أحاول أن أكتب نصاً مضحكاً.. من بطن حوت!

هذا نص مثير للضحك، هو لا يشبه النصوص التي كتبتها سابقا، هو تجربة. وبينما تعجّ هذه المرحلة بالتجارب، منها العلمية، و"المطبخية"، والموسيقية، وغيرها، فأنا ايضا أريد أن أجرّب أن أكتب نصا مضحكا، فقط لأنني اكتشفت مؤخرا، وعلى غفلة مني، انه يمكن لي ان اروي الكثير من التجارب المضحكة عن نفسي وعن الآخرين. وربّما قد تكون هذه التجربة وسيلة أشجع نفسي بها على اعادة الثقة بالكتابة، فأنا منذ فترة زمنية، يلازمني شعور بأنني أكره الكتابة، لأنها مضجرة، ولأنها تذكرني بأمور وتفاصيل لا أحبها كثيرا، وقد تكون مملة.

ومن باب الضحك أيضا، أكتب هذا النص بينما انتظر، في بقعة ما على هذه الأرض، أن تنهي الغسالة غسل ملابسي، وعندي شعور رائع يخالجني منذ فترة، انني حين أغادر هذه الغرفة بعد حين، سأرمي جميع هذه الملابس بفرح عارم. ومن الأمور المضحكة، انني احب أن أرمي الأشياء التي لا لزوم لها، أو التي انتهت صلاحياتها، أو التي استخدمتها كثيرا، فأتخلص منها، كأن أتخلص من ثقل ما، فأفرح.

أقول لصديقتي الجديدة ان هذا الحجر الصحي، الذي باغتني على غفلة، وبعثر مشاريعي ومخططاتي العظيمة والمهمة، جعلني اكتشف أمورا كثيرة مضحكة عن نفسي، ربما لا يمكن البوح بها كثيرا، أو الكتابة عنها، لانها تبقى أمورا شخصية، غير انني حين أتفرج على نفسي من الخارج، وبدل أن اشفق على حالها، أحاول أن أضحك.

أضحك حين أخبر صديقتي انني كنت وحيدة في بيروت، وقررت أن أهاجر الى فرنسا، وبعد وصولي بأشهر، قرر العالم أجمع أن يعزل نفسه، فاصبح العالم، ومن جميع الجهات، وحيدا. وأضحك حين أخبرها انه، في بعض الأحيان تشغلني بعض الأمور الصغيرة كطريقة طهي اللحوم أكثر من القلق العالمي والصحي، وأضحك حين أخبرها ان جاري اقترح علي أن أرافقه الى ساحل العاج، واعيش معه ومع والدته في قرية بعيدة 400 كيلومتر عن ابيدجان لأساعده في تحقيق حلمه في انشاء مركز لدراسة المحيطات، وأنا فكرت في الموضوع جديا على مدى يومين، اذ قلت في نفسي انه ربما العيش في قرية تبعد 400 كيلومتر عن ابيدجان، يساعدني في ازاحة القلق عن نفسي وفي الضحك كثيرا، وجاري ما يزال يخطط في راسه كيف له ان ينشئ مركزا لعلوم المحيطات. وعلى فكرة، أنا أحب المحيط، وكتبت ذات مرة، انني اريد أن أنام في بطن حوت، في قلب المحيط لفترة زمنية مؤقتة.

ولأن ذات مرة، بكيت كثيرا وبعدها ابتسمت، ولأن ذات مرة ترددت كثيرا، وبعدها ابتسمت، ولأن ذات مرة، جلست وحيدة لفترة طويلة، وبعدها ابتسمت، ولأن ذات مرة، ابتسمت

وأنا أكتب هذا النص، أضحك، أضحك بهدوء، أو ابتسم. لأن ذات مرة، راقبت فراشة جميلة عن بعد، وابتسمت. ولأن ذات مرة، لوّح وجهي نسيما جميلا وابتسمت، ولان ذات مرة، قلت لاحدهم انني أحبه وابتسمت، ولأن ذات مرة، بكيت كثيرا وبعدها ابتسمت، ولأن ذات مرة ترددت كثيرا، وبعدها ابتسمت، ولأن ذات مرة، جلست وحيدة لفترة طويلة، وبعدها ابتسمت، ولأن ذات مرة، ابتسمت.

وأنا أبتسم الآن، أشعر أن هناك لحظة من الضحك عبرت بي، فأحاول ان التقطها واكتب عنها.

وان كان يظن الكثيرون، وفي هذه الأزمة الصحية العالمية التي نعيش فيها، ان عليهم أن يقرأوا أو أن يكتبوا الكثير من المقالات التي تحتوي الكثير من المعارف والأرقام والمعادلات والمفاهيم الجديدة والقديمة، لأن ذلك يغني الفكر والثقافة والعلم، أفكر أيضا، أننا نحن الأشخاص، الذين نعيش اليوم في أزمة وجودية، ونعيش حالة مختلفة عن أيامنا وسنواتنا، معرفة. اذ نحن نجرب أيضا الكثير من الأمور الجديدة، ونخترع وقتا آخرا، ونتحدث، ونحزن، ونفكر، ونصنع يومياتنا، ونعيش أحوالنا وقد نضحك. وان كان الكثيرون يتابعون ويهتمون بقراءة نصوص أو مشاهدة تقارير عن كيف بعض الكتاب الكبار، أو العظماء، أو المخرجين، أو المفكرين، يعيشون حجرهم الصحي وعزلتهم، افكر أن حيواتنا وتجاربنا تستحق أيضا المشاركة، والقراءة، والكتابة، وان كنا لسنا من المفكرين، ولسنا من الأدباء، ولسنا من الشعراء، ولسنا من الأقوياء، ولسنا من اللامعين في بعض المجالات، غير اننا جميعا معرفة. نحن الافراد جميعا، الذين نقاوم هذه الفترة الصعبة، ونحاول ان نصمد، وأن نعتني بأنفسنا وبالآخرين، ونتعب ونكتشف وقد نضحك، معرفة. فنحن جميعا معرفة، ويمكن لنا دائما أن نضحك..

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  يوميات طبيب في دمشق.. ادرينالين المواجهة
ملاك مكي

طالبة دكتوراه بالصحافة في جامعة باريس ديكارت

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  برسم إدارة أزمة كورونا: عشرات أجهزة التنفس مرمية في المدينة الرياضية!