
أيام تاريخية تلك التي نعيشها، كل يوم يمر علينا يترك وراءه علامة جديدة على أن "النظام" العالمي كما "النظام" الإقليمي العربي، انتقل خلال اليوم درجة أو درجات نحو هاوية وفي أحسن الأحوال نحو فوضى أشمل وأوسع مجالاً وأكثر تنوعاً.
أيام تاريخية تلك التي نعيشها، كل يوم يمر علينا يترك وراءه علامة جديدة على أن "النظام" العالمي كما "النظام" الإقليمي العربي، انتقل خلال اليوم درجة أو درجات نحو هاوية وفي أحسن الأحوال نحو فوضى أشمل وأوسع مجالاً وأكثر تنوعاً.
سبقني الشاعر فقال "وأتيت مرآتي وعطري في يدي فبصرت ما لا كنت فيها أبصر"، أنا أيضا أتيت مرآة ولا عطر في يدي، ولكن في يدي صور لي وأنا في مراحل عمري المختلفة، قلبت في الصور واحدة بعد الأخرى وعدت إلى المرآة وبالفعل بصرت ما لا كنت فيها أبصر.
صورة منذ طفولتي لم تغادر مخيلتي. درست بين ما درست بعض مناهج قراءة المستقبل، وتابعت مع زملاء وأصدقاء جانباً من الدراسات النظرية والواقعية حول هذا الموضوع ومع ذلك بقيت الصورة لا تغادرني.
للرصيف، قبل أن ينكمش أو يختفي، ذكريات طيبة. أتذكر نفسي في شارع فاروق، طفلا أجلس على كتفي والدي أو عمي غير الشقيق لوالدي، أستمتع بموكب "المحمل" وجنود على ظهور جمال وأحصنة، كلهم وكلها في ألوان زاهية، والموسيقى العسكرية تزيدني متعة. أتذكر أيضا رجالا من الحي الذي أسكنه مع عائلتي الصغيرة يحملوني ونحن على رصيف شارع خيرت لنشاهد موكب الملك فاروق متوجها إلى مسجد السيدة زينب لأداء فريضة أو لمناسبة لا أتذكرها الآن.
قالت: "صحيح يا أستاذي، لقد كتبت بالفعل عن الميادين". سألت: "ومتى كان"؟ أجابت: "كتبت في أيلول/سبتمبر من العام الماضي". أثارت الإجابة في نفسي فضولا. عدت أسألها: "لماذا هذا الحنين المتجدد إلى الميادين". ولأسألها أيضا ولنفسي، "ولماذا في سبتمبر"؟
مرّت بنا وتمر علينا أسابيع حافلة بالشر والأذى؛ أسابيع حاملة بذور التغيير نحو آفاق معبأة بالغيوم والأعاصير، حاملة في الوقت نفسه وإن في مواقع متباينة بذور تغيير في اتجاه بوادر تفاؤل بمستقبل طال انتظاره.
كثيرون يخطئون إن ظنوا أن المسنين أقلية بسمات متشابهة وتصرفات نمطية ومطالب أو رغبات متقاربة وطموحات وتطلعات متدنية أو منعدمة، أو أنهم أقلية فى المجتمع بعقول متدهورة الصلاحية، وبقلوب خاشعة أو مستسلمة وصبر سريع النفاذ، أو أقلية بقدرات على تحمل الآلام والصدمات العاطفية ولكن ضعفت حتى تآكلت. عندى الأدلة على أنها فى غالب الأحوال أقلية حكيمة عند اتخاذ قرارات هامة، وأقلية تتحمل بمسئولية وصلابة مصير الخاضعين لها والسائرين فى ركابها بالعرف أو بالعقود والقوانين، تتحملها أيضا بالحب.
أتساءل وآخرون عن دقة أو صحة تسريبات خطيرة تتردد على أمواج وسائط الاتصال. تخيلنا أن بعض هذه التسريبات أطلقته أجهزة إعلام واستخبارات بهدف جس نبض الناس وردود أفعالهم في حال تنفيذ سياسة بعينها. تخيلنا أيضا أن أغلب الناس تميل إلى تصديق هذه التسريبات.
كثيرون هم الرجال الذين أثّروا في مجرى حياتي. بعضهم خلف آثارا أثّرت لساعات وأيام. بعض آخر ترك بصمات لا تمحى. بعض ثالث مر مرورا عابرا ولكن بآثار عميقة. كثيرون عبروا عبورا خامدا، لا حس ولا خبر.
أظن، وبعض الظن في أيامنا الراهنة اجتهاد مستحق وضروري، أظن أن التاريخ، حسب ما وصل منه إلينا وحسب بعض منه نعيشه بأشخاصنا أو بأوهامنا وأحلامنا، ربما لم يشهد أو يعايش بيئة متدهورة محيطة بمواقع صنع السياسات بالشرق الأوسط كالبيئة الراهنة.