فلتمان: لبنان الجنة المفقودة والبلد المحكوم بالفشل

تحفظ ذاكرة اللبنانيين جيداً إسم جيفري فلتمان. سفير الولايات المتحدة الأسبق في بيروت. الدبلوماسي الأميركي الذي خدم في مناصب عدة في الولايات المتحدة وأخيراً في الأمم المتحدة. في مقالة له، نشرها في موقع معهد "بروكنغز" الأميركي، يجري فلتمان مقارنة بين لحظتي 14 شباط/فبراير 2005 و4 آب/أغسطس 2020، وما بينهما، للإستنتاج بأن لبنان أصبح محكوماً بالفشل. يتضمن المقال عبارات محرضة ضد حزب الله، تنسجم وخطاب "الشيطنة" الأميركي المألوف. ماذا تضمن المقال؟

“لطالما عمل اللبنانيون والأجانب على حد سواء لتعزيز صوًرة ما يُفترض أن يمثله لبنان. لكن الانفجارات المأساوية في بيروت في 4 آب/أغسطس أظهرت مرة أخرى الفارق بين الواقع وبين الحقيقة.

هناك نكتة شائعة في لبنان تعتبر أن الله جعل من هذا البلد جنة لما فيه من جبال جميلة، وشواطئ خلابة، وموارد مياه عذبة، وتربة خصبة وسهول مثمرة، وشعب مبدع وجذاب. لكن بعد ذلك أدرك الله أن الجنة شأن من شؤون الآخرة فخلق جيران لبنان. وبالفعل، فإن تاريخ لبنان، الذي يقترب من الذكرى المئوية الأولى له في 1 أيلول/سبتمبر المقبل، هو قصة علاقات متضاربة مع جيرانه.

لقد تحطمت اسطورة لبنان باعتباره جنة قبل انفجارات المرفأ المُدمرة المذهلة التي وقعت هذا الأسبوع. كانت مقاطع الفيديو والشهادات المبثوثة من بيروت مروعة ومفجعة في أنٍ. المعلومات الأولية عما حصل تُشير إلى أن اللبنانيين مذنبون على الأرجح، وليس السوريين ولا الإسرائيليين. ما حصل هو مثال آخر عن الإهمال غير المسؤول أو حتى الإجرامي من جانب المسؤولين اللبنانيين. وكأن اللبنانيين بحاجة إلى مزيد من الأدلة على الأداء المتدني جداً لحكوماتهم المتعاقبة.

ومع ذلك، لا يتطلب الأمر وجود مُنظِّر مُبدع لابتكار تفسير منطقي يورط خصوم لبنان الدائمين: حزب الله وإسرائيل. من دون شك، يلعب حزب الله دورًا مُهيمنًا ولكنه خفي في مرفأ بيروت (وكذلك بالمطار الدولي). لقد ركزت إسرائيل على وقف تهريب أسلحة حزب الله عبر الحدود السورية ـ اللبنانية. ونجحت في الحيلولة دون نقل الأسلحة إلى حزب الله، والتي يدعي أنها تحمي لبنان، في حين أنها تعرضه فعلياً إلى خطر الحرب.

ربما يعتمد حزب الله بشكل متزايد على استيراد الأسلحة وتخزينها عبر مرفأ بيروت. وإذا كان المرفأ يحتوي على مستودعات أسلحة لحزب الله فهذا يجعل منه هدفاً لا يقاوم للتخريب الإسرائيلي، ما أدى إلى اشتعال حريق قتل العشرات وجرح الآلاف.

ويرتبط اهتمام حزب الله بالميناء في المقام الأول بشبكته الاقتصادية بما في ذلك المخدرات، أكثر من تهريب أسلحته. إن مخالب حزب الله الاقتصادية تمتد على نطاق واسع لتصل إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية، وتشمل: تهريب السيارات المستعملة، وشبكات الاتصالات والإنترنت المستقلة، وما إلى ذلك. ومن خلال السيطرة الفعالة على مرفأ لبنان، يخفي حزب الله أنشطته ويتجنب دفع الجمارك والضرائب.  ومثل هكذا سلوك يشبه عمل المافيا ما يجعله أقل أهمية لإسرائيل التي حاصرت موانئ لبنان لكنها لم تدمرها حتى كان العام الحالي. ربما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين) نتنياهو إلى حرف الأنظار عن الاحتجاجات السياسية (ضده) في القدس، لكن المرجح أن إسرائيل لا تسعى إلى شن حرب ضد حزب الله، خصوصاً لجهة استهداف شبكاته الاقتصادية القائمة بالمرفأ. ولا يمكن التحقق من النفي الإسرائيلي السريع للتورط في ما حصل قبل أيام، لكنه يبدو ذا مصداقية.

دمّرت الشاحنة المفخخة الهائلة التي قتلت رفيق الحريري جزءًا أصغر من بيروت مقارنة بتفجيرات المرفأ هذا الأسبوع. لكنها تسببت في زلزال سياسي غيّر تاريخ لبنان، وذلك مع الرحيل القسري ـ بعد شهرين من عملية الاغتيال ـ للقوات السورية وعملائها الاستخباراتيين الذين احتلوا لبنان لسنوات

وتفترض نظريات أخرى أن حزب الله افتعل تفجيرات المرفأ استباقاً لإعلان حكم المحكمة الدولية الخاصة في قضية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري متضمناً لائحة اتهام ضد أربعة من عناصر الحزب. في المقابل، فان إستخفاف حزب الله بسلامة اللبنانيين موثق جيدًا، كما حصل خلال حرب العام 2006 مع إسرائيل والتي افتعلها من طرف واحد، والوفيات التي حصلت آنذاك لا يمكن إلصاقها بإسرائيل بسهولة.

والنظرية الأكثر انتشاراً هي أن حريقاً في مستودع أو ورشة بالمرفأ تسببت في الانفجار الأولي، ثم أدت ألسنة اللهب والحرارة الناتجة إلى اشتعال مخازن نترات الأمونيوم االتي تُستخدم في الأسمدة (والمتفجرات) التي تم تخزينها في المرفأ. لقد تسبب انفجار نترات الأمونيوم المزعوم في تدمير مبانٍ ومرافق كانت نجت من الحرب الأهلية في لبنان وحرب العام 2006 مع إسرائيل، ولإرسال آلاف المصابين بجروح شظايا الزجاج المتطاير الى المستشفيات.  لقد قال رئيس الحكومة حسن دياب إن حوالي 2700 طن من نترات الأمونيوم، تمت مصادرتها من سفينة قبل سنوات، كانت في المرفأ. هذا بالمقارنة مع طنين من نترات الأمونيوم التي دمرت مبنى ألفريد إي موراي الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي في عام 1995.

نظرية اشتعال حريق المستودعات ليست مثيرة كتلك المتعلقة بحزب الله وإسرائيل، لكنها معقولة، وهي تتسق مع الإحساس العام بأن لبنان يعاني من تعفن عميق وفساد واسع الانتشار. وإذا ثبتت صحة هذه النظرية، فإن الحكومات اللبنانية المتعاقبة – سواء كانت موالية للغرب، أو (كما هو الحال الآن) موالية لدمشق، أو مزيجاً مشوشًا من الإثنين – مذنبة على الأقل بالإهمال الجنائي. لقد اتخذ شخص ما قراراً بوضع نترات الأمونيوم بجوار إهراءات تخزين الحبوب في لبنان، وكان البعض الآخر بالتأكيد على علم بذلك، أو كان ينبغي، أن يكون على علم بنوع وحجم المخاطر. الآن، وفي ظل أزمة مالية يتردد أن احتياطيات الحبوب في لبنان التي تم شراؤها من احتياطيات العملات الأجنبية المتضائلة كلها ملوثة بالانفجارات، بالاضافة إلى تلف صوامع تخزين الحبوب التي ما عادت صالحة للإستخدام.

إقرأ على موقع 180  لماذا التحقيق مع خلية قصر الأليزيه الديبلوماسية؟

عندما يتم دفن القتلى ومعالجة الجرحى، فمن المؤكد أن انفجارات المرفأ ستزيد من سخرية اللبنانيين ويأسهم من حكومتهم ونظامهم السياسي. ستبدأ الحكومة المسؤولة تحقيقاً وتطالب بالمساءلة. سيتغلب الناس على الانقسامات السياسية ويتضامنون لكشف الحقيقة. إن التحقيق المشروع سوف يسلط الضوء بالضرورة على الكيفية التي ميًز بها حزب الله نفسه في المرفأ، وكيف أن الآخرين المتورطين قد تهربوا من التدقيق العام لفترة طويلة، مع عواقب قاتلة.

هذه المأساة. وهذه الجريمة، حدثت في لبنان الجنة المفقودة. ونظراً إلى المصالح القوية في إبقاء عمليات المرفأ في الظل وتجنب المساءلة العامة، فمن غير المحتمل أن تكون الحكومة اللبنانية الحالية – التي تعتمد على حزب الله وحلفائه بدعمها برلمانياً – أو أي حكومة لبنانية أخرى تملك الشجاعة بما يكفي لتتولى المحاسبة الصريحة فيما يخص العشرات من العائلات التي تعيش حالة من الحداد. كما أنه من غير المحتمل أن تلجأ هذه الحكومة التي تعتمد على حزب الله إلى الخارج لإجراء تحقيق شامل، كما حدث في عام 2005 عندما قبل اللبنانيون سلسلة من تحقيقات الأمم المتحدة في اغتيال الحريري، وهي تحقيقات تحولت في النهاية إلى المحكمة الخاصة بلبنان. (في ذلك الوقت، كان الخوف من ترهيب المحققين والمسؤولين القضائيين اللبنانيين وحتى تصفيتهم، إذا كشفوا الحقيقة). بدلاً من ذلك، من المتوقع، وعلى نحو محزن، أن تقوم الشخصيات السياسية بإلقاء اللوم على بعضها البعض، وهم سيستخدمون هذه المأساة من أجل تسجيل نقاط سياسية. ومع وجود الكثير من الأدلة على الشلل الحكومي والضعف وحتى الفساد، فمن الصعب أن نتخيل أنه حتى حسن النية من قبل السلطات اللبنانية سيعتبر موثوقًا به من قبل المواطنين المحاصرين.

دمّرت الشاحنة المفخخة الهائلة التي قتلت رفيق الحريري جزءًا أصغر من بيروت مقارنة بتفجيرات المرفأ هذا الأسبوع. لكنها تسببت في زلزال سياسي غيّر تاريخ لبنان، وذلك مع الرحيل القسري ـ بعد شهرين من عملية الاغتيال ـ للقوات السورية وعملائها الاستخباراتيين الذين احتلوا لبنان لسنوات. (لسوء الحظ، يظهر ميل الحكومة الحالية المؤيد لدمشق أن اللبنانيين نسيوا إغلاق الباب فور مغادرة السوريين).

يأمل المرء أن تثير صدمة انفجارات ميناء بيروت في 4 آب/أغسطس زلزالًا سياسيًا جديدًا في لبنان لا يمنح السلطات اللبنانية أي مخرج سوى إجراء تحقيق موثوق ـ أو كما في العام 2005 ـ يجبرها على تسليم مهمة التحقيق لغير لبنانيين يمكن الوثوق بهم. إنه زلزال سياسي أجبر القادة اللبنانيين وأمراء الحرب أخيراً على تنظيف الحكم والفوضى المالية التي أحدثوها. لكن هل سيكون رد فعل اللبنانيين جماعياً كما فعلوا عام 2005؟

لقد عانى اللبنانيون بالفعل من ذروة الانهيار المالي لبلدهم، وانخفاض قيمة العملة بحكم الواقع، وفيروس كورونا، وارتفاع معدلات الفقر، وانعدام الأمن الغذائي. وأكثر من ذلك، فانه لا يمكن للمرء أن يلوم اللبنانيين إذا سارعوا، بدلاً من التعبئة من أجل المساءلة والتغيير السياسي، إلى إيجاد مخرج ما لبلدهم الذي كان جميلاً والذي على ما يبدو بات محكوماً بالفشل”.

 النص الأصلي: https://brook.gs/2DFboyR

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  آسيا تايمز: هل تكون إيران بديل روسيا الغازي؟