ماكرون يحيّد سلاح حزب الله.. الإصلاح أولاً
A journalist takes a selfie with French President Emmanuel Macron after a news conference at the Pine Residence, the official residence of the French ambassador to Lebanon, in Beirut on September 1, 2020. (Photo by GONZALO FUENTES / POOL / AFP) (Photo by GONZALO FUENTES/POOL/AFP via Getty Images)

ركز بعض الخطاب السياسي اللبناني بعد السابع عشر من تشرين الأول/اكتوبر على أن سلاح حزب الله يحمي الفساد، مثلما ردد البعض الآخر أن لا إصلاحات من دون حل مشكلة السلاح. جاء رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون إلى بيروت للقول دعوا السلاح جانبا. هذا عنوان خلافي، لكن طالما تجمعون على الإصلاح، فلتكن الأولوية للإصلاح.  

بعد زيارتيه الى بيروت، أعرب ايمانويل ماكرون عن قناعته بأن لا حلول ممكنة في الوقت الحالي في لبنان من دون التعاون مع حزب الله. سبقه الى ذلك سفيره في لبنان الذي كثّف الاتصالات مع الحزب بين الزيارتين مثلما ظل الفريق المرافق لماكرون على تواصل دائم مع قيادة حزب الله. هذه القناعة الفرنسية تقف بين سؤالين مفصليين، هل ان هذا التعاون قابل للاستمرار والتطوير بحيث يكون ممثل حزب الله من بين المدعوين إلى فرنسا للمشاركة في المؤتمر الوطني العام مطلع العام الجديد؟ أم ان سيد الاليزه لا يختلف أبدا عن واشنطن وتل أبيب وعواصم عربية في سياق البحث عما يزيد تطويق الحزب ويضعفه؟

في الكلام التكتيكي، أوضح ماكرون لماذا يتعاون مع حزب الله بعبارات كرّرها مرات عديدة لمن لا يريد ان يسمع:”انتم انتخبتموه، هو في السلطة منذ 15 عاما، انا لا اشاركه أفكاره، ولكن لا بد من الحوار معه لإيجاد حل، استطيع ان ادينه ثم اغادر دون ان افعل شيئاً.. الخ”، اما في الكلام الاستراتيجي والذي قال بعضه في مؤتمر شبيبة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط في لوغانو قبل أيام، فهو أوضح بلا أي مواربة ان الهدف هو قطع العلاقة بين لبنان والتوترات الإقليمية والقوى الإقليمية وفي مقدمها ايران.

الفكرة الماكرونية الحالية، تشبه تلك التي اعتمدتها أوروبا مع إيران قبيل وبعد الوصول الى الاتفاق النووي، والتي استمرت بها حتى بعد انسحاب اميركا من الاتفاق. هذه الفكرة قوامها أن الحوار مع الخصم يضمن تهدئته أكثر من حشره في الزاوية، ويمنع تطرفه وقيامه بما قد يؤثر سلباً على كل المنطقة.

هنا يختلف ماكرون بالتكتيك وليس بالاستراتيجيا مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اعتمد سياسة أقصى العقوبات والتطويق، اعتقادا منه بان ذلك فقط يشل قدرات الحزب ويطوق ايران ويحمي إسرائيل والمصالح الأطلسية.

هذا أولاً، ثم ان ماكرون وبعد زياراته الى لبنان وتعمّقه في قراءة الملف المعقد لبلد الأرز، فهم ان للحزب تأثيرا على كل مفاصل الدولة وملفاتها، فكيف تستعيد فرنسا دورها، وتعمل على مواجهة تركيا، وتضمن انابيب النفط، وتمنع تدفق المهاجرين والإرهابيين الى أراضيها، اذا كانت على خصومة مع حزب الله في حركتها الشرق أوسطية؟

لكن هناك وجهة نظر أخرى، تذهب ابعد من ذلك وتقول، ان فرنسا تنسق مع إيران تنسيقا دقيقا، وانه بغض النظر عن التصريحات التي قالها ماكرون سواء في بيروت أو بغداد، فان ترامب، بحاجة الى الدور الفرنسي المؤقت، بغية تحييد إيران والحزب عن إمكانية التأثير سلبا على معركته الانتخابية

يبدو ماكرون ومعه طبقة سياسية لا بأس بها في فرنسا مقتنعين بان ثمة فرصة تاريخية لا بد من انتهازها، تتمثل بالانسحاب الأميركي من العراق، وبالهجمة التركية والتمدد الروسي، ويعتقدون بأنه حين يتعزز هذا الدور الفرنسي المدعوم أوروبيا، ويتم ادخال الإصلاحات الضرورية على النظام اللبناني، ويُبعد التأثير السياسي المباشر عن القرارات الحكومية، يُمكن تخفيف تأثير الحزب، ثم يصار لاحقا الى الدفع باتجاه استراتيجية دفاعية تنشر الجيش اللبناني وحده على كل الأراضي اللبنانية، وقد يصار الى تجديد نوع من الاتفاق مع إسرائيل لضمان الحدود، ثم ان نهضة لبنان تجنّبه الغرق مجددا بالحاجة الى التعاون مع سوريا.

لكن هناك وجهة نظر أخرى، تذهب ابعد من ذلك وتقول، ان فرنسا تنسق مع إيران تنسيقا دقيقا، وانه بغض النظر عن التصريحات التي قالها ماكرون سواء في بيروت أو بغداد، فان ترامب، بحاجة الى الدور الفرنسي المؤقت، بغية تحييد إيران والحزب عن إمكانية التأثير سلبا على معركته الانتخابية، او اقناع ايران بالتفاوض على حزمة كاملة.

يجري تسريب معلومات (غير موثوقة حتى الآن) عن تطور في العلاقات الإيرانية ـ الأميركية وعن تطور آخر يبقى بعيدا عن الأضواء على خط واشنطن دمشق مرورا بالرياض. القلق الأميركي يكمن في احتمال اقدام طهران على نسج خيوط مع المنافس الديموقراطي جو بايدن، والقيام بعمل أمني في أواخر الأيام الانتخابية انتقاما للجنرال قاسم سليماني بغية ضرب فرص ترامب بالفوز، تماما كما ان ثمة أمل عند ترامب بإقناع طهران بصفقة كبرى قبل الانتخابات لكن ذلك يصطدم حتى الآن بضغوط لوبيات إسرائيلية وعربية تدعم الرئيس الأميركي.

في جميع الأحوال، يبدو ان ماكرون اقتنع أولا بان لا مجال لنجاح مبادرته في لبنان بلا تعاون مع حزب الله، واقتنع ثانيا بان حركة المجتمع المدني في لبنان تشبه “السترات الصفر” في فرنسا وهي لا تؤثر بالقرار اذا بقيت على تشتتها وبلا قيادة، واقتنع ثالثا بان الطبقة السياسية اللبنانية المهترئة بحاجة له بقدر ما انه بحاجة للعمل معها حتى تحقيق الإصلاحات المطلوبة.

إقرأ على موقع 180  هكذا تبدّد 73 مليار دولار من الودائع في لبنان!

                  

Print Friendly, PDF & Email
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  أفلست مصارف لبنان.. ليُحبَس ذوو الكروش الدسمة!