أنا ورقة خريفية في زمن كورونا

قرأت عنوانًا لمقالة في احد المواقع الالكترونية جاء فيه "لا تجعلوا القلق يأكلكم في هذه الفترة". نصيحة جيدة نعم، لكن ليس بالكلام وحده تُمحى الآلام والمخاوف.

أيام عجيبة، غريبة، عصيبة تمرّ بنا، وكأننا انتقلنا إلى زمن آخر إسمه “زمن الكورونا”. عاداتنا تغيّرت. نظامنا الشخصي تبدّل. أشغالنا توقفت. مسافاتنا زادت بُعدًا وتباعداً. انكفأت الرغبات. تصاعدت الهلوسات. هاجسنا الوحيد وشغلنا الشاغل هو كيفية حماية انفسنا ومن هم حولنا من ذلك الوباء الذي يختبىء في طيات مصافحة من هنا أو عطسة من هناك أو ربما كبسة زر مصعد.

إنّه زمن الرعب والقلق الدائم. زمن التمنّي والانتظار.

قبل عشرة أعوام، كنّا نتخيّل ان العام 2020 سيحملنا نحن أهل الأرض في رحلات الى الفضاء. ربما نشاهد سيارات تطير، فإذ بنا نعود اطفالًا نتعلم الطريقة المثلى للتعقيم وغسل اليدين بالماء والصابون. ما أغربك يا زمن.

أن تكون لبنانيًا، أنت محصن نسبيًا إزاء الحروب والازمات والمِحن. أنت شربت المُرَ قطرة قطرة، وحصدت الأمل باقة تلو باقة. أنت لبناني معناه أنّك قويَ، صامد، لا تنحني، أو بالأحرى، هكذا كان ظنّي.

مع بدء انتشار كورونا في الصين وزحفه السريع إلى معظم أرجاء الأرض، شعرت أنني انسلخت عن واقعي، وصار همَي الوحيد متابعة ما يجري. ترقب دائم وخوف مستتر. لا أدع مقالةً ولا دراسة ولا حلقة حوارية عن كورونا الا وأتابعها، حتى اخذتني الحماسة وشاركت بعدة جولات ميدانية في مدينتي (طرابلس)  لتوعية الناس من مخاطرها وكيفية الوقاية من الفيروس.

أعيش مع أمي الستينيّة. اذكر لكم عمرها لانها بيت القصيد. فمنذ الإعلان عن الحالة الاولى في لبنان، اتبعت كافة الارشادات الوقائية. لم أكتف بذاك. صرت مسكونة بالخوف والرعب. اصبح التفكير بهذا الفيروس الخفيّ يلازمني ويؤرق أيامي، في الليل والنهار. في الصحو والنوم، لكن أي نوم يأتيني؟

أصابني الذعر ليس على نفسي بل مخافة ان اكون السبب بنقل العدوى إلى أمي، وكيف لا أخاف لا بل أموت خوفًا، بينما كبار السن هم الاكثر عرضة للعدوى. كل يوم، أرى الخوف في عيني أمي. خشية مستترة عليّ وعلى اخوتي المغتربين، وفي المقابل، يكبر خوفي عليها. ولماذا لا يكبر وهي تقضي نهاراتها قبالتي. طيلة الوقت، اتحاشى الاقتراب منها. أخاف أن اغمرها. أشتهي أن أقبلها كما كنت أفعل سابقا. أدرك تماما انها تعلم بخوفي عليها. لا هي تتكلم ولا انا أجرؤ على مصارحتها.

لطالما كنت قوية أمام المصاعب التي كانت تعترضني، أما الآن، فأشعر أني كورقة خريف صفراء ذابلة على وشك السقوط.

أعلم أن مرورنا في الحياة سريع كومضة عين، ولا بدّ أننا سنذهب، وأنّه علينا إقتناص اللحظات برفقة من نحب. هكذا كنت،  لكن كل شيء تغيَر.

إنه زمن الكورونا. الى أين المفر؟ وهل من بارقة أمل؟ ربما! المؤكد ان الآتي سيكون مختلفًا كليًا عمّا عشناه. ما بعد الكورونا ليس كما قبلها، وعلى كافة الاصعدة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "كورونا" التائه في ميادين الحرب السورية: تربة خصبة وإحصاءات مفقودة
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  نسير ونلتفت إلى ظلنا.. هل يحمل سكين الطعن؟