نهج بايدن في الشرق الأوسط “ترامبي” بامتياز

يستضيف وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين اليوم (الأربعاء) نظيريه الإسرائيلي والإماراتي في واشنطن. وتأتي هذه الاجتماعات غداة الذكرى الأولى لـ"إتفاقات إبراهام" التاريخية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل من جهة وكل من الإمارات والبحرين من جهة أخرى، لحقتهما- على مضض- كل من المغرب والسودان. كان ذلك قبل أن يغادر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منصبه. ويبدو أن خليفته جو بايدن "حريص على الاستفادة من هذه الصفقات والبناء عليها كنهج يتبعه في رسم سياساته في .الشرق الأوسط"، كما يحلل مراسل "الواشنطن بوست" للشؤون الخارجية إيشان ثارور في هذا التقرير

لا تزال “إتفاقات أبراهام” إحدى الموروثات الرئيسية لسياسة ترامب الخارجية، ويبدو أنها تمهد لتحول نموذجي في الشرق الأوسط. فالحكومات العربية- باستثناء مصر والأردن، اللتين وقعتا إتفاقيات تطبيع ومعاهدات سلام مع إسرائيل قبل عقود – ظلَّت، ولسنوات طويلة، تربط موافقتها بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بشرط تحقيق اتفاق سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن في آب/ أغسطس 2020، اختار لاعب عربي رئيسي- هو الإمارات العربية المتحدة- أن يتجاهل المخاوف الفلسطينية لصالح الوعود التي حصل عليها بتوسيع علاقاته التجارية مع إسرائيل، وتعزيز التعاون الأمني ​​المُحتمل ضد إيران، والحصول على حوافز سياسية جديدة من إدارة ترامب “المُتحمسة”.

وسُرعان ما جاءت التنازلات: فقد أمّن الإماراتيون صفقة أسلحة أميركية ضخمة. والمغاربة أقنعوا ترامب بالتخلي عن عقود من السياسة الأميركية الحزبية والاعتراف بأن الصحراء الغربية من حق المغرب؛ ونجح السودان في شطب نفسه من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب.

استثمار “الصفقات”

رغم كل اعتراضاتهم العديدة على أجندة ترامب الأوسع نطاقاً، يبدو أن المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حريصون، إلى حد ما، على الإستفادة من “اتفاقات أبراهام” والبناء عليها. فقبل عام من الآن، وتحديداً خلال حملته الانتخابية، كان بايدن يشيد بـ”صفقات التطبيع”؛ حتى عندما كان يهاجم ترامب في جبهات عديدة أخرى. في ذلك الوقت، بدا أن احتمال التطبيع مع الإمارات والبحرين قد أقنع رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو بتعليق خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية بشكل رسمي.

وفي آب /أغسطس 2020 كتب بايدن معلقاً: “من خلال السعي إلى تحقيق المزيد من التواصل والتكامل في المنطقة، حدَّدت الإمارات وإسرائيل طريقاً نحو شرق أوسط أكثر سلاماً واستقراراً. وستسعى إدارة بايدن- هاريس للبناء على هذا التقدم، وسنشجع باقي دول المنطقة لمواكبتنا في هذا الطريق”.

تشير مُعززات “الصفقة” إلى تحقيق مكاسب فورية ملموسة. فقد أدى التطبيع بين الإمارات وإسرائيل بالفعل- حتى الآن- إلى ما لا يقل عن 675 مليون دولار من التجارة الثُنائية، وفُتحت الأجواء أمام الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، وبدأ السُياح بالتدفق في الاتجاهين، وتوسعت الاتصالات بين الناس.

في مقال افتتاحي مشترك نُشر في صحيفة “الفاينانشيال تايمز”، في أيلول/ سبتمبر، احتفل وزيرا خارجية كل من الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان وإسرائيل يئير لبيد – اللذان يستضيفهما بلينكين اليوم (الأربعاء)- بما أسمياه “التحول الجيلي” المتصور الجاري.

وكتبا يقولان: “باعتبارنا دولتين من أكثر الدول ديناميكية وتقدماً في العالم، يمكن للإمارات وإسرائيل معاً المساعدة في زيادة الفرص الاقتصادية من خلال الدفع باتجاه تكامل إقليمي أعمق”.

إدارة بايدن حريصة على الإستفادة من “اتفاقات أبراهام” والبناء عليها

يمتد هذا الملعب الاقتصادي، من حيث المبدأ، إلى الفلسطينيين، مع أن شيئاً لم يتغير بخصوص الديناميكية القاتمة المتمثلة بسيطرة الاحتلال العسكري الإسرائيلي على ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبالحصار العسكري الخانق الذي يقيد حياة ما يقرب من مليوني فلسطيني في قطاع غزة. فعندما اندلعت المواجهات الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين (في وقت سابق من هذا العام)، لم يصدر أي رد فعل من قبل الدول العربية “المُطَبّعة” حديثاً لتغيير، أو أقله للتأثير في حسابات العمليات العسكرية الإسرائيلية، والدفاع عن الفلسطينيين الذين يواجهون الطرد من منازلهم في القدس الشرقية، ولا حتى المبادرة إلى إطلاق أي عملية سياسية ذات مغزى.

وأشار تقرير صادر عن منتدى السياسة الإسرائيلية إلى أن “سجل تطبيع العلاقات قبل إقامة علاقات مع إسرائيل وبعدها لم يؤد إلا إلى تغيير الانطباع بأن الدول المُطبعة غير مهتمة بتولي حقيبة أوسع عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية والصراع اللسطيني الإسرائيلي”. وحث المنتدى إدارة بايدن على “تحفيز مشاركة أكبر” في الشؤون الفلسطينية “من جانب المطبيعين”.

إستنساخ الراهن

لكن، قد يكون هذا طلباً صعب التحقيق من قبل إدارة أميركية حريصة على عدم زعزعة الوضع في المنطقة. فبايدن يجد في الحكومة الإسرائيلية الحالية مجموعة من القادة الذين هم أقل إثارة للغضب من بنيامين نتنياهو وقت كان بايدن نائباً للرئيس. هناك بعض التحولات الملحوظة في الأسلوب والنبرة عن ما كانت عليه في سنوات عهد ترامب. فقد استأنفت الولايات المتحدة في عهد بايدن تحويل المساعدات المخصصة للفلسطينيين، والتي كان ترامب قد قطعها عنهم؛ كذلك أقنعت إسرائيل بضرورة إصلاح العلاقات مع الأردن، المحاور العربي الرئيسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

علاوة على ذلك، وبرغم كل ما سبق، فإن مسؤولي إدارة بايدن “ملتزمون بأن لا يفعلوا الكثير، وهم يستنسخون إستراتيجية الأمر الراهن.. إن اتفاقات أبراهام بالنسبة لإدارة ترامب هي بمثابة وسيلة لإثبات أن القضية الفلسطينية لم تعد ملحوظة ولا أساسية في العالم العربي”، كما قال خالد الجندي، من معهد الشرق الأوسط، لـ”توداي وارد فيو” Today’s WorldView.

إقرأ على موقع 180  حل الصراعات عبر تشارك السلطة.. سوريا نموذجاً

“تقليص” الصراع!

قد لا تضغط إدارة بايدن بشدة لتوسيع “اتفاقات أبراهام” لتشمل دول عربية جديدة – بما في ذلك ما تعتبره إسرائيل “الجائزة الكبرى” -المملكة العربية السعودية- ولكن إدارة بايدن أيضاً تدعم ضمنياً “تقليص” الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو مفهوم جديد روَّج له كلٌ من رئيس وزراء إسرائيل الحالي نفتالي بينيت ووزير خارجيته (لبيد). فبدلاً من سياسة “تصفية الحساب” مع المطالب السياسية الفلسطينية، يمكن لإسرائيل وحلفائها محاولة تعزيز الحياة الاقتصادية للفلسطينيين على أمل أن أن يساهم ذلك في تخفيف التوترات.

وفي انتقاد لهذا “الشعار/ المفهوم” الجديد، كتب باتريك كينجسلي، من صحيفة “نيويورك تايمز”، يقول: “إن الشعار الجديد هو مجرد إعادة تسمية للمقاربة التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين منذ عقود من الزمن. إنهم يصورون ما يحاولون الترويج له وكأنه إستراتيجية علاقات عامَّة؛ ذكية؛ الهدف منها حجب عهد طويل من النوايا السيئة من قبل القادة الإسرائيليين المتعاقبين، بما في ذلك بينيت، والتي تشمل من ضمن ما تشمل توسيع المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة، وترسيخ وجود إسرائيل هناك، وتجعل من الصعب عكس مسار الاحتلال”.

سيوافق بايدن على هذا جزئياً، لأنه يقبل “حُجة بينيت بأن الحكومة الائتلافية الإسرائيلية اليمينية واليسارية لا يمكنها الصمود في عملية السلام التي تتطلب إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة”، كتب الدبلوماسي الأميركي المخضرم مارتن إنديك في مقال جديد للشؤون الخارجية.

كل القمم الحماسية التي عُقدت وقد تُعقد في واشنطن أو تل أبيب أو أبو ظبي، لا يمكن أن تحجب الواقع الأساسي غير المتوافق. كتب جيريمي برسمان، مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة كونيتيكت: “قد لا يكون للقضية الفلسطينية الوزن ذاته في المنطقة الذي كان عليه من قبل، لكنها لم تحل”. على الرغم من التقدم الذي أحرزته إسرائيل في بناء علاقات مع بعض الدول العربية، إلا أن الاحتلال يظل قضية قوية ومصدراً لعدم الاستقرار. وبالتالي، إن تجاوزها من خلال الدبلوماسية الإقليمية لن يجعلها تختفي”.

نقلاً عن “الواشنطن بوست”

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  "من شارع الهرم إلى.." تبرئة الخليج العربي!