
ذهب الاستقطاب ضمن المجتمع السوري، بعد الأحداث الأخيرة، إلى مستويات غير مسبوقة. وحلّت المخاوف والتجاذبات الحادّة مكان مناخ التفاؤل العام الذي ساد المجتمع إبان سقوط حكم بشار الأسد بسرعةٍ فائقة ودون إراقة ملحوظة للدماء.
ذهب الاستقطاب ضمن المجتمع السوري، بعد الأحداث الأخيرة، إلى مستويات غير مسبوقة. وحلّت المخاوف والتجاذبات الحادّة مكان مناخ التفاؤل العام الذي ساد المجتمع إبان سقوط حكم بشار الأسد بسرعةٍ فائقة ودون إراقة ملحوظة للدماء.
في العام 2011، وعبر اعتماده "الحل الأمني" ضد انتفاضة شعبه، أخذ بشّار الأسد سوريا إلى حربٍ دمّرت ذهنيّات السوريين أكثر أكثر مما فعلت قتلاً وتدميراً وتهجيراً، وساهم "الخارج"، الذي طالب بعض المنتفضين حينها بتدخّله وحمايته، في دمار هذه الذهنيّات بدل إنقاذ سوريا والسوريين. وبعد أربع عشرة سنةٍ من المظالم هرب بشار الأسد ليترك البلاد في مهبّ رياح الجنون الإسرائيلي وفوضى الأطماع الخارجيّة وصراع المظالم والهويّات.
ما معنى أن يتمّ الحديث اليوم عن أنّ الاقتصاد السوري سيكون في المرحلة القادمة "اقتصاداً حرّاً"؟ ليس فقط لأنّ الاقتصاد لم يكُن "اشتراكياً" في السابق، بل لأنّ التحدّيات الأساسية بعد سنوات العقوبات القاسية – التي بالمناسبة لم ترفع كاملةً حتّى الآن برغم الإعلانات الأميركية - والحرب الأهليّة هي إعادة عجلة الإنتاج والتشغيل والإعمار والحدّ من الفقر وتوحيد البلاد وعودة كريمة للنازحين واللاجئين. فهل هذا ممكن دون تدخّل من الدولة؟ ودون سياسة حكوميّة واضحة؟
يسود مناخٌ من الإحباط شعوب المنطقة نتيجة الحرب التى أطلقتها إسرائيل أصلا، والولايات المتحدة لاحقاً، على إيران. إحباطٌ يطالُ حتّى لدى أولئك الذين كرهوا «نظام الملالى» وحلفاءه سواء لما كان لإيران من نفوذٍ خارج حدودها أو لانخراط إيران فى الصراعات الإقليميّة أو فقط نتيجة التجييش الطائفى بين المسلمين السنّة والشيعة.
جسّدت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخليجية ذلك التحوّل الكبير الذي تشهده المنطقة العربيّة. تحوّلٌ أفضى بعد خمس عشرة سنة على ما سمّي "الربيع العربي" إلى هيمنة أمريكيّة - دون منافسة تقريباً - على مقدّرات المنطقة برمّتها. من اللافت للانتباه كيف عبّرت الزيارة عن تقلّص نفوذ الدول الكبرى الأخرى، ليس فقط روسيا والصين، بل أيضاً دول أوروبا الغربيّة، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ومن اللافت للانتباه أيضاً كيف وضعت الزيارة حدوداً لنفوذ الدول الصاعدة في الإقليم، تركيا وإسرائيل، عدا عن احتواء النفوذ الإيراني.
شكّل انهيار جدار برلين ومن بعده منظومة الاتحاد السوفياتي وكذلك هيمنته على دول أوروبا الشرقيّة حدثاً تاريخيّاً كبيراً. هذا الانهيار كان نتيجة سوء إدارة مزمِن للسلطات القائمة في هذه البلدان وعدم قدرتها على التأقلم مع المتغيّرات داخلها وعلى الصعيد العالمي. على عكس ما حدث في الصين، رغم تشابه العقيدة السياسيّة للسلطات هناك.
أربع عشرة سنة من المؤتمرات ومن تشكيل هيئات معارضة و"حكومة منفى" مؤقتة وتسليح ودعم مالي وإغاثي وعقوبات تزداد قسوتها، لكن في الواقع جرى تحويل "الثورة" إلى حرب أهليّة ودمار واسع وانهيار اقتصادي وتقسيم فعليّ للبلد وصعود كبير للشرذمة الطائفيّة والإثنيّة والاستسلام للتبعيّة الخارجيّة. لكن ثمة سؤال لا بدّ ألاّ يبارح دوماً ذهن السوريين: هل كانت الدول التي سمّت نفسها "داعمة لسوريا" تعمل حقّاً كي تنتصر "ثورة" السوريين على الاستبداد وأن يتحقّق حلمهم بالحريّة والكرامة؟
السوريّون محكومون بالأمل. معاناتهم المعيشيّة، والعقوبات التي فرضت عليهم منذ أربعة عشر عاماً، وصراعات الآخرين على بلادهم وشرذمتها، والانفلات الأمنيّ، وكبح الحريّات العامّة والخاصّة، والنزوح والتهجير؛ أمورٌ ستعرف نهايتها جميعها قريباً وإن تدريجيّاً. الأمل كبيرٌ، بل كبيرٌ جدّاً، قياساً بالمعاناة التي عاشوها طويلاً.
توغّلت القوّات الإسرائيليّة في بلدة نوى في حوران بسفح جبل الشيخ، واشتبك الأهالي معها بالسلاح ودافعوا عن بلدتهم وكرامتها وكرامة أهلها والسوريين. واستُشهد تسعة منهم. هذا في بلدٍ تمّ حلّ جيشه وتقوم إسرائيل يوميّاً بقصف وتدمير منشآته وتُهدّد بأنّها ستضع عاصمته دمشق تحت هيمنتها وصولاً إلى الفرات.
برغم كلّ الاتفاقيات والوساطات، عادت إسرائيل إلى وتيرة إبادتها الجماعيّة للفلسطينيين في غزّة وتدمير مخيمات ومدن الضفّة الغربيّة. كما أغارت طائراتها على الضاحية الجنوبيّة في بيروت، بحجّة حادثة مشبوهة، لتُعكّر أجواء زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى باريس واللقاء الذي رعاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين الرئيسين اللبناني والسوري أحمد الشرع.