مالك أبو حمدان, Author at 180Post

1234567-1.jpg

ليس هدف هذا السّؤال هو الاستفزاز، أو التّعجب للتّعجّب، أو الاثارة لمجرّد الإثارة. بل هو سؤال جوهريّ في حقيقة الأمور وفي باطنها، مع أنّ عقلنا المعاصر بالذّات، خصوصاً تحت تأثير "عصر الأنوار" (Les Lumières) الأوروبيّ وأبرز شيوخه الكبار: قد يعتبر هذا السّؤال غريباً جدّاً على الأرجح، بل ومستهجناً ومجنوناً ربّما.

106f7679905d206f9da78e112e3e8722.jpg

إذا قُلتَ اليومَ إنّ النّقدَ الذّاتيَّ واجبٌ في هذا التّوقيت بالتّحديد، فأنت مُحقٌّ طبعاً. ولكن، أين يبدأ الخطأ وأين تبدأ الخطورة؟ يبدآن برأيي عند حدود الدّخول المُباشر أو غير المُباشر في عمليّة: الخطاب التّراجعيّ-الانهزاميّ، أي الخطاب الذي يعمل عليه العدوُّ ليلَ نهار مع حلفائه المباشَرين وغير المباشَرين حول العالم وفي المنطقة.

8080988789765755644332342.jpg

لا شكّ عندي في أنّ "عودةَ الخلافة" هي قضيّة رمزيّة، وربّما عمليّة مهمّة بل ومهمّة جدّاً، في ما يعني الوعي، وخصوصاً اللّا-وعي، الفرديَّ والجماعيَّ لدى شريحة كبيرة من المسلمين حول العالم. يعتبرُ جزءٌ كبيرٌ من هؤلاء أنّ مصيبةً كبرى قد حلّت بـ"الأمّة" عند سقوط موقع "الخلافة" مع انهيار السّلطنة العثمانيّة. ولا بُدّ إذن أن "تعود" هذه "الخلافة" بطريقة أو بأخرى. ومن الواضح أنّ الكثيرين يرَون اليوم في الرّئيس التّركيّ، رجب طيّب أردوغان، نوعاً من تجلٍّ "ما" لمشروع عودة "الخليفة المنشود" هذا..

IMG_8814.jpeg

مع تكاثر المصائب وانتشار البلاء، ومع تزايد الظّلم والاثم والعدوان، ومع سيطرة الجَور والفَساد.. ومع سكوت أغلب النّخب في العالم عن القتل والنّهب والاستضعاف والتّلاعب بالوعي الفرديّ والجماعيّ.. ومع اباحة الابادات الجماعيّة وسرقة الأرض من أهلها.. ومع محاولات اذلال الانسان واذلال الحضارات "الأخرى".. ومع استباحة حقوق الشّعوب، واستباحة حقوق بيئتنا الطّبيعيّة وحقوق أمّنا الأرض.. ومع سقوط الكثير من قيم عصر الأنوار الأوروبيّ والحضارة الغربيّة عمليّاً، لا سيّما من الزّاوية الأخلاقيّة؛

de.jpg

فجر أو صباح ٨ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٤: هل سقط "نظام الأسد" حينَها.. أم أنّ "الشّام" هي التي سقطت في حقيقة الأمور ومضمونها؟ هذا ما ستُبيّنه لنا الأيّام، مع رجائي الصّادق بأن يكون ما حصل هو مُجرّد سقوطٍ لنظام ولطبقة حاكِمة.. لا سقوط لشامِ "المَجْدِ لم يَغِبِ" على حدّ تعبير الرّاحل الزّحليّ الكبير الأستاذ سعيد عقل.

Teamwork.png

علينا، بالطّبع، أن نُقارب القضيّة بموضوعيّة صارمة في هذا التّوقيت. فالمعنيّ، في نهاية المطاف، هو شعبنا ومستقبل شعبنا، كما ومستقبل هذا البلد.. بل ومستقبل هذه المنطقة برمّتها، وفي قلبِها قضيّتها المركزيّة بامتياز، ذاتيّاً وموضوعيّاً: أي قضيّة فلسطين وكلّ ما يتعلّق بهذه القضيّة الكُبرى.

friday.jpg

بعد ما رأيناه، طوال أيام هذا الأسبوع، على المستوى الشّعبيّ بالذّات، ضمن بيئة المقاومة اللّبنانيّة، ولا سيما تلك الاندفاعة الإستشهادية للنازحين إلى مدنهم وقراهم وبلداتهم، هل لم يزلْ هناك من يُشكّك، وبأي شكل من الأشكال، بالثقافة المؤطرة والمُحركة لظاهرة "المقاومة" اللبنانية ككلّ؟

slider-2.jpg

لا شكّ في أنّ هناك فئة وازنة من اللّبنانيّين صُدمت وتُصدم، في هذه المرحلة من الحرب الإسرائيلية على لبنان بالذّات، من تلقّي أغلب زوايا خطاب ما نسمّيه عادةً بـ"اليمين المسيحيّ"، ولا سيّما منه خطاب الحزب الذي يُمثّل اليوم باعتقاديّ "دينامو" هذا اليمين الرّاديكاليّ: فكريّاً، واجتماعيّاً، وتنظيميّاً، وسياسيّاً.. ألا وهو حزب "القوّات اللّبنانيّة". أمّا سؤال لماذا نعتمد تسمية "اليمين المسيحيّ"، فنتركه لسياقات أخرى، مع دعوة قارئنا إلى التّركيز على المقاصد والمعاني بَدَلَ التّعلّق بالألفاظ والمباني.

slider-1.jpg

عند كلّ ظهور لمسؤول العلاقات الاعلاميّة في "حزب الله"، الحاج محمّد عفيف، يتفاجأ البعض في الدّاخل اللّبنانيّ من هذا الخطاب ذي المعنويّات العالية والثّبات غير المشروط (أقلّه في ما يظهر لهم).. ويعترض آخرون متهمين الحزب بالمضي في درب المبالغات، ومطالبين المقاومة اللّبنانيّة بالاستسلام سريعاً تحت مسمّيات مختلفة، ومبرّرات متعدّدة.

heads_up_from_greece_with_love___manos_symeonakis.jpg

ليست القضيّةُ متعلّقةً أبداً بمسألة التّضحيات الجسام، النّاتجة عن حروبنا مع العدوّ الإسرائيليّ تحديداً، لا بالأمس ولا اليوم ولا في الغد القريب أو البعيد. أبداً. ولا القضيّة نفسها متعلّقة بسقوط شّهداء وجرحى أو بتهدّم منازل، ولا متعلّقة بالتّهجير ولا بالخسائر المادّيّة الكبيرة جدّاً وما إلى ذلك. ليس جوهر الموضوع هنا أبداً. لا لحُبّي للبلاء، لا سمح لله، ومن ذا الذي يُحبُّ البلاء على أنّه مُجرّد بلاء؟