة لقلاقل جديدة في أفغانستان ومع الجوار، يبقى تحدياً كبيراً للجميع.

لكن طالبان هي طالبان، المرونة في الشكل ومحاولة تقديم نفسها على أنها طرف محاور في الدوحة وعواصم أخرى لا تلغيان انها تحاول منفردة حكم أفغانستان (39 مليون) البلد ذي الاعراق المتعددة: الباشتون (42%) ويتحدر منهم اغلب مقاتلي الحركة المتشددة لا يشكلون أغلبية مطلقة في هذا البلد، يليهم الطاجيك من حيث الحجم (24%)، ثم الهزارة الشيعة والاوزبك (10%) وهناك عرقيات اصغر حجماً متل البلوش النورستانيون والبامير وغيرهما.

نفذت حركة طالبان مناورات سياسية عديدة منذ البداية عبر الانفتاح على القوى الإقليمية والدولية لطمأنتها في حال وصلت الحركة إلى الحكم. اوحت طالبان انها على استعداد للحوار مع الحكومة الأفغانية لتشكيل حكومة ذات تمثيل عريض، لكنها وضعت شرطاً مسبقاً: ان تكون الحكومة إسلامية، ومفهوم الاسلمة في نظر طالبان مختلف عما تراه قوى أفغانية عدة في مجتمع يعتز بهويته الاسلامية .

ما أن أعلنت الولايات المتحدة قرارها بالانسحاب بعد إنفاق قرابة تريليون دولار في أفغانستان وخسارة آلاف الجنود على مدى عشرين عاما، سعت طالبان للسيطرة على كل النقاط الحدودية لعزل البلاد التي لا تملك بالمناسبة مَنفذاً على البحر. وادعت بداية انها لا تسعى للسيطرة على عواصم الولايات، ثم بدأت السيطرة عليها واحدة تلو الأخرى. ثم قالت إنها لا تسعى للسيطرة على كابول وانها تجري مفاوضات لتسلم حكومة انتقالية السلطة لفترة محددة، لكنها دخلت كابول بذريعة عدم وجود قوات أمن فيها.

مشروع أميركا في أفغانستان ذات الموقع الوسطي بين ايران والصين أصيب بهزيمة جلية، لكن إدارة عواقب الانسحاب الاميركي بما لا يحوّل الهزيمة إلى فرصة لقلاقل جديدة في أفغانستان ومع الجوار، يبقى تحدياً كبيراً للجميع.

طالبان والسلطة صنوان، لأن مشروعها لا يقبل القسمة على اثنين.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  حرب أوكرانيا تُحطّم سكون التاريخ.. العالم مُهدّد
علي عبادي

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  كامالا هاريس.. الثالثة ثابتة!