مالك أبو حمدان, Author at 180Post

1cff0539e227ed4bee4315013713dffe.jpg

أعتقد بصدقٍ أنّ مُكوثي في باريس لسنوات طويلة، بالنّسبة إلى سنّي الحاليّ.. قد أعطاني الكثير الكثير، لا سيّما على المستوى الثّقافيّ والفكريّ. ولا أبالغ بتاتاً إذا ادّعيت أنّ من أحلى وأطيب وأعمق ما وهبني ايّاه هذا المُكوث، هو التّعرّف على العامل المغاربيّ - بمختلف تجلّياته - ضمن ثقافتَنا الاسلاميّة والعربيّة. حقّاً، أدين بالكثير لإخوتي المغاربة، وعلى مستويات متعدّدة، لا أعتقد أنّ أيّ واحدٍ منها هو من النّوع المادّيّ في جوهره، إن صحّ التّعبير.

800-33.jpg

بعيداً عن شغل ومشاغلة "فرقة حسب الله" الاعلاميّة في لبنان وعلى بعض الفضائيات العربيّة؛ وبعيداً عن فلسفة "نحن هزمنا، فلماذا لا نستسلم؟"؛ أو فلسفة "لا بدّ للقاعد أن يُفتيَ للمجاهد!"؛ أو فلسفة "لنسلّم سلاحنا بلا تحرير وبلا ضمانات جدّيّة، لعلّ الغرب الدّاعم لإسرائيل أصلاً يبعث لنا ببعض الدنانير"؛ أو فلسفة "نحن تحت الاستعمار، ومع ذلك فلنبنِ (دولة) ولو كانت بلا سيادة حقيقيّة"؛ أو فلسفة "لماذا لا نطبّق تجربة الرّئيس أبو مازن، على لبنان؟"... بعيداً عن كلّ هذا الضّجيج الذي يُحاول التّشويش على من بقي يطوف من بين الحجيج، فلنتوقّف عند عوامل تجعلنا نعتقد أنّ الحديث عن "هزيمة" في هذه اللّحظة ليس واقعيّاً بالفعل.

IMG_6182.jpeg

ذكرنا في ما سبق أنّه مع الاقتراب من الأمثلة المتعلّقة بمعطيات ومواضيع ذات طابع أو أبعاد دينيّة أو مقدّسة (أو "اسلاميّة" بطبيعة الحال كما نعبّر في العادة).. تزداد أهميّة طرحنا بالنّسبة إلى الجانب الأيديولوجيّ كما رأينا، ولكن أيضاً - وحتّى - بالنّسبة إلى الجانب الأنطولوجيّ (أي الوجوديّ) نفسه وهذا ما يتخطّى الاطار الكانطيّ المعتاد.

800-26.jpg

في ما سبق، انطلقنا سويّاً وباختصار: من زيارة أهمّ أعمدة نظريّة المعرفة الكانطيّة (الثّوريّة الطّابع إذن بالنّسبة إلى سياقها ضمن تاريخ الأفكار الانسانيّة)، قبل الانتقال إلى دراسة التّبعات العميقة الممكنة في اعتقادنا على الاطارَين المعرفيّ والمنهجيّ للدّراسات ذات الطّابع الاسلاميّ وما يُشبهها. أمّا في ما سيلي، فسنرى كيف أنّ النّظريّات والمفاهيم المناقشة في ما سبق.. ليست بعيدةً عن حاجات - بل عن ضرورات - الواقع البحثيّ العمليّ والملموس.. وربّما أبعد من ذلك.

750-10.jpg

أشرت مراراً إلى أنّ مشروع "بناء الدّولة"، أي دولة المواطَنة العصريّة وذات السّيادة، بات أمراً ضروريّاً في هذا الزّمان، خصوصاً بعد تمدّد وتمكّن - وربّما تجذّر - بعض المفاهيم اللّيبراليّة المعاصرة الكبرى، وعلى رأسها "الشّعور الفرديّ" كما فصّلنا الشّرح وبرّرنا التّسمية في ما سبق. ولكن، وخصوصاً في لبنان وفي مشرقنا العربيّ حاليّاً، نحن أمام خطر استخدام القوى الاستعماريّة الكبرى - المتجدِّدة - لهذا المفهوم، أي "بناء الدّولة" (مع التّبسيط)، كما جرت العادة منذ بداية العصور الأوروبيّة الحديثة تقريباً.. استخدامه، إذن، لمجرّد تحقيق المصالح والأهداف الاستغلاليّة والاحتلاليّة والاستعماريّة.

750-3.jpg

تحدّثنا مراراً عن أنّ القناعة القائلة بأنّنا، في لبنان بل وفي بلاد الشّام ككلّ، "شعب واحد"، هي المرجّحة أو الصّحيحة. وقد استندنا بشكل خاصّ، ومن منطلق علميّ قدر الإمكان، إلى نظريّة وبناء المفكّر الكبير، أنطون سعادة. كُنتَ قوميّاً اجتماعيّاً في عقيدتك الاجتماعيّة-السّياسيّة، أو لم تَكن كذلك، فالحقيقة هي أنّها نظرية قويّةٌ جدّاً ومتماسكةٌ جدّاً وواقعيّةٌ جدّاً، وبمعزل عن نطاقها الجغرافيّ التّفصيليّ، علينا الإقرار بأنّ عدداً من الأحداث والمعطيات التي حصلت وتحصل، خصوصاً منذ سقوط بغداد عام 2003.. تُشكّل تحدّياً خطيراً مُعيّناً لبعض قناعاتنا العلميّة و"الهويّاتيّة" هذه.

750-17.jpg

تحدّثنا في ما سبق من قول ومن مقال حول اشكاليّة الأولويّة: ما بين العمل على "بناء الدّولة" أو "بناء دولة المواطنة العصريّة" باختصار من جهة؛ والعمل على "التّحرّر الوطنيّ"، لا سيّما من قيد الاستعمار القديم والمتجدّد، من جهة ثانية. وقد رأينا أنّ القضيّة لم تزل اشكاليّة، وعالقة عموماً على المستويَين المفاهيميّ والتّطبيقيّ، مع تفضيلنا حتّى الآن لنموذج تطبيقيّ من النّوع الهَجين إن صحّ التّعبير. ولكنّ الأزمات الحاصلة والمتصاعدة في الإقليم، بما فيها الأزمة حول "السّلاح المقاوِم" في لبنان، تُعيد طرح الاشكاليّة مجدّداً، لا سيّما من زاوية ضعف الطّروحات القائلة "ببناء الدّولة"، من دون أخذٍ جدّيّ بالحسبان.. لفكرة أنّنا بلادٌ لم تزلْ مُستعمرة، ولو بأشكال متغيّرة ومتطوّرة – ومموّهة ربّما - مع الزّمن.

800-30.jpg

مُخالفة أو دَحض أو نَقض، أو حتّى مُجرّد نَقد.. إيمانويل كانط، لا سيّما من زاوية نظريّته الثّوريّة للمعرفة: هل هي مُمكنة لأناس مثلنا؟ علينا أن نعترف، بكلّ تواضع وبكلّ واقعيّة، بأنّنا هنا أمام "نظريّة كانطيّة للمعرفة" تُمثّل صرحاً فكريّاً انسانيّاً عالميّاً وبكلّ ما لهذه الكلمات من معانٍ خطيرة مُمكنة، وتُمثّل مُفترق طُرُقٍ خطير أيضاً في تاريخ الفكر الإنسانيّ ككلّ، وتُمثّل تحدّياً عميقاً للذّهن الانسانيّ وربّما للعقل الانسانيّ ككلّ أيضاً.. عدا عن كونها تُشكّل قفزة كُبرى بالنّسبة إلى عقلنا العلميّ/التّجريبيّ كبشر (وليس فقط الفلسفيّ البحت إن جاز التّعبير).

mouharer.jpg

شاءت الأقدار أن تأتي ذكرى تغييب الإمام السّيّد موسى الصّدر وأخَويه هذه السّنة.. فيصبح معها سؤال "الدّخول إلى الدّولة" الذي طرحناه قبل عام: أقرب ربّما، وللأسف، إلى سؤال كيفيّة إدارة نوع من "الخروج الاضطّراريّ من هذه الدّولة" نفسها، خصوصاً بعد الذي حصل هذا الأسبوع من قبل أغلب أركان السّلطة التّنفيذيّة في البلد، ويبدو أنّه مقصودٌ إلى حدّ كبير، ومُدبّرٌ من قبل بعض الأطراف المحلّيّة والاقليميّة وربّما الدّوليّة، بما فيها جانب من العقل الاسرائيليّ نفسه.

750.png

أعلم أنّ الكثيرين من محبّي وعاشقي "زياد" سيعتبرون أنّ الاكثار من المقولات والتّحليلات الفكريّة، وأنّ الاكثار من الفلسفة والتّفلسف – إن جازت هذه التّعابير كلّها - في ما يخصّ هذا الرّمز الفنّيّ والاجتماعيّ - اللّبنانيّ والمشرقيّ - الكبير... ليسا مناسبَين ربّما لما يُفضّله ويُحبّه الرّجل نفسه من جهة، وليسا مناسبَين في ما يعني المزاج اللّبنانيّ الشّبابيّ العامّ من جهة ثانية.