

إسرائيل اليوم عقرب يلدغ ذاته. كل إنذار يتحوّل إلى هجوم، وكل تلويح بالقوة يترجم إلى توسع عسكري. الدم صمام الأمان، والعدوان معادل البقاء. تحت الغطاء الأميركي، تبني إسرائيل وهم الدولة الكبرى، لكنها أسيرة ردود فعل غريزية، محكومة بجهاز عصبي سياسي لا يعرف إلا التشنج واللدغ.
قبل تحوّل غزة إلى مجزرة كبرى، بيع للعالم وهم التطبيع: كامب ديفيد، وادي عربة، قطار أبراهام. الرسالة الدبلوماسية الباردة صيغت بمهارة: إسرائيل جار طبيعي، شريك اقتصادي، عضو في نسيج إقليمي جديد. صور الأطفال تحت الركام ومشاهد المقابر الجماعية أعادت الوعي الجمعي إلى نقطة الصفر. صدمة عصبية واحدة قلبت المعادلة وأعادت إسرائيل إلى موقع العدو المركزي. سلام الورق تلاشى أمام أول اختبار دموي، كما ينهار الجهاز العصبي تحت صدمة كهربائية مفاجئة.
التوازن الإقليمي أصيب بارتجاج. السعودية أعادت التموضع، فاستجابت باكستان. مصر وتركيا استخدمتا المناورات البحرية المشتركة كرسالة مباشرة: إسرائيل ليست مركز الاستقرار الوحيد. القاهرة فتحت قنوات مع طهران إدراكًا أن غياب التنسيق الإقليمي يفتح الباب أمام توسع إسرائيلي بلا سقف. حزب الله أرسل إشارات إلى الرياض. خصوم الأمس توحّدوا عبر محفّز عصبي واحد: الخوف من عقرب إسرائيل.
الصراع الذي تعتبره إسرائيل ضمانة للبقاء يسرّع من عزلتها. عقرب يلدغ ذاته، والسم يتسرب في عروقها. سلام الورق يذوب مع أول رصاصة، وحرب الواقع تعيد إنتاجها كخطر دائم
في الساحة الدولية، المشهد لا يقل تعقيدًا. واشنطن محاصرة بمفارقة بافلوفية: كلما ازدادت الجرائم، ازدادت ردود الفعل الداخلية ضد الدعم المطلق لتل أبيب. إسرائيل بالنسبة إلى السياسة الأميركية قضية داخلية بقدر ما هي خارجية. صور غزة تترسّب في المخيال الشعبي كصفارة تحفيز تُنتج استجابات معاكسة. موسكو، ببرودة كيسنجرية، ترى في عزلة تل أبيب فرصة لتعميق تحالفاتها مع طهران ودمشق. بكين تقرأ المشهد عبر ممرات الطاقة والحزام والطريق: إسرائيل عقدة عصبية تُهدّد التدفق، لذلك تتحرك الصين ببطء وتقدّم نفسها كوسيط عقلاني مقابل الفوضى الأميركية.
إسرائيل التي حلمت بدور “شرطي الشرق الأوسط” تحوّلت إلى مصدر عدوى سياسي. أحاطت نفسها بسفارات ومعاهدات، والواقع أحاطها بعزلة غريزية قاسية. واشنطن أسيرة ردود الفعل القديمة، بينما موسكو وبكين تجمعان أوراق اللعبة وتقدمان بدائل استراتيجية.
الصراع الذي تعتبره إسرائيل ضمانة للبقاء يسرّع من عزلتها. عقرب يلدغ ذاته، والسم يتسرب في عروقها. سلام الورق يذوب مع أول رصاصة، وحرب الواقع تعيد إنتاجها كخطر دائم. المنطقة تتحرك وفق بوصلة واحدة: أمنها يبدأ من تجاوز إسرائيل، كيان أسير لجهازه العصبي الغريزي، يُكرّر لدغ ذاته حتى الفناء.