في هذا الزمن الغارق في الضوء، تتسابق الصور على احتلال الوعي العام، وتتحوّل السياسة إلى مشهدٍ متواصل لا يعرف السكون. أزمة القيادة تُعبّر عن تفتّت العلاقة بين الكلمة والفعل، بين الحضور الرمزي والهيبة التاريخية.
في هذا الزمن الغارق في الضوء، تتسابق الصور على احتلال الوعي العام، وتتحوّل السياسة إلى مشهدٍ متواصل لا يعرف السكون. أزمة القيادة تُعبّر عن تفتّت العلاقة بين الكلمة والفعل، بين الحضور الرمزي والهيبة التاريخية.
في قلب القارة التي وُلدت فيها الفلسفة الحديثة، يتأمل العقل الأوروبي ذاته كمن ينظر إلى نهرٍ جفّ ماؤه وبقيت فيه الحجارة شاهدة على زمنٍ كان مفعماً بالضوء.
تتشكل أمامنا حقبة جديدة تتجاوز حدود الاقتصاد والسياسة لتطال النسيج العميق الذي كان إميل دوركايم يسميه الوقائع الاجتماعية. ما يحدث في زمن الذكاء الاصطناعي ليس تطورًا تقنيًا فحسب، بل تحوّل في معنى الوجود الجمعي، في طبيعة التضامن، وفي بنية الوعي الجمعي ذاته. العالم يدخل طورًا من التنظيم الذكي حيث تتبدل القواعد التي تضبط العلاقة بين الإنسان والمجتمع، بين الفرد والجماعة، بين السلطة والخيال. في هذا الأفق الجديد يصبح السؤال الجوهري: أي نوع من التضامن سيحكم العالم المقبل؟
تتحرك خرائط الشرق الأوسط ككائنٍ يبدّل جلده تحت ضغط الزلازل السياسية والعسكرية، فتتقدّم مصر وتركيا وقطر في مشهدٍ يعاد فيه توزيع موازين القوة والرمز، فيما تخرج إيران والسعودية وسوريا من حالة الارباك لتعيد تركيب حضورها على ضوء ما خلّفه تسونامي الدم الذي أطلقته آلة الحرب الإسرائيلية في فلسطين. كلّ موجةٍ من ذلك الدم كانت تُعيد تعريف السلطة في المنطقة، وتحمل معها وعياً جديداً بحدود العجز والإمكان.
النخبة الفكرية اليوم تعيش في لحظة اختبار أخلاقي وتاريخي. هي حضور اجتماعي واعٍ يملك حسّ المسؤولية تجاه زمن تغمره الفوضى، وتتصاعد فيه موجات اللجوء والخوف والعنصرية والإسلاموفوبيا. في هذا المشهد، يتقدّم المثقف كفاعل في قلب العاصفة، يقرأ البنية الرمزية للعنف، ويُفكّكها، ويعيد تركيب الوعي الجمعي على أسس العدالة.
في خضم تحولات سياسية واجتماعية متسارعة، يظهر الرئيس دونالد ترامب كوجه غير مسبوق في الحياة السياسية الأميركية. يومًا يُفعّل الحرس الوطني في الولايات، ويومًا يُهدّد جماعة «حماس» بالإبادة، وفي لحظة يطلق ضربات نحو إيران تُعد من أكثر العمليات العسكرية جرأة منذ عقود. هذا التداخل بين الداخل والخارج، بين الخطاب الاستعراضي والقرار التنفيذي، يشكّل ملامح «الأسلوب الترامبي» الذي يستحق قراءة تحليلية جادة.
حين تُعلن فرنسا عن نفسها كموطن أول لـ"دولة القانون"، فهي لا تكتفي بالحديث عن مؤسسات قضائية وأحكام صادرة بحق رؤسائها، بل تبني صورةً متخيَّلة تُستهلك كرمز جماعي. هذه الصورة أقوى من الوقائع نفسها: القانون هنا لا يُمارس وحسب، بل يُعرض، يُقدَّم كفرجة وطنية، حيث يتحول الرئيس المدان أو الملاحَق إلى بطل في مسرح قضائي جماهيري. وبذلك يصبح السؤال: هل تحاكم فرنسا رؤساءها حقاً، أم أنّها تُعيد إنتاج أسطورة الجمهورية العادلة عبر عرضٍ متواصل؟
العقرب حين يلدغ، يحقن سُمّه عبر إبرة دقيقة متصلة بغدّتين سامّتين في ذيله. السم أداة قتل للخصم، وجزء من جهاز عصبي- بيولوجي يعمل وفق آلية دقيقة: التحفيز يولّد استجابة، والتهديد يطلق شحنة عصبية تجعل الذيل ينقضّ بلا وعي. المفارقة أن العقرب، في لحظة فقدان التوازن أو الإحاطة بالنار، قد يلدغ ذاته. السم الذي يظنه خلاصًا يتحوّل إلى أداة فنائه. هذه الصورة الأوضح لفهم إسرائيل: كائن عصبي مشدود على حافة رد الفعل، يتعامل مع العالم عبر جهاز عصبي مشبّع بالخوف والاستجابة التلقائية.
الركون إلى "الصديق الأميركي" كضامن وحيد للأمن الخليجي تحوّل إلى وهم نفسي تجاوزه الزمن. واشنطن التي عُرضت طويلاً كحارس الاستقرار تنظر إلى المنطقة بميزان مصالحها الفورية، وتضع كل ما يُسمّى "القيم المشتركة" في سلة السياسة الواقعية حين تتعارض مع مركز ثقلها المالي والعسكري. التحالف مع إسرائيل يمثل انعكاس غياب البدائل الاستراتيجية الخليجية آنذاك، وتجسيد ذات خليجية انشغلت بطلب الحماية الخارجية أكثر مما انشغلت ببناء قوتها الداخلية.
في لحظة إقليمية تتداخل فيها الجغرافيا بالنفط بالغاز بالمعابر، تصوغ القاهرة خطابًا متدرجًا يراوح بين التهدئة والتحشيد. عناوين الفضائيات المصرية، من عمر أديب إلى مصطفى بكري، تحوّلت في الأيام الأخيرة إلى ما يشبه منصة تعبئة عامة، حيث يجري استدعاء الذاكرة القومية وتحريك الغرائز الوطنية تحت سقف واحد: مصر في عين العاصفة.