قراءة في الانتخابات البرلمانية الجزائرية.. التقدّم إلى الخلف!

شهدت الجزائر إنتخابات برلمانيّة إستأثرت باهتمام الخارج أكثر من الداخل. تعدّدت القراءات واختلفت التنبؤات وتباينت التكهنات، لكن الثابت الوحيد فيها، فشل الجميع في تحديد جنس الملائكة وإحصاء الأرانب التي قفزت من قبّعة الساحر/ الصندوق.

دعا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى انتخابات برلمانيّة مبكرة في 22 شباط/ فبراير (2021)، بعد أن تمّ حلّ البرلمان من قبلهِ طبقاً للحقّ الدستوري المخوّل لرئيس الجمهوريّة بحلّ البرلمان في الحالات المحدّدة في الفقرتين الأولى والثانية من نص المادة 151 من دستور 2020.

جرت الانتخابات البرلمانيّة في 12 حزيران/ يونيو (2021). وبحسب وكالة الأنباء الجزائريّة، حلّ حزب جبهة التحرير الوطني في المرتبة الأولى بـ 105 مقاعد من دون تحقيق سقف الأغلبية (204 من أصل 407 هو إجمالي عدد مقاعد البرلمان الجزائري)، متبوعاً بقوائم الأحرار أو المستقلين بـ 78 مقعداً، تليهما حركة مجتمع السلم (الإخوان المسلمين) بـ 64 مقعداً والتجمع الوطني الديمقراطي بـ 57 مقعداً، كما تحصلت جبهة المستقبل على 48 مقعداً وحركة البناء على 40 مقعداً، وتحصّل الحكم الراشد وحزب صوت الشعب على 3 مقاعد بالتساوي، فيما حصلت جبهة العدالة والتنمية والفجر الجديد والحريّة والعدالة على مقعدين لكل واحد منهم. بينما حصد حزب الجزائر الجديدة والكرامة وجيل جديد على مقعدٍ واحد لكل واحدٍ منهم على حدة. بلغت نسبة المشاركة حسب السلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات 30.2%.
وحسب وكالة الأنباء الجزائريّة، تكون الأرقام الخاصة بهذه الانتخابات، كما أعلن عنها رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي يوم الثلاثاء الماضي على النحو التالي:

– الهيئة الناخبة: 171 425 24 ناخباً

– الناخبون داخل الوطن: 322 522 23 ناخباً

– الناخبون خارج الوطن: 865 900 ناخباً

– عدد المصوّتين: 324 625 5 ناخباً

– المصوّتون داخل الوطن: 082 583 5 ناخباً

– المصوّتون خارج الوطن: 242 42 ناخباً

– عدد الأصوات المُعبّر عنها: 365 602 4 صوتاً

– عدد الأوراق الملغاة: 220 016 1 ورقة انتخاب

– عدد المراقبين: 100 113 يمثلون القوائم المترشحة.
خاض المنافسة أكثر من 22 ألف مترشح (88% منهم حاملو شهادات جامعيّة) ينتمون إلى 2288 قائمة: منها 1080 قائمة حزبية (46%) و1208 قوائم مستقلة (54%)، في حين بلغ عدد المترشّحات 5744 امرأة (37%). وقد بلغت نسبة المترشحين الشباب ممّن تقلّ أعمارهم عن أربعين عاماً 58%.

لا يمكن فهم العزوف عن المشاركة في الانتخابات إلا ضمن حالة الأسف العام التي تكتنف شرائح واسعة من الشعب الجزائري. وحالة الأسف هذه، هي أخفّ العبارات استعمالاً على ضوء ما أخبرتْ بهِ نسب المشاركة، ولعل ذلك ينمُ عن الشعور الشعبي بالتأخر الرسمي عن إحداث التغيير أو انحسار هامش الأمل في حدوث الانتقالة من حالٍ إلى آخر

ملاحظات على السياق الانتخابي

ثمة العديد من الملاحظات حول ما أسفرت عليه العملية الانتخابيّة الأخيرة، قد يكون مفيداً لو لخصناها في النقاط التاليّة:
أولاً: من الخطأ تبرير مستوى المشاركة المتدنّي بالمقايسة مع التجارب السابقة، إذ لو صحّ أن نأخذ عزوف الجزائريين “التقليدي” عن المشاركة في الانتخابات النيابيّة وإقبالهم على الانتخابات الرئاسيّة، كنّا وقعنا في خطأ التقدير عندما نستحضر نسبة المشاركة الضئيلة في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة (12 كانون الأول/ ديسمبر 2019) التي لم تتجاوز 39.8%، وبالتالي، أصيبت الانتخابات الرئاسيّة بعدوى النيابيّة وليس العكس. فمن أجل تلافي حدوث هذه المقاصة الهزيلة، ينبغي أن نتفادى الوقوع في فخ المقارنات الفاشلة، وربما علينا أن نوقن بأنّ الحراك الشعبي قد أسقط الكثير من التقديرات ولو نظرياً، برغم أنّ واقع الحال لا يذهب في هذا الاتجاه كثيراً.
ثانياً: تدنّي مستوى الخطاب السياسي وضحالة محتواه وعجزه عن استيلاد أفكارٍ تنمُ عن إدراكٍ واعٍ بالسياسة. لقد أدّى الجهل إلى درّ وعودٍ انتخابيّة تشبه الوعود التي يقطعها مترشح البلديّة لناخبيّه، برغم أنّ وظيفة النائب منصوصٌ عليها في القانون، وأهمها بالدرجة الأولى، إيصال مشاغل الشعب إلى السلطة. ممّا يعكس جهل المترشحين بوظيفة النائب، فضلاً عن تراجع مستوى الخطاب عموماً ونكوص معانيه، برغم الشهادات العالية التي يحملها الكثير من المترشحين، ممّا يعيدنا إلى طرح مسألة أُمّية الجامعيين، التي لم تنفكّ يوماً عن الظهور باطّراد مكين.
ثانياً: لا يمكن فهم العزوف عن المشاركة في الانتخابات إلا ضمن حالة الأسف العام التي تكتنف شرائح واسعة من الشعب الجزائري. وحالة الأسف هذه، هي أخفّ العبارات استعمالاً على ضوء ما أخبرتْ بهِ نسب المشاركة، ولعل ذلك ينمُ عن الشعور الشعبي بالتأخر الرسمي عن إحداث التغيير أو انحسار هامش الأمل في حدوث الانتقالة من حالٍ إلى آخر. قد تتهم السلطةُ الشعبَ بالتعجّل، ولكن يمكنُ للشعب أيضاً أن يتهم السلطة بالتماطل.
ثالثاً: أحدثت الانتخابات الأخيرة مفاجأة كبرى تمثلت في عودة الحزب العتيد (جبهة التحرير الوطني) إلى الواجهة مجدداً، فسرها البعض بتشتّت الأصوات وضعف التنظيم وحداثة العمل السياسي واحتشاد المترشحين (23 ألف مترشحاً على 407 مقاعد)، وهي تفاسير في جلّها؛ تقليديّة وكسولة، مكرورة ومستطرقة، لا تحتاج إلى ذكاءٍ أو حيلة للوصول إليها. والحال أنّ عودة حزب عبد العزيز بوتفليقة، تؤشر على وفاءٍ مرضي لبعض أنصاره، برغم استيفائهم عياناً، المآل الذي وصل إليه هذا الحزب في الحاضر، نتيجة الاستحواذ الإداري على تاريخه المشترك وتوظيفه على نحوٍ شخصيّ، أفضى إلى ما ثار عليه الشعب في حراك 22 فبراير/ شباط من جهة، ومن جهة أخرى نجاح هذا الحزب في اقناع قواعده بتغيّر قواعد اللعبة السياسيّة بمجرد تغيّر الأشخاص الذين ساهموا في وصول الحزب إلى ما وصل إليه من دركٍ سياسيّ قبل الحراك، والدفع بضحايا بيروقراطيّة الحزب في الأمس إلى الواجهة اليوم، طلباً لشيّء من المغفرة السياسيّة واتّخاذهم مظهراً من مظاهر الورع. برغم أنّ هذه الحجة ليست متماسكة تماماً لما فيها من التحايل والتذاكي، غير أنّها سرَت وأسرّتْ في الآن ذاته.
رابعاً: نجاح القوائم الحرّة في افتكاك المرتبة الثانية في البرلمان الجزائري، يؤشّر على احتمال تشكيل حكومة توافقيّة قد لا نخرج بها أيضاً عن إطار التجريب، ريثما يتجلّى المشهد السياسي بوضوح. لكن لا يعدمُ ذلك القول بأنّ جزءاً من الذين انتخبوهم قد يكونوا من أولئك المنتمين إلى الراضين عن المشهد السياسي بتحفظاتٍ عدّة، والجزء الآخر من ناخبيّهم، هم ممّن يشعرون بضرورة معاقبة حزب السلطة السابق بالتأكيد على الحضور الجديد متمثلاً في قوائم حرّة في انتظار تأهيلها لتصبح “حزب” سلطةٍ جديد، من دون إشهار الطلاق مع المشهد السياسي بشكل عام.

إقرأ على موقع 180  عقوبات الغرب تتجاوز أوكرانيا.. مطلوب يلتسين جديد!    

نصّت المادة 191 على أنّ القوائم المتقدّمة للانتخابات من الواجب عليها “مراعاة مبدأ المناصفة بين النساء والرجال، وأن تخصّص، على الأقل، نصف الترشيحات للمترشّحين الذين تقل أعمارهم عن أربعين سنة، وأن يكون لثلث مترشّحي القائمة، على الأقل، مستوى تعليمي جامعي”

خامساً: لا يمكن فصل النتائج عن قانون الإنتخاب وبالتالي يمكن إيجاز أهم الشروط القانونية الواردة في الأمر رقم 21-01 تاريخ 10 آذار/ مارس لسنة 2021، والذي يتضمن القانون العضوي المتعلّق بنظام الانتخابات:
أولاً- الاقتراع النسبي والصوت التفضيلي:

طبقاً للمادة 191 يُنتخب نوّاب المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) بـ”طريقة الاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة وبتصويت تفضيلي دون مزج”. ويجب أن تتضمّن القائمة “عدداً من المترشحين يزيدُ عن عدد المقاعد المطلوب شغلها بثلاثة (3) في الدوائر الانتخابيّة التي يكون عدد مقاعدها فرديا واثنين (2) في الدوائر الانتخابيّة التي يكون عدد مقاعدها زوجياً”. هنا نظام القائمة المفتوحة يمنحُ للناخب حريّة ترتيب المترشحين، وبالتالي القضاء على ما يُعرف ب “رأس/ متصدّر القائمة”، التي كانت محلّ منافسة شريفة وغير شريفة في حالة القائمة المغلقة داخل الحزب الذي يُحدّد الترتيب بناءً على التاريخ النضالي للأشخاص (انعدام حظوظ الشباب)، أو بسبب المال السياسي الفاسد (اقصاء الفقراء والطبقة الوسطى). هذه الطريقة لم يكن معمولاً بها في السابق، عدا أنّهُ أيام الحزب الواحد كان يتمّ التشطيب على الاسم ضمن القائمة المحدّدة سلفاً في الانتخابات البلديّة، بمعنى ممارسة “ديمقراطيّة” من داخل القائمة القسريّة. الآن هنالك  تشطيب على الاسم المنتقى بناءً على الاختيار الشخصي من عدّة قوائم تمّ استيفاؤها بموجب القانون المنظم للسير الانتخابي، أيّ “ديمقراطيّة” من خارج القائمة، على أنّ الشكل في الماضي هو الأهم، فيما بدا أنّ المضمون في الماضي هو الأساس، والهدف من هذا “التحديث” الإجرائي إلى جانب تعزيز فرص الشباب والقضاء على المال الفاسد، تطويق التزوير وتعزيز الرقابة.
ثانياً- نظام العتبة الانتخابيّة:

أثار هذا الشرط جدلاً واسعاً لدى الأحزاب الفتيّة والقوائم المستقلة، في حين فضلت الأحزاب القديمة الإبقاء عليه لقياس التمثيل الشعبي. “تفرض المادتان 73 و95 في القانون الحالي على القوائم المترشحة للانتخابات النيابيّة أو البلديّة، سواءً باسم حزب أو ائتلاف حزبي، أن تكون قد حصلت هذه الأحزاب على نسبة تُعادل أو تفوق 4 في المائة من الأصوات، أو عشرة منتخبين في المجالس المنتخبة في آخر انتخابات سابقة. عدا ذلك يُفرض على القوائم المترشحة من الأحزاب والأحزاب الجديدة والمستقلين، جمع 250 توقيعاً من الناخبين لقبول ترشيحها”.
ثالثاً- المناصفة:

نصّت المادة 191 على أنّ القوائم المتقدّمة للانتخابات من الواجب عليها “مراعاة مبدأ المناصفة بين النساء والرجال، وأن تخصّص، على الأقل، نصف الترشيحات للمترشّحين الذين تقل أعمارهم عن أربعين سنة، وأن يكون لثلث مترشّحي القائمة، على الأقل، مستوى تعليمي جامعي”.

Print Friendly, PDF & Email
ضيف حمزة ضيف

كاتب وصحافي جزائري

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  تونس.. مستقبل أكثر غموضاً