مالك أبو حمدان, Author at 180Post

750-10.jpg

أشرت مراراً إلى أنّ مشروع "بناء الدّولة"، أي دولة المواطَنة العصريّة وذات السّيادة، بات أمراً ضروريّاً في هذا الزّمان، خصوصاً بعد تمدّد وتمكّن - وربّما تجذّر - بعض المفاهيم اللّيبراليّة المعاصرة الكبرى، وعلى رأسها "الشّعور الفرديّ" كما فصّلنا الشّرح وبرّرنا التّسمية في ما سبق. ولكن، وخصوصاً في لبنان وفي مشرقنا العربيّ حاليّاً، نحن أمام خطر استخدام القوى الاستعماريّة الكبرى - المتجدِّدة - لهذا المفهوم، أي "بناء الدّولة" (مع التّبسيط)، كما جرت العادة منذ بداية العصور الأوروبيّة الحديثة تقريباً.. استخدامه، إذن، لمجرّد تحقيق المصالح والأهداف الاستغلاليّة والاحتلاليّة والاستعماريّة.

750-3.jpg

تحدّثنا مراراً عن أنّ القناعة القائلة بأنّنا، في لبنان بل وفي بلاد الشّام ككلّ، "شعب واحد"، هي المرجّحة أو الصّحيحة. وقد استندنا بشكل خاصّ، ومن منطلق علميّ قدر الإمكان، إلى نظريّة وبناء المفكّر الكبير، أنطون سعادة. كُنتَ قوميّاً اجتماعيّاً في عقيدتك الاجتماعيّة-السّياسيّة، أو لم تَكن كذلك، فالحقيقة هي أنّها نظرية قويّةٌ جدّاً ومتماسكةٌ جدّاً وواقعيّةٌ جدّاً، وبمعزل عن نطاقها الجغرافيّ التّفصيليّ، علينا الإقرار بأنّ عدداً من الأحداث والمعطيات التي حصلت وتحصل، خصوصاً منذ سقوط بغداد عام 2003.. تُشكّل تحدّياً خطيراً مُعيّناً لبعض قناعاتنا العلميّة و"الهويّاتيّة" هذه.

750-17.jpg

تحدّثنا في ما سبق من قول ومن مقال حول اشكاليّة الأولويّة: ما بين العمل على "بناء الدّولة" أو "بناء دولة المواطنة العصريّة" باختصار من جهة؛ والعمل على "التّحرّر الوطنيّ"، لا سيّما من قيد الاستعمار القديم والمتجدّد، من جهة ثانية. وقد رأينا أنّ القضيّة لم تزل اشكاليّة، وعالقة عموماً على المستويَين المفاهيميّ والتّطبيقيّ، مع تفضيلنا حتّى الآن لنموذج تطبيقيّ من النّوع الهَجين إن صحّ التّعبير. ولكنّ الأزمات الحاصلة والمتصاعدة في الإقليم، بما فيها الأزمة حول "السّلاح المقاوِم" في لبنان، تُعيد طرح الاشكاليّة مجدّداً، لا سيّما من زاوية ضعف الطّروحات القائلة "ببناء الدّولة"، من دون أخذٍ جدّيّ بالحسبان.. لفكرة أنّنا بلادٌ لم تزلْ مُستعمرة، ولو بأشكال متغيّرة ومتطوّرة – ومموّهة ربّما - مع الزّمن.

800-30.jpg

مُخالفة أو دَحض أو نَقض، أو حتّى مُجرّد نَقد.. إيمانويل كانط، لا سيّما من زاوية نظريّته الثّوريّة للمعرفة: هل هي مُمكنة لأناس مثلنا؟ علينا أن نعترف، بكلّ تواضع وبكلّ واقعيّة، بأنّنا هنا أمام "نظريّة كانطيّة للمعرفة" تُمثّل صرحاً فكريّاً انسانيّاً عالميّاً وبكلّ ما لهذه الكلمات من معانٍ خطيرة مُمكنة، وتُمثّل مُفترق طُرُقٍ خطير أيضاً في تاريخ الفكر الإنسانيّ ككلّ، وتُمثّل تحدّياً عميقاً للذّهن الانسانيّ وربّما للعقل الانسانيّ ككلّ أيضاً.. عدا عن كونها تُشكّل قفزة كُبرى بالنّسبة إلى عقلنا العلميّ/التّجريبيّ كبشر (وليس فقط الفلسفيّ البحت إن جاز التّعبير).

mouharer.jpg

شاءت الأقدار أن تأتي ذكرى تغييب الإمام السّيّد موسى الصّدر وأخَويه هذه السّنة.. فيصبح معها سؤال "الدّخول إلى الدّولة" الذي طرحناه قبل عام: أقرب ربّما، وللأسف، إلى سؤال كيفيّة إدارة نوع من "الخروج الاضطّراريّ من هذه الدّولة" نفسها، خصوصاً بعد الذي حصل هذا الأسبوع من قبل أغلب أركان السّلطة التّنفيذيّة في البلد، ويبدو أنّه مقصودٌ إلى حدّ كبير، ومُدبّرٌ من قبل بعض الأطراف المحلّيّة والاقليميّة وربّما الدّوليّة، بما فيها جانب من العقل الاسرائيليّ نفسه.

750.png

أعلم أنّ الكثيرين من محبّي وعاشقي "زياد" سيعتبرون أنّ الاكثار من المقولات والتّحليلات الفكريّة، وأنّ الاكثار من الفلسفة والتّفلسف – إن جازت هذه التّعابير كلّها - في ما يخصّ هذا الرّمز الفنّيّ والاجتماعيّ - اللّبنانيّ والمشرقيّ - الكبير... ليسا مناسبَين ربّما لما يُفضّله ويُحبّه الرّجل نفسه من جهة، وليسا مناسبَين في ما يعني المزاج اللّبنانيّ الشّبابيّ العامّ من جهة ثانية.

801.jpg

من بين المصطلحات أو الجمل التي بتنا نسمعها ونقرؤها كلّ يوم تقريباً، حتّى على لسان رئيس حكومة من الطّراز الأكاديميّ والمهنيّ والمناقبيّ لدولة الرّئيس القاضي نوّاف سلام: هي قول البعض إنّ "السّلاح"، أي سلاح المقاومة في لبنان.. إنّما "لم يردع"؛ أو هو لم يردع كما كان يتوقّعه البعض أو كثيرٌ من اللّبنانيّين، لا سيّما في ضوء الحرب الاسرائيليّة الأخيرة على لبنان.

800-26.jpg

يميل ذهننا البشريّ بطبيعته إلى العمليّات القائمة على "التّحليل" وعلى البحث عن "حلول" لمشكلة أو لمشاكل معيّنة. مع التّبسيط: البحث عن "الحلّ" - غالباً من خلال عمليّة التّحليل (Ana-lyse) الذّهنيّة - يتضمّن تصوّراً مُسبقاً مفاده أنّ هناك مشكلة - أو عقدة - ما، ويُمكن "حلّها" أي - عمليّاً - تفتيتها أو تفكيكها أو تقسيمها (إلخ)؛ والأقرب في الحقيقة هو أن يُقال تذويبها (Solution)، كما تُذوّب قطعة السّكّر من خلال خلطها بالماء السَّائلِ المُبين. وكما رأينا أيضاً، فلطالما يكون البحث عن "حلّ" في هذه الحياة وهماً وسراباً، لا سيّما في بعض المواضيع التي يُبيّن لنا وعينا الانسانيّ - الكلّيّ وليس فقط الذّهنيّ - عند حدّ زمنيّ معيّن في الغالب: أنّه لا حلّ لها ولا فيها.

800-13.jpg

في الجزء السابق (الثّالث)؛ ركّزنا في ما ركّزنا عليه، واعتماداً على ملاحظاتنا المنهجيّة السّابقة، على فرضيّة (أو مجموعة فرضيّات جزئيّة) مُعيّنة في تلك الأدبيّات.. واضعين هذا النّقاش تحت مُسمّى "فرضيّة المؤامرة العبّاسيّة".

750.jpg

ليست سهلة تلك المهمة التي يسعى إليها المنتمون إلى التيار التكاملي الوحدوي في هذا المشرق، لجهة إيجاد قواسم مشتركة، في مواجهة أفخاخ التجزئة والتقسيم والتفتيت، بعناوين متعددة، وهي ظاهرة مشتركة من مغرب عالمنا العربي والإسلامي إلى أقصى مشرقه.