العراق: ليس بربح الإنتخابات أو خسارتها.. تُشكّل الحكومات!

إذا لم يحسن اللاعبون الكبار احتواء نتائج الإنتخابات العراقية التشريعيّة المبكرة (10 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري) وتداعياتها، فإن «الاحتمالات» المطروحة ترسم صورةً ضبابيّة بين «انفراجاتٍ» قريبة وصولاً إلى انسدادٍ سياسيٍّ مماثلٍ لما جرى عام 2018. وبين التفاؤل والتشاؤم، يلعب ساسة البلاد ضمن «هوامش» ضيّقة، بانتظار «نضوج» الطبخة الأميركيّة – الإيرانيّة. 

طوال الأسابيع الماضية والتي سبقت فتح صناديق الاقتراع، تباهت السلطة السياسية العراقية، بأن هذه الدورة الانتخابيّة – بنسختها المبكرة – ستكون الأكثر نزاهة وشفافية وكفاءة تقنية، نظراً إلى اعتماد نظام تصويت بايومتري متطوّر، يضمن عدم التزوير، ويتيح – أيضاً – جمع الأصوات وإعلانها سريعاً، ليُبنى لاحقاً على الشيء ما تقتضيه المعادلات السياسية، من مفاوضات ومساومات تجري عادةً بعيداً عن الأضواء.

ثمة فريقٌ عراقي وازنٌ يقول إن «مسار إعلان النتائج المرتبك، يعزّز الشكوك»، محمّلين «المفوضيّة العليا المستقلة للانتخابات» ومن خلفها الحكومة الاتحاديّة برئاسة مصطفى الكاظمي، مسؤولية ما جرى. في المقابل، ثمة فريقٌ آخر، وازنٌ أيضاً، يرفض أي حديثٍ مماثل، نظراً إلى عدد مقاعده، داعياً إلى ضرورة المضي قدماً في عملية تكليف الرئيس المرتقب إطلاق يده في سياقات التأليف. وبين الفريقين، يقف من أجرى نقداً ذاتيّاً في الأيّام الماضية، مقرّاً بأخطاءٍ ارتكبها أوّلاً، مقتنعاً بالنتائج ثانياً، معتقداً بأن هذه الدورة هي «الأكثر نزاهةً» ثالثاً، منادياً بضرورة التكليف والتأليف رابعاً.

هذه المعسكرات، على اختلاف توجهاتها وعدد مقاعدها، حرصت على استثمار تأخّر «المفوضيّة» في إعلان النتائج، علماً أنها قالت – في اللقاءات المغلقة، وتحديداً في لقاءات «الإطار التنسيقي الشيعي» – إن الانتخابات لا تخلو من عيوب ولكن بالمقارنة مع كل الإنتخابات السابقة من 2005 حتى 2021 هي “الأكثر نزاهة”. برغم ذلك، فضّلت بعض القوى تصدير خطاب «المؤامرة» لكسب المزيد من الوقت، وتحصيل أكبر عددٍ ممكنٍ من المكاسب والحصص، وضمان ذلك قبل الانخراط في عملية التكليف والتأليف.

بدورها، تسلّمت «المفوضية»، وفق بيانٍ صادرٍ عنها، حوالى 1400 طعن (قُدّمت ضمن المهلة القانونية، وانتهت في الـ 20 من تشرين الأوّل/أكتوبر)، وبدأت النظر بها، وهذا قد يستغرق أيّاماً عدّة؛ علماً، أن النتائج لن تغيّر شيئاً في الخارطة البرلمانيّة المقبلة، ولن تدفع باتجاه العدّ والفرز اليدوي لكافة صناديق الاقتراع (حوالى 58 ألف صندوق). إذ تشير المعطيات إلى أن العدّ والفرز اليدوي للأصوات سيكون حصراً للنتائج المطعون بها والمصنّفة حمراء (حتى اللحظة لا يتجاوز عدد الطعون الحمراء الـ 15)، على أن تكون الخطوة التالية، بعد بتّ الطعون وتثبيت النتائج بشكلٍ نهائي، المصادقة عليها من قِبل «المحكمة الاتحاديّة العليا»، والدعوة – مباشرةً – إلى عقد الجلسة البرلمانيّة الأولى.

وعلى خطٍّ موازٍ، كان لافتاً للإنتباه دفع «تنسيقيّة المقاومة العراقيّة» («حركة عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله – العراق»، على وجه الخصوص)، جماهيرها إلى الاعتصام على أبواب «المنطقة الخضراء» وبعض المحافظات الجنوبيّة، والمطالبة بالعدّ والفرز اليدوي لكافة صناديق الاقتراع، متهمين «المفوضيّة» وحكومة مصطفى الكاظمي بسرقة أصواتهم وتزوير النتائج. لكن، وفي هذا الإطار – تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:

أولاً؛ بعيداً عن الأضواء، أبلغت «تنسيقيّة المقاومة» من يعنيهم الأمر، أن الهدف من هذه التظاهرات «تبريد» شارعها الغاضب من النتائج، مؤكّدةً أن مدة الاعتصام لن تتجاوز الأيام الخمسة، وأنها لن تستخدم «مقدرات الدولة» مطلقاً (في إشارةٍ واضحةٍ إلى تحييد الدعم اللوجستي من قِبل ألويتها داخل «الحشد الشعبي»)، وأن خطابها سيكون احتجاجيّاً على النتائج.

ثانياً؛ تدرك فصائل «التنسيقيّة» أن النتائج لم تزوّر. أُبلغت بذلك من طهران، وقد عبّرت دوائر القرار في العاصمة الإيرانيّة عن انزعاجها من بعض حلفائها العراقيّين من رافعي الشعارات التي تتعارض مع المصلحة العراقيّة في الوقت الراهن.

ثالثاً؛ ثمة تصدّعٌ واضح داخل «البيت الواحد»، والمقصود هنا «تحالف الفتح» (الإئتلاف البرلماني المشكّل من الفصائل الداعمة لخيار «الحشد»). قادة التحالف لم يتفقوا – حتى اللحظة – على مقاربةٍ واحدة، وعجزوا عن صياغة رؤيةٍ واحدة للمرحلة المقبلة. ما عزّز من هذا التصدّع عدد المقاعد التي نالها التحالف (17 مقعداً، مقارنةً بـ 48 في الدورة الماضية)، وتملّص قواه السياسية من التخادم والتفاعل، والركون إلى العمل الأحادي.

هذه النقاط، وغيرها، كانت دافعاً لطمأنة «الخاسرين» عبر قنوات محليّة وأخرى إقليميّة، بأن الحكومة المقبلة لن تكون «اجتثاثيّة» بل حكومة «جامعة»، لأن المرحلة تفرض التكاتف والتضامن،  ولا يمكن إقصاء أحد، إنما «مراعاة» التمثيل النيابي والرمزيّة السياسيّة.

وما يعزّز هذه التفسيرات، مواقف زعيم «التيّار الصدري» السيد مقتدى الصدر، الرابح الأكبر في هذه الانتخابات (73 مقعداً)، وتبنيه خطاباً هادئاً، وسط حديثٍ جدّي عن إمكانيّة ترطيب الأجواء بين «تيّاره» و«إئتلاف دولة القانون» (بزعامة نوري المالكي، الفائز الثاني ضمن «البيت الشيعي» بـ 34 مقعداً)، خاصّةً أن المالكي يرعى – حاليّاً – «الإطار التنسيقي»، بوصفه «خيمة الخاسرين» الخائفين من تفّرد الصدر بقرار «القوى الشيعيّة»، مستثمراً بهذا الخوف لتعويم «عودته» إلى رئاسة الوزراء، وطرح اسمه كخيارٍ استراتيجي لـ«بناء الدولة ومؤسساتها”.

تدرك فصائل «التنسيقيّة» أن النتائج لم تزوّر. أُبلغت بذلك من طهران، وقد عبّرت دوائر القرار في العاصمة الإيرانيّة عن انزعاجها من بعض حلفائها العراقيّين من رافعي الشعارات التي تتعارض مع المصلحة العراقيّة في الوقت الراهن

وعليه، ينحو البعض إلى «التشاؤم» بناءً على التجارب الماضية، والقول إن البلاد دخلت بالفعل في نفقٍ ظاهره فني وتقني بانتظار جلاء الصورة؛ فالمرحلة المقبلة تتسم بـ«الغموض الطويل الأمد»، لأن الاحتمالات مفتوحة على كل المسارات، مع تصاعد خطاب «هزيمة المعسكر الإيراني»، في وقتٍ تدرك فيه طهران أن «حصاد العمليّة الانتخابيّة، على اختلاف نتائجه، لن يؤثّر في طبيعة العلاقة مع العراق وجوهرها.. والحكومة المقبلة تدرك ذلك جيّداً”.

إقرأ على موقع 180  ألبير مخيبر وزيراً.. الرجل يصنع الكرسي لا العكس (3)!

هذا «التشاؤم» يعني أن تحالف «الصدريين» و«تقدم» (بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وفي جعبته 37 مقعداً) و«الحزب الديموقراطي الكردستاني» (بزعامة مسعود بارزاني، ولديه 33 مقعداً)، في طور الإعلان، ويمهد الطريق «دستوريا» لتكليف شخصيّةٍ «شيعيّة» لتأليف الحكومة الجديدة، وشخصية أخرى لرئاسة الجمهورية (ثمة من يقول إن وزير الخارجية فؤاد حسين له الحظّ الأوفر في تسنّم هذا المنصب، في وقتٍ يقول فيه آخرون إن حظوظ رئيس «إقليم كردستان» نيجرفان بارزاني قويّةٌ أيضاً)، والإبقاء على الحلبوسي رئيساً للبرلمان.

هذه القراءة، أقرب لأن تكون صعبة – في الوقت الحالي، فالصدر لن يدخل في لعبة الإقصاء والمواجهة؛ فأي حكومةٍ «صدريّة» يعني – مباشرةً – تحمّل مسؤولية فساد عمره 18 عاماً، وهذا يعجز الصدر وتيّاره عن مواجهته، علماً أن خطابه الانتخابي كان «رئاسة الوزراء صدريّة». أما بارزاني والحلبوسي، فأقرب لترتيب أوراقهما الداخليّة بانتظار «الحسم من داخل البيت الشيعي»، فلا يمكن المضي بأي «استفزاز» من هذا القبيل.

بارزاني والحلبوسي، يدركان أنها «بيضتا قبّان» عملية التأليف والتكليف؛ وعليه، فإن انتظار «التوافق الشيعي» يعزّز من المكاسب والحصص، خاصّةً أن الرجلين يعملان على تكريس نفسيهمها كزعيمين أوحدين. فالأوّل يستثمر في ضعف جبهة «الاتحاد الوطني الكردستاني»، والثاني أجاد في تصفية خصومه وتحجيمهم، داخل البرلمان وخارجه.

مصادر «الصدريين» تلمح إلى أن الاتجاه المرجح هو الإتلاف مع بارزاني والحلبوسي، وهو موقف قد يكون مجرد محاولة لرفع سقوف التفاوض، كتهديد الحاضرين في «الإطار التنسيقي» (المالكي وزعيم «الفتح» هادي العامري ورئيس «هيئة الحشد الشعبي» الداعم لقائمة «العقد الوطني» فالح الفياض، وزعيم «تيّار الحكمة» عمار الحكيم وشريكه في «تحالف قوى الدولة» حيدر العبادي، وزعيم «المجلس الأعلى» همام حمودي، ورئيس «تحالف السند» أحمد الأسدي وغيرهم) بمقاطعة العمليّة السياسيّة. كل هذا – وفق مصدرٍ مطّلعٍ – ليس سوى تعزيزاً للمكاسب قبل الدخول الجدّي في مرحلة التكليف والتأليف.

وعليه، فإن تعدّد هذه السيناريوهات ومآلاتها، سيتطلب وقتاً، بانتظار صدور نتائج نهائية ورسمية، ثم البدء بالمساومات للاتفاق على رئيسٍ للحكومة، وما سيتبعه من أخذ ورد على المرشحين للوزارات والمناصب، وليس من المستبعد أن يحلّ ربيع العام 2022، ولا حكومة جديدة في العراق، طالما أن التوافق الإيراني – الأميركي لم ينضج بعد.

Print Friendly, PDF & Email
خليل حرب

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  يسرائيل هيوم: بايدن يبتعد.. فتقترب دول الخليج من إيران!