كورونا ويوم المرأة.. العالم سجن عائلي!

تقول أسطورة من الأساطير أن "كسرى الثاني" ولكي يصرف قلب الشاب "فرهاد" عن حبّ زوجته الحسناء الملكة "شيرين"، كلّفه بحفر جبل، وعندما كاد ينجز مهمته أوحى له بموتها، فإمتطى المعمار "فرهاد" جواده في منحدر وسقط صريعاً، لينمو زهر التوليب الأحمر في الأرض التي إرتوت بدمه.

في أذار/ مارس من العام 1989، كنت في موسكو، في زمن الأسئلة الصعبة حول مصير الشيوعية ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية. كان العالم يتغير بسرعة. جاءت البيريسترويكا الغورباتشوفية ومعها مصطلحات العلانية والشفافية. كانت العاصمة الروسية تتهيأ للاحتفال بعيد المرأة العالمي. كنت احب تلك الوردة الأنيقة ذات العنق الطويل. التوليب بأنواعها وألوانها المختلفة، الحمراء والزهرية والصفراء والبيضاء والبنفسجية أو المزركشة بأكثر من لون. كانت منتشرة بكثرة عند باعة الأرصفة في الساحة الحمراء المغمورة بالثلج الأبيض. انه عيد الجميع هنا، وليس مجرد احتفال نسائي. انه اشبه باحتفال عيد الميلاد. الكل منهمك بحجوزات المطاعم. أنخاب الفودكا لا تهدأ وما أن تفرغ حتى تمتلىء من جديد. انه يوم يبشر بربيع آت. احتفال يقترن بقبلة وهدية عنوان محبة واحترام وتقدير للنساء عموماً ولا سيما أولئك العاملات اللواتي يضفن على الحياة نكهة حب وصرخة مساواة.

لم أكن من المعجبات بهذا العيد في لبنان. كنت أعتبره نوعاً من الأسطورة، لكنني أحببت الطقوس السوفياتية الاحتفالية، لا سيما عندما دخلت غرفتي في الفندق، لأجد باقة توليب قرب السرير وباقات من أنواع وألوان مختلفة تغمر المزهريات المنتشرة في أرجاء الغرفة، وتحمل عبارات جميلة وتواقيع كثيرة ودعوات للإحتفال بالعيد.

اينما انوجد حزب شيوعي او اشتراكي، كان للعيد إحتفاليته. بروباغندا الأحزاب اليسارية التي تريد اجتذاب النساء الى قواعدها من دون بذل أدنى جهد للتعامل مع قضايا المرأة ببرنامج ملموس وقضايا جدية

لهذا العيد حكايات. قيل عنه انه “اشتراكي” ولبس لبوس الدول الشيوعية كعيد رسمي. اينما انوجد حزب شيوعي او اشتراكي، كان للعيد إحتفاليته. بروباغندا الأحزاب اليسارية التي تريد اجتذاب النساء الى قواعدها من دون بذل أدنى جهد للتعامل مع قضايا المرأة ببرنامج ملموس وقضايا جدية.

حين اجتمعت نساء تنتمين إلى الفكر الاشتراكي في 8 أذار/ مارس 1910 في كوبنهاغن (الدانمارك)، كان شعارهن المطالبة بحق الانتخاب، وهو شعار اجتذب النساء في بلدان شاركت ممثلات عنها في المؤتمر الذي بادرت الى تنظيمه المناضلة الألمانية كلارا زنكين التي كانت تراس تحرير مجلة “المساواة”، وكانت مجلة مهمة في ذلك العصر وتوقفت عن الصدور في العام 1917.

في سان بطرسبورغ، تدافعت النساء العاملات في 8 أذار/ مارس 1917 في تظاهرة كبيرة للمطالبة بالخبز وبعودة أزواجهن من الجبهة ولم تجرؤ الشرطة القيصرية على قمع هذا الحدث الذي مهّد للثورة في روسيا، حيث أدى انتصارها الى اعلان قائدها فلاديمير ايليتش لينين في العام 1921 يوم 8 أذار/ مارس، يوماً للنساء وبناءً عليه، صار يطغى عليه الطابع الشيوعي، لا سيما بعد أن حذت الصين حذو روسيا فجعلته عيداً رسمياً في العام 1924 وكذلك معظم دول أوروبا الشرقية، غداة الحرب العالمية الثانية.

في 19 أذار/ مارس 1911، احتفلت اكثر من مليون امراة في المانيا وسويسرا والنمسا والدانمارك بيومهن، لمناسبة ثورة 1848 وكومونة باريس، الا ان الفرنسيات لم يتبعهن الا في العام 1914 تحت قيادة مجموعة من النساء الاشتراكيات أقمن تظاهرة كبيرة في باريس. في العام 1948، دعا الحزب الشيوعي الفرنسي والكونفدرالية العامة للنقابات العمالية إلى الإحتفال بيوم المرأة بتظاهرات في كل أنحاء فرنسا في يوم 8 أذار/ مارس، وقد اقرت الحكومة الفرنسية عام 1982 يوم 8 اذار/ مارس عيدا رسميا وهو ما اثار انتقاد حركات نسوية فرنسية تساءلت عن معنى تخصيص يوم لتظاهرات خاصة بالمرأة بما يشبه عيد الأمهات أي احتفال ليوم واحد وفي المقابل استغلال على مدار العام.

تحولت البيوت إلى “مكان خطير جداً” لضحايا العنف الأسري، خلال فترة إنتشار جائحة كورونا، حسب تقارير دولية عديدة، أبرزها تقرير منظمة الصحة العالمية بعنوان “كوفيد-19 والعنف ضد المرأة في إقليم شرق المتوسط”

ونشرت صحيفة “الاومانيتيه” الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الفرنسي في 5 أذار/ مارس 1955 إفتتاحية ذكرت فيها ان الاحتفال بيوم المرأة يعود الى ذكرى اضراب عاملات مصانع الخياطة في نيويورك في العام 1857 وقد إنغرست هذه الأسطورة عميقاً في الاذهان الى ان قررت الكاتبتان الفرنسيتان ليليان كاندل وفرنسوا زيك فضح الأسطورة عام 1982 حين اشارتا الى ان اضراب العاملات الاميركيات لم يوجد أصلا وانه قبل مبادرة مؤتمر كوبنهاغن (1910) لم يحصل سوى احتفال واحد عام 1909 اقامته نساء اشتراكيات في أميركا الشمالية. لكن يبدو ان فكرة اضراب العاملات الاميركيات الأسطوري ما تزال تبعث على الحلم مما يدل على ان حياة الاساطير طويلة، علما أن الأمم المتحدة أقرت في العام 1975 جعل الثامن من أذار/ مارس يوما عالمياً للمرأة في جميع أنحاء العالم، ومنذ ذلك التاريخ، صار للعيد حضوره في كل أرجاء المعمورة، بما في ذلك بلدان تحكمها أنظمة إسلامية تأخذ من العيد فقط طابعه الشكلي وتجرده من مضمونه الفعلي المتصل بالمشاركة السياسية وحق العمل والجنسية والحضانة والارث والطلاق وغيرها الكثير من الحقوق البديهية.

إقرأ على موقع 180  "كورونا" التائه في ميادين الحرب السورية: تربة خصبة وإحصاءات مفقودة

يأتي 8 آذار/ مارس 2021 تتويجاً لسنة إقتحم خلالها فيروس كورونا الكرة الأرضية وتسبب بمقتل أكثر من مليونين ونصف المليون نسمة، نصفهم من النساء، ولكن عدا الخسائر البشرية، واجهت نساء العالم، كما الرجال وكل البشر، تحديات من نوع جديد. ضغوط نفسية. خسارة وظائف. تعثر مادي وزيادة الصعوبات الإقتصادية والإجتماعية. العمل والدرس من المنازل. كان على النساء أن يتحملن الكثير من أجل الحفاظ على تماسك العائلات والحيلولة دون تفكك شبكات الحماية الإجتماعية، بعدما تحولت البيوت إلى “مكان خطير جداً” لضحايا العنف الأسري، خلال فترة إنتشار جائحة كورونا، حسب تقارير دولية عديدة، أبرزها تقرير منظمة الصحة العالمية بعنوان “كوفيد-19 والعنف ضد المرأة في إقليم شرق المتوسط”، وجاء فيه أن الإقليم يأتي في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث انتشار العنف ضد المرأة (37%)، وأن هناك زيادةً في حالات العنف خلال الجائحة بنسبة تتراوح من 50% إلى 60% بناءً على مكالمات الاستغاثة التي تُجريها النساء عبر الخطوط الساخنة لمنظمات المرأة.

وحسناً أن إختارت “حملة اليوم العالمي للمرأة” هذه السنة شعار #ChooseToChallenge أي “إختر أن تتحدى”. وحسب موقع “بي بي سي” بالعربية، فإن فكرة الحملة أنه “يمكننا جميعاً أن نختار تحدي وادانة وفضح التحيزات المبنية على أساس الجندر (النوع الاجتماعي) وعدم المساواة، ويمكننا جميعاً اختيار البحث عن إنجازات المرأة والاحتفال بها بشكل جماعي، والمساعدة في خلق عالم أكثر شمولا للجميع”.

Print Friendly, PDF & Email
فاطمة حوحو

صحافية لبنانية

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  العراق: صدمة الإنكفاء الإنتخابي تفتح أبواب المساومات.. والطعنات!