يقول الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، آساف أوريون، الذي قاد جهاز التخطيط الاستراتيجي في وزارة الدفاع الإسرائيلية بين 2010 و2015، إن إسرائيل “سترد على ما أسماه أي “اعتداء إرهابي” يقوم به حزب الله عبر استهداف ذكيّ لـ”مئات آلاف الأهداف”، عبر أسلحة تدمير دقيقة، وهذا طبعا سيرتب تدميراً لا سابق له”.
ويقول نيكولاس بلانفورد، الباحث في برامج الشرق الأوسط في “أتلانتك” إن قادة حزب الله “يدركون أنه إذا وقعت حرب ما، فإن ما حصل عام 2006 سيكون أشبه بنزهة لما يمكن أن تتسبب به الآلة العسكرية الإسرائيلية هذه المرة”.
الحرب بين حزب الله وإسرائيل تطرح سؤالاً واحداً: متى ستقع هذه الحرب؟ وليس ما إذا كانت ستقع، وهي حرب ستكون مدمرة وقاتلة، وإذا كانت دول كثيرة تفكر في أمر واحد، وهو كيف توفير الدعم والمساعدة للإسرائيليين، “فإن سيناريوهات عدة يمكن أن تطفو على سطح المعركة، وهي من دون شك، وللأسف، لن تكون لمصلحة لبنان”، كما تقول مارا كارلين، مديرة الدراسات الاستراتيجية في جامعة “جونز هوبكينز”.
يأتي كلام كل من آساف أوريون ونيكولاس بلانفورد ومارا كارلين في سياق دراسة تحليلية قدمها عدد من الخبراء الإستراتيجيين في “أتلانتك كاونسيل” ونشرها المجلس باللغة الإنكليزية هذا الشهر، مذيلةً بتوقيع كل من آساف أوريون، ونيكولاس بلانفورد. وفي ما يلي أبرز ما تضمنته الدراسة التي تنحاز في سياقاتها وخلاصاتها إلى إسرائيل:
“الضربة الجوية الأميركية التي قتلت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني – العقل المدبر لنمو النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط – في بغداد في 3 كانون الثاني/يناير 2020، شكلت تطوراً درامياً غير مسبوق في المعركة بين الولايات المتحدة وإيران.
ردّت إيران على مقتل سليماني بإطلاق العديد من الصواريخ البالستية على قاعدة تأوي قوات أميركية في العراق في 8 كانون الثاني/يناير. تعهدت إيران بأن هجماتها لا تشير إلى نهاية انتقامها وأن هدفها هو إخراج جميع القوات الأميركية من الشرق الأوسط. كما عبر السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله في لبنان بوضوح عن هذا الهدف ايضا في 12 كانون الثاني/يناير 2020، في خطاب قال فيه إن الانتقام لمقتل سليماني هو “مسار طويل يجب أن يؤدي إلى مغادرة القوات الأميركية المنطقة”.
في ضوء تصاعد التوترات الإقليمية، ثمة خشية بأن تصعيداً بسيطاً على طول الجبهة اللبنانية السورية الاسرائيلية قد يخرج عن السيطرة ويجلب نهاية مفاجئة ودراماتيكية للهدوء السائد على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ نهاية الحرب التي استمرت لشهر بين حزب الله وإسرائيل في تموز/يوليو وآب/أغسطس عام 2006.
وكجزء من “استراتيجية الردع”، حذّرت إسرائيل أنها ستتعامل مع كل لبنان على أنه العدو في الحرب القادمة ولن تحصر هجومها ضد حزب الله. هذا التهديد، إذا تحقق، يعد بإلحاق دمار هائل في بلد شهد على الصعيد الوطني احتجاجات ضد النخبة السياسية في أواخرعام 2019 وهو يتصارع مع أخطر أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية 1975-1990.
إن حجم الحرب القادمة والتأثير الكارثي المتوقع على إسرائيل ولبنان هو بمثابة شكل من أشكال الردع المتبادل. ومع ذلك، هناك حافة رفيعة للغاية تفصل بين الهدوء المتوتر والحرب المدمرة؛ تم اختبارها عدة مرات منذ عام 2006 على المستويين التكتيكي والإستراتيجي، على حد سواء. على الرغم من أن كلاهما لا يسعى حتى الآن إلى الحرب، فإن كل عمل تكتيكي بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله عرضة لخطر سوء تقدير، ممكن أن يؤدي إلى تصعيد وحرب شاملة.
يفحص هذا التقرير الوضع الحالي لكل من الجيش الإسرائيلي وحزب الله، فيحدد العوامل المحفزة المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى حرب، يحلّل كيف سيتم خوضها عسكرياً من قبل الطرفين، ويقدم توصيات “للحفاظ على الهدوء النسبي على الأقل وتجنب صراع يمكن أن يكلف آلاف الأرواح ويسبب خراباً لا مثيل له على لبنان وإسرائيل”.
حزب الله اين كان وأين أصبح؟
منذ نهاية حرب عام 2006 حتى الآن، تغير حزب الله جذريا في الحجم، القدرات، الهيكلية، والخبرة. في 2006، كان عدد مقاتلي حزب الله يتراوح بين 3000 و5000 بدوام كامل ودوام جزئي.
اليوم، تبلغ الطاقة البشرية في حزب الله حوالي 30.000 مقاتل، ربما 7000 منهم ينتمي إلى فرقة القوات الخاصة (فرقة الرضوان)، مع احتياطي يمكن أن يعتمد على ما بين 10.000 إلى 20.000 آخرين.
تقدّر إسرائيل أن ترسانة حزب الله تضم اليوم من 130.000 إلى 150.000 صاروخ أرض – أرض، وهو مخزون أكبر بعشر مرات من عام 2006. ويعتقد أن الإضافات الجديدة تشمل فاتح -110 من عائلة صواريخ أرض-أرض وهو يحمل رأساً حربياً من 500 كيلوغرام ويتراوح مداه بين 250-300 كلم. وبحلول عام 2014، قيّمت إسرائيل أن حزب الله قد حصل على العشرات من صواريخ سكود شبه البالستية، بما في ذلك صاروخ سكود- دي، الذي يصل مداه الى حوالي 700 كلم.
وحدة الحروب البرمائية التابعة لحزب الله، المكلفة بالدفاع الساحلي والتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية عن طريق البحر، استحوذت على صواريخ كروز المضادة للسفن بي-800 ياخونت، وهي مزودة بنظام يفوق سرعة الصوت بمدى يصل إلى 300 كلم. حيازة نظام ياخونت سيسمح لحزب الله بتهديد الشحن والبنية التحتية على طول الساحل الإسرائيلي، وربما استهداف منصات الغاز الإسرائيلية في البحر الابيض المتوسط.
قام حزب الله بتشغيل طائرات بدون طيار في المجال الجوي الإسرائيلي عدة مرات منذ عام 2004؛ كان أحدث إختراق له في آذار/مارس 2020.
لا يعرف سوى القليل عن حجم وتنوع ترسانة الدفاع الجوي لحزب الله. لكن يعتقد أنه في كانون الثاني/يناير2013 استهدفت سلاح الجو الإسرائيلي قافلة كانت تنقل أنظمة الصواريخ بوك، وكان سيتم نشرها عند الحدود بين لبنان وسوريا.
في العام 2006 كان مسرح المعركة يقتصر بشكل أساسي على جنوب لبنان وشمال إسرائيل. إلا أن مدى أنظمة صواريخ حزب الله اليوم أدى إلى توسيع مساحة المعركة ليشمل جميع مناطق لبنان وإسرائيل. لدى حزب الله الآن القدرة على إطلاق الصواريخ في عمق إسرائيل، ليس فقط من جنوب لبنان، ولكن أيضًا من شمال البقاع وجنوب غرب سوريا.
الدروس المستفادة من سوريا
تقليديا، تدرّب مقاتلو حزب الله على محاربة عدو واحد، اي الجيش الإسرائيلي، في بيئة واحدة: تلال ووديان جنوب لبنان، وهي منطقة يعرفونها بشكل جيد.
في سوريا، وجد حزب الله نفسه يحارب في نطاق أوسع بكثير، يقوم بمهام هجومية واضحة في بيئات غير مألوفة، مع تضاريس شديدة الاختلاف، من جبال قاحلة إلى مناطق حضرية كثيفة السكان.
لم يكن عدو حزب الله (في سوريا) متفوقاً مثل الجيش الإسرائيلي التقليدي، بل هو عبارة عن قوات أقل قدرة، مسلحةً تسليحاً خفيفاً نسبياً، تستخدم تكتيكات غير متناظرة، مشابهة لتلك التي كان يستخدمها حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في تسعينيات القرن الماضي. في الواقع، بدأ حزب الله يلعب دوراً عسكرياً تقليدياً تدريجياً في سوريا.
العديد من المهارات التي تعلمها مقاتلو حزب الله في سوريا لن تكون ضرورية في أي حرب مع الجيش الإسرائيلي في المستقبل. لكن هناك درس واحد يمكن أن يكون له تأثير حاسم على قدرات مقاتلي حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي، وهو التجربة القتالية. هناك جيل جديد من محاربي حزب الله خاضوا صراعاً قاسياً ضد الإرهاب. أصبح محاربو حزب الله يعرفون كيفية القتال والتعرض لإطلاق نار عن قرب، وهي تجربة غير معروفة للجيل الحالي في الجيش الإسرائيلي.
إسرائيل تحضّر للحرب المقبلة
ركّزت إسرائيل في استعدادها للقتال على لبنان. بينما شنّت ثلاث حملات عسكرية في قطاع غزة منذ 2006، وركزت بشدة على مواجهة برنامج إيران النووي، لكن لا يزال يشكل حزب الله اللبناني التهديد العسكري التقليدي الأول لأمنها القومي، ولذلك تركز جهدها الإستخباراتي عليه بشكل أساسي، فضلاً عن تحضير الجيش الاسرائيلي ساحة المعركة المقبلة؛ إقامة دفاعات حدودية؛ بناء دفاعات صاروخية متعددة الطبقات؛ تحسين الجبهة الداخلية واستعداد السكان (المستوطنين) للتهديدات في زمن الحرب.
على جبهة الحرب البرية، استثمر الجيش الإسرائيلي بكثافة في تجهيز قواته البرية بالمزيد من الأسلحة الفعالة، كما بذل الجيش الإسرائيلي الكثير من الجهد في تدريب القوات النظامية والاحتياط لخوض سيناريوهات لبنانية. وقد ركز هذا الجهد على القتال في مناطق وعرة وحضرية وفي “قرى عسكرية” نموذجية، بما في ذلك خوض حروب تحت الأرض وحروب الأنفاق.
على الجبهة البحرية، استثمرت إسرائيل في تحسين منظومة الكشف والدفاع عن شواطئها وأصولها البحرية إزاء التهديدات المختلفة، كالصواريخ وهجمات تحت الماء والقوارب السريعة. كما يشمل التحضير للحرب الحماية ضد الهجمات السيبرانية على الجيش والبنية التحتية.
“المعركة بين الحروب”
بعد حرب 2006، دخل بعد جديد في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي أطلق عليه إسم “المعركة بين الحروب”. هدفه وضع حد للمخاطر الحالية والناشئة؛ وتأجيل الحرب، وفي نفس الوقت، العمل على تحسين فرص النصر للحفاظ على قوة الردع وتوسيع نطاق حرية القيام بعمليات، والتضييق على العدو.
مع استمرار الحرب في سوريا، حدث تطوران: أولاً، ازدادت سرعة إيران في جهودها لتزويد حزب الله بالسلاح والأنظمة المتقدمة، ثم سعت ايران إلى إنشاء قاعدة عسكرية خاصة لها في سوريا. ثانياً، ضاعفت إسرائيل جهودها لمنع أعدائها من التسلح من خلال تنفيذ ضربات جوية تستهدف عمليات نقل الأسلحة إلى هذه الجهات. أنها حرب استنزاف صامتة.
ولعل التطور الأبرز في السنوات الأخيرة هو “مشروع الصواريخ الدقيقة”. هذا المشروع يهدف إلى تحويل صواريخ حزب الله “الغبية”، مثل M-302، إلى صواريخ دقيقة موجهة بنظام تحديد المواقع، قادرة على ضرب الأهداف (الإسرائيلية) بدقة كبيرة. كما أنها تسعى إلى تحسين دقة الصواريخ الحالية لحزب الله مثل M600.
في العام 2014، قال ايهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، أنه في غضون خمس سنوات، سيكون لدى مقاتلي حزب الله صواريخ دقيقة للغاية تمكنهم من “اختيار المبنى الذي يريدون إستهدافه”.
ونظراً لصغر حجم إسرائيل وضعف بنيتها التحتية الاستراتيجية، فإن قوة كهذه (الصواريخ الدقيقة) بين أيدي أعدائها، تشكل ضربة قاضية لأمنها القومي، إلى حد كبير، ومن الممكن أن يحفّز ذلك إيران وحزب الله للقيام بالضربة الأولى.
بالاضافة الى ذلك، صرّح مسؤولون اسرائيليون علناً أن مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله على الأراضي اللبنانية، هو في المرتبة الثانية، من حيث الخطورة، من بعد مشروع إيران النووي، ويجب إيقافه “حتى في ظل خطر الحرب”.
إحتمال إندلاع الحرب يزداد إذا استمر الطرفان على هذا المسار.
إستراتيجية دفاعية وعقيدة هجومية
يعرض التقرير لموقع حزب الله، ويشير إلى أنه صار اليوم أقوى عسكرياً وسياسياً، اكثر من أي وقت مضى، لكنه يواجه مجموعة مخاطر يمكن أن تضعفه: الفساد داخل الحزب، الأزمة الإقتصادية والمالية الحالية في لبنان، إنخراطه في حروب الإقليم أذى خطابه المقاوم وأظهره كأداة للسياسة الخارجية الإيرانية.
يضيف التقرير: لا يسعى كل من إسرائيل وحزب الله إلى شن حرب واسعة النطاق. إن اندلعت حرب ستكون نتيجة حسابات خاطئة ممكن ان تؤدي الى تصعيد. ستكون الحرب بينهما منافسة قاتلة. سيحاول كل من الطرفان الحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر بالآخر. لكن من السهل الافتراض ان العواقب ستكون اسوأ بعشرة اضعاف على لبنان من حرب 2006.
وكما في حرب العام 2006، ستكون استراتيجية حزب الله هي الحفاظ على إطلاق النار وتدفق الصواريخ بإتجاه إسرائيل، كوسيلة للضغط على الحكومة الاسرائيلية لتحقيق نتائج ايجابية. النصر بالنسبة لحزب الله يكون بجعل إسرائيل تفشل في تحقيق أهدافها؛ أن يصوّر للرأي العام أن الجيش الاسرائلي قد هزم؛ قدرة حزب الله على إعادة التسلح وإعادة بناء قوته؛ الدعم المستمر من قبل الطائفة الشيعية في لبنان؛ والمحافظة على نفوذ حزب الله السياسي في لبنان.
اما بالنسبة لاسرائيل، فإن اسلوبها في الحرب وتفكيرها العسكري هو عبارة عن استراتجية دفاعية وعقيدة هجومية. ستسعى للحد من تاثير هجوم حزب الله، تقليص قدراته، وتحسين ظروف ما بعد الحرب، اي تأمين حدود هادئة.. وربما السلام.
توصيات “أتلانتك كاونسيل”
يخلص هذا التقرير إلى سلسلة توصيات إقترحها عدد من الخبراء الإستراتيجيين في “أتلانتك كاونسيل” وتتضمن الآتي:
من المهم الحفاظ وتقوية قنوات التواصل التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بين لبنان وإسرائيل. كما يُنصح بتركيز جهود اليونيفيل والجيش اللبناني على المنطقة الأكثر حساسية على الحدود الجنوبية للبنان منطقة، على عمق من 3 إلى 5 كيلومترات، على طول الخط الأزرق. إذا لم يكن هناك امكانية لتعزيزعمليات التفتيش من قبل اليونيفيل، إحدى الخيارات الاخرى هي تقليص قوات حفظ السلام، لتخفيض الخطر الغير مبرر على الجنود الزرق. ثمة خيار آخر وهو الاستفادة من المساعدات الخارجية المحتملة لتخفيف الأزمة المالية في لبنان.
بالاضافة الى ذلك، يجب أن يفرض اللاعبون الدوليون والإقليميون عقوبات وضغطاً إضافياً على حزب الله وأنصاره، ومن يساعدهم في بيئة الأعمال والتجارة وفي الساحة السياسية.
في نفس الوقت، ينبغي تقديم خيارات مشروطة بتدابير أمنية يمكن تحقيقها. وبالمثل، إن تم تحقيق تقدم أمني فيما يخص إنتشار حزب الله في الجنوب وقدراته الإستراتيجية، يمكن لإسرائيل أن تظهر مرونة حول النزاع الحدودي ووقف التحليق اليومي الذي ينتهك قرار مجلس الأمن 1701.
يجب الحفاظ على المساعدات العسكرية الأميركية للبنان. يحتاج لبنان إلى جيش قوي وفعال يحفظ الاستقرار، خاصة في حالة حدوث انهيار اقتصادي قد يؤدي إلى انهيار في القانون والنظام. أيضاً، على المملكة المتحدة توسيع برنامج المساعدة العسكرية على طول الحدود مع سوريا وصولاً إلى الحدود الجنوبية.
بالإضافة الى ذلك، يجب قطع خطوط التواصل التي تستخدمها ايران لتسليح حزب الله، لتجنب الحرب في المستقبل”.