عبد الحليم حمود, Author at 180Post

750-1.jpg

في الاقتصاد، تتقد الشرارة الأولى حين يتحرّك العمل داخل مجتمع يفتح أبوابه للسلعة ورأس المال، فيتشكّل تاريخٌ يمتد من معامل القرن الثامن عشر حتى مصارف القرن الحادي والعشرين. عند هذا الامتداد يُطلّ آدم سميث بروح السوق الحرّة وتخصّص العمل، ويقترب منه كارل ماركس عبر تحليلٍ عميق لديناميات الإنتاج وتحوّل القيمة. يلتقي الاثنان عند فكرة أنّ العامل هو قلب الاقتصاد وأنّ الإنتاج هو الطريق الذي يسمح للمجتمع بالازدهار، ثم تتسع الفجوة بينهما مع اختلاف الرؤية حول توزيع الثروة. ومع تطوّر العالم الرقمي تُشرق منطقة ثالثة لم تظهر في حسابات الرجلين: المال غير الملموس، والربح السريع، والشركات التقنية التي تصنع ثروات عبر برمجيات لا وزن لها إلا عبر أثرها.

750-12.jpg

يتقدّم الجيل الجديد وسط فيض من الرموز التي تتحرك خارج ثبات التعريفات القديمة. العلاقة مع الدولة لا تتخذ شكل يقين، بل تتبدّل كجملة تتراجع علاماتُها نحو الهامش وتبحث عن معنى إضافي في كل سطر جديد. الهوية لا تتجمد، بل تتموّج مثل كتابة تُعاد كل مرة عبر إضافة حرف صغير يفتح باباً لمعنى آخر. هنا، تصبح الدولة نصاً جانبيّاً لا يملك امتياز التفسير النهائي، بل يشارك في حوار تتوزّع ملامحه على أماكن عدة، وتعيد الذاتُ ترتيبَه عبر طبقات متراكبة من التجربة والذاكرة والخيال الرقمي.

800-34.jpg

تتقدّم الأمم عبر مسارات تتشابك فيها السلطة مع الذاكرة، والقوة مع الأخلاق، والهوية مع الرغبة في صياغة مستقبل له معنى ووزن. وفي هذا التشابك تولد لحظة تفيض فيها حقيقة كبرى كانت أمام العيون، ثم ترتفع فجأة كقنبلة ضوئية تكشف ما غاب عن الإدراك. هذه اللحظة تُسمّى «البقعة العمياء»، مساحة تتراكم داخل الذات حتى تفرض كشفًا يحرّك الأسئلة ويعيد توزيع الوعي على خارطة جديدة.

ONE.jpg

تتشكل أمامنا حقبة جديدة تتجاوز حدود الاقتصاد والسياسة لتطال النسيج العميق الذي كان إميل دوركايم يسميه الوقائع الاجتماعية. ما يحدث في زمن الذكاء الاصطناعي ليس تطورًا تقنيًا فحسب، بل تحوّل في معنى الوجود الجمعي، في طبيعة التضامن، وفي بنية الوعي الجمعي ذاته. العالم يدخل طورًا من التنظيم الذكي حيث تتبدل القواعد التي تضبط العلاقة بين الإنسان والمجتمع، بين الفرد والجماعة، بين السلطة والخيال. في هذا الأفق الجديد يصبح السؤال الجوهري: أي نوع من التضامن سيحكم العالم المقبل؟

80.jpg

تتحرك خرائط الشرق الأوسط ككائنٍ يبدّل جلده تحت ضغط الزلازل السياسية والعسكرية، فتتقدّم مصر وتركيا وقطر في مشهدٍ يعاد فيه توزيع موازين القوة والرمز، فيما تخرج إيران والسعودية وسوريا من حالة الارباك لتعيد تركيب حضورها على ضوء ما خلّفه تسونامي الدم الذي أطلقته آلة الحرب الإسرائيلية في فلسطين. كلّ موجةٍ من ذلك الدم كانت تُعيد تعريف السلطة في المنطقة، وتحمل معها وعياً جديداً بحدود العجز والإمكان.

600-7.jpg

النخبة الفكرية اليوم تعيش في لحظة اختبار أخلاقي وتاريخي. هي حضور اجتماعي واعٍ يملك حسّ المسؤولية تجاه زمن تغمره الفوضى، وتتصاعد فيه موجات اللجوء والخوف والعنصرية والإسلاموفوبيا. في هذا المشهد، يتقدّم المثقف كفاعل في قلب العاصفة، يقرأ البنية الرمزية للعنف، ويُفكّكها، ويعيد تركيب الوعي الجمعي على أسس العدالة.

770.jpg

في خضم تحولات سياسية واجتماعية متسارعة، يظهر الرئيس دونالد ترامب كوجه غير مسبوق في الحياة السياسية الأميركية. يومًا يُفعّل الحرس الوطني في الولايات، ويومًا يُهدّد جماعة «حماس» بالإبادة، وفي لحظة يطلق ضربات نحو إيران تُعد من أكثر العمليات العسكرية جرأة منذ عقود. هذا التداخل بين الداخل والخارج، بين الخطاب الاستعراضي والقرار التنفيذي، يشكّل ملامح «الأسلوب الترامبي» الذي يستحق قراءة تحليلية جادة.

Sarkozy-sentenced-BECS.-ARGENTINA..jpg

حين تُعلن فرنسا عن نفسها كموطن أول لـ"دولة القانون"، فهي لا تكتفي بالحديث عن مؤسسات قضائية وأحكام صادرة بحق رؤسائها، بل تبني صورةً متخيَّلة تُستهلك كرمز جماعي. هذه الصورة أقوى من الوقائع نفسها: القانون هنا لا يُمارس وحسب، بل يُعرض، يُقدَّم كفرجة وطنية، حيث يتحول الرئيس المدان أو الملاحَق إلى بطل في مسرح قضائي جماهيري. وبذلك يصبح السؤال: هل تحاكم فرنسا رؤساءها حقاً، أم أنّها تُعيد إنتاج أسطورة الجمهورية العادلة عبر عرضٍ متواصل؟