لو أني كنت فقيراً.. أشبع تفكيراً

تمنوا معي أن تنتهي حالة الحجر التي فرضها علينا كورونا، بأسرع وقت ممكن، من أجل خلاص الفقراء أولاً وأخيراً.

تعتبر تجربتي في قضاء الوقت في المنزل، كتجربة أكثرية شباب الطبقة الوسطى المتزوج في هذه الأيام. أنام متأخراً كل يوم حوالي الساعة الثالثة فجراً، بعد أن أكون قد شاهدت فيلماً على منصة “نتفليكس” أنا وزوجتي في الوقت الذي تكون فيه ابنتنا نائمة. أستيقظ في اليوم التالي عند الساعة الثانية عشرة ظهراً. أتناول الفطور، ثم يأتي موعد حاجيات المنزل اليومية، من خضار وفواكه وغيرهما من أمور. بالطبع، لا ننسى السكاكر لنتسلى بها في السهرة.

أعود من التسوق إلى المنزل لأتناول الغداء أنا وزوجتي، وأقضي بقية يومي بين مشاهدة التلفاز واللعب مع ابنتي وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وتدخين النرجيلة وأكل الفواكه والحلوى، على أن ينتهي يومنا بمشاهدة الفيلم اليومي والذهاب إلى النوم.

لو كنت فقيرا كان كل يوم سيمر كأنه كان دهراً

ما كان هذا اليوم لينقضي هكذا لو لم أكن لا زلت أتقاضى راتبي الشهري والحمد الله. لولا ذلك، كيف كان سينقضي يومي لو كنت مثلاً من الطبقة الفقيرة وخاصة أولئك الذين حرموا من راتبهم الشهري أو أجرهم الأسبوعي؟ كنت لأسهر أنا وزوجتي على التلفاز وأتنقل بين القنوات لعلي أجد فيلماً يعجبنا كونه ليس لدي القدرة على الاشتراك بالإنترنت ومشاهدة الأفلام اونلاين. أما في حال كانت كهرباء الدولة مقطوعة، ولا قدرة لي على دفع اشتراك الكهرباء، فكنا سننام في الساعة الثانية عشرة ليلاً، لنستيقظ في اليوم التالي ونتناول الفطور المعتاد يوميا؛ إما “سندويش” زعتر أو  لبنة أو علبة فول من كرتونة الإعاشة، ثم تبدأ ساعات النهار بإيقاع بطيء، نشاهد خلالها التلفاز في الوقت الذي تصلنا فيه كهرباء الدولة. يأتي وقت الغداء حيث طبق النشويات هو الطبق الرئيسي وقد نكون محظوظين إذا توفر الدجاج يوما، لا سيما أننا نسينا طعم لحم البقر، فالكيلو الواحد منه صار سعره حوالي اثنتين وعشرين ألف ليرة. لا فواكه ولا حلويات إلا في ما ندر من أيامنا. لا أركيلة بعدما صار ثمن علبة المعسل أربعة آلاف وخمسمائة ليرة كما أن كرتونة الإعاشات لا تحتوي على كماليات الفقراء كالمعسل والفحم، علماً أنني كنت لأستدين من دكانة الحي الحاجات الأساسية كالخبز والغاز ومياه الشرب وبعض الحاجات الرئيسية التي لا تتضمنها كرتونة الإعاشة.

الميزة الأهم فوق كل هذه الأمور، أنني كنت لأمارس التفكير كل يوم. التفكير عبارة عن قلق يومي. قلق على مدار الساعة. أنا المواطن الفقير غير القادر على دفع إيجار منزلي للشهر الثاني على التوالي. ماذا إذا قرر صاحب الشقة أن يرميني في الشارع وماذا إذا قرر صاحب الدكان أن يتوقف عن بيعي بالدين. ماذا لو أني لم أعد قادراً على توفير ربطة خبز أو قنينة حليب لإبنتي؟

سيكون الوضع سوداوياً، وأعتقد أنه كذلك عند شريحة كبيرة منا.

لو كنت فقيرا كان كل يوم سيمر كأنه كان دهراً.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  من فرنسا إلى لبنان.. بالمؤسسات والتضامن ننتصر على كورونا
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "كورونا" يخنق سوق النفط... والشركات الأميركية أولى الضحايا