ما نشهده في العديد من المناسبات هو تأجيل الدفن لأكثر من يوم في احيان كثيرة، ويعود سبب ذلك لدى اغلب اسر المتوفين إلى انتظار وصول الابناء او الاخوة من مغترباتهم القريبة أو البعيدة لالقاء نظرة الوداع على الام او الاب او الاخ او الاخت، وفي ذلك مؤشر دامغ على مدى اتساع ظاهرة هجرة اللبنانيين في هذه الظروف الصعبة. فبلدنا، اي لبنان، الذي لطالما تغنينا به وبالعيش فيه “ونيال من له مرقد عنزه فيه” كاد يصبح موطناً لمن لم تتسن لهم فرصة للهجرة او لمن تقدم بهم العمر ولا قدرة لهم على التأقلم في بلد اخر.
وبذلك اصبح الاهل وتحديدا الام والاب في اغلب الاسر يعيشون الانتظار في الحياة كما في الممات: ففي الحياة، ينتظرون على امل قدوم الابناء في الاعياد او خلال فصل الصيف، كما ينتظرون ما يرسله لهم الابناء كمساعدة تعينهم على العيش بكرامة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد ولا سيما في ظل تدهور قيمة العملة المحلية والرواتب وحجز المدخرات في المصارف.
أما في الممات، فيؤجل الاخوة والاخوات او الاقارب مراسم الدفن بانتظار وصول من هاجر من الابناء لوداع اهلهم الذين ملوا وسئموا الانتظار والوحدة بعدما كانوا يمنون النفس بـ”الختيرة” بين الابناء والاحفاد، فاذا بالابناء يهاجرون ويربى الاحفاد بعيدا عن عيون “تاتا” و”جدو”.
إنها مأساة وطن تتكرر من جيل لاخر ولا يبدو في الافق القريب اي بادرة امل لايقاف هذا النزيف والتخفيف من عذابات الاهل وانتظاراتهم.