تحولنا إلى عدادات. أرقام. أسرى. روبوتات. لكأننا أصبحنا جميعا أبطالاً في فيلم سينمائي عالمي هائل مسرحه الكرة الأرضية. كورونا هو البطل الذي لا يريد منا أن نتعرف إلى وجهه أو أن نسمع صوته، أما نحن، فكلنا مجرد كومبارس. المطلوب منا فقط أن نخاف وأن يحاول كل واحد منا صياغة خوفه على طريقته في هذا الفيلم الطويل.
مخيف هذا المشهد البشري، لا بل كرتوني إلى حد الهشاشة، وكأن عظمة الكون سقطت… بعطسة، أو بلمسة.
بات الموت أقرب إلينا من أي وقت مضى، أكنا صغارا أم كبارا. لا يميز كورونا أحداً عن أحدٍ. هو عادل في التعامل مع الأعراق. القارات. الشعوب. الحضارات. الأعمار. الأجناس. كل الشعوب يحاصرها شبح الموت الأسود.
من كان يتخيل للحظة أن تصبح القبلة أو المصافحة ممنوعة؟ أن يصبح لقاء الأحبة هو أقسى أحلامنا؟ أن نصبح غرباء عن أحبتنا؟ أن نخشى إحتضان أولادنا وأمهاتنا وأباءنا خوفا منا عليهم أو العكس؟
كأن الأرض لفظتنا جميعا، وقررت أن تقول كلمتها: كفاكم فساداً وتلويثاً وغروراً واستكباراً. كفاكم توحشاً.
برغم كل جبروتكم، انظروا كيف تختبئون في جحوركم اليوم. عودوا إلى أنفسكم، إلى أرواحكم، وعقولكم. عودوا إلى ما تبقى من إنسانية مفقودة، وتعرفوا على ذواتكم التي أرهقتها تفاصيل حياة مادية إستهلاكية…
لكأن الأرض قد قررت إمتحان البشرية جمعاء، وهذه المرة لا فرق بين فقير وغني. بين ظالم ومظلوم. بين دولة كبرى ودولة صغرى. بين شرق وغرب. بين شمال وجنوب.
كورونا أسقط أقنعة كثيرة، وكشف حقائق كبيرة.
مسكينة هي شعوب الأرض، وخادع هو الوهم الذي شوّه حواسنا، وأبعدنا عن حقيقتنا، وجعلنا نعتقد أننا أقوياء من دون أن ندرك أننا كنا مجرد بيادق في حفلة خداع بصري وحسي.
حتماً نحتاج الى خطة طوارئ، لكن طوارئ من نوع آخر. حالة طوارىء إنسانية وأخلاقية، تعيد إلينا قيماً ركلتها أطماعنا وأحقادنا وأنانيتنا. تعيد لنا مبدأ التكافل والتضامن والوحدة. تعيد لنا إنسانيتنا التي قتلناها أو أهملناها أو تناسيناها، عن سابق تعمد وإصرار.
سيمر زمن كورونا حتماً، وستسقط معه منظومات لطالما اعتقدنا أنها راسخة وأبدية وقوية.. وتبين أنها هشة وآنية. هل نعتبر من كورونا؟