الياس جرادة.. أول شيوعي في البرلمان اللبناني

قبل عامين من اضاءة الحزب الشيوعي اللبناني شمعة مئويته الأولى، تمكن للمرة الاولى في تاريخه من دخول البرلمان اللبناني بمرشحه طبيب العيون الياس جرادة الذي حل محل النائب القومي الاجتماعي اسعد حردان، اي ان جرادة العلماني حلّ محل حردان العلماني ولم يأخذ مكان اي مرشح طائفي.

حافظ الحزب الشيوعي اللبناني الذي تأسس في 24 اكتوبر/تشرين الاول عام 1924 على اسمه ونهجه الماركسي اللينيني بالرغم من مرور اكثر من ثلاثين عاما على انهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع وهج الشيوعية في العالم. وقد جرت العديد من المحاولات لتغيير الاسم على يد قادة ومسؤولين فيه انتهت الى خروجهم من الحزب وبقاء الحزب على ما هو عليه.

النظام الطائفي اللبناني الذي يقولب الشعب اللبناني في قانون الانتخاب بقوالب طوائفه ومذاهبه لا مكان فيه لاي مقعد نيابي الا في قالب طائفي أو مذهبي. حتى الاحزاب غير الطائفية كالحزب السوري القومي الاجتماعي او حزب البعث او حزب الطليعة او منظمة العمل الشيوعي او التنظيم الشعبي الناصري فانهم يشاركون في الانتخابات ترشيحا، كما الحزب الشيوعي اللبناني، على أساس مقاعد مخصصة لمذهب ما او طائفة ما.

كيف استطاع الياس جرادة خرق لوائح السلطة؟

لا شك ان الامين العام الحالي للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب حجز مقعداً كقائد حزبي أدار معركة وصول مناضل شيوعي الى البرلمان للمرة الاولى خلال 98 سنة من عمر الحزب. وهذا الانجاز عجز عنه قادة يصنفون على انهم تاريخيون في الحزب كالامين العام الشهيد فرج الله الحلو الذي يعتبر انه اعاد تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني بعد انفصال الحزب الشيوعي السوري اللبناني الى حزبين في قطرين هما الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش والحزب الشيوعي اللبناني بقيادة فرج الله الحلو، والامين العام الشهيد جورج حاوي الذي اكتسب لقبه كقائد تاريخي من خلال المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني عام 1968 حين تبنى القضية الفلسطينية كقضية مركزية في نضال الشيوعيين وترجم هذا التبني باطلاق “الحرس الشعبي” لمواجهة الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على قرى الجنوب اللبناني، ومن خلال اطلاقه جبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي ببيانه الشهير الى جانب الامين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم في 16 سبتمبر/ايلول عام 1982.

ان وصول الطبيب الياس جرادة الى البرلمان سيمثل ظاهرة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية

ولا شك ان حنا غريب النقابي العتيق والمحنك، وأحد أبرز مؤسسي “هيئة التنسيق النقابية” رداً على وضع قوى السلطة يدها على الاتحاد العمالي العام، قد سخر كل خبراته النقابية على مدى ما يقارب الاربعين عاما في معركة الانتخابات النيابية الحالية. ومن المعروف عن غريب عناده وصلابته ومثابرته في كل معاركه النقابية حيث عجزت كل قوى السلطة مجتمعة من موالاتها الى معارضتها في أن تلين عريكته، وفي هذه الانتخابات وبحنكته المعهودة، تمكن غريب وبالتشاور مع القادة الشيوعيين في الجنوب من اختيار نقطة الضعف الابرز في تحالف قوى السلطة وهي موقع اسعد حردان الذي تفرق من حوله رفاقه في الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد الخلافات التي عصفت بحزبهم في مؤتمرهم الاخير وانقسام القيادة الى قيادتين، كما استطاع غريب ان يشد العصب الحزبي لدى الشيوعيين في مختلف قرى الجنوب في دائرة حاصبيا مرجعيون التي تمتد الى بنت جبيل والنبطية، فتحرك الشيوعيون المنظمون منهم والذين هم خارج التنظيم كخلية نحل يسوقون للمرشح جرادة، وتبين الحضور الشيوعي موحدا من خلال الاف الاصوات التي حصل عليها جرادة في القرى الشيعية وهي بمعظمها أصوات شيوعيين خارج التنظيم الحزبي. كما كان لتحالف الشيوعي مع مجموعات المجتمع المدني في هذه الدائرة الانتخابية مقعدا نيابيا اخر هو المقعد الدرزي الذي ترشح له المصرفي مروان خير الدين وخسره لمصلحة المرشح المستقل فراس حمدان.

اما العامل الشخصي الذي ساهم في ايصال جرادة فهو انه كمعظم الاطباء الشيوعيين يحمل لقب طبيب الفقراء ومعروف عنه انه لا يرد مريضاً بسبب العوز المالي لديه كما انه من عائلة شيوعية لعبت دورا مهما في صفوف جبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال وتحظى باحترام كبير وسط ابناء بلدته ابل السقي التي كان احد ابناءها من ابرز قادة المقاومة الوطنية وهو القائد الراحل كمال البقاعي الملقب بـ”المعلم”، ومن المعروف ان احد اشقاء جرادة كان من القياديين الميدانيين المشهود لهم في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في سنوات تأسيسها الأولى.

ان وصول الطبيب الياس جرادة الى البرلمان سيمثل ظاهرة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية كما في حياة الحزب الشيوعي اللبناني لا سيما ان تركيبة المجلس النيابي التي نجمت عن الانتخابات الحالية ستجعل من كل نائب خارج منظومة قوى السلطة (معارضة وموالاة) يصنع فارقا عند كل محطة اساسية، لذلك، من السابق لاوانه الحكم كيف سيكون اداء النائب الشيوعي الياس جرادة في ظل اتهام الكثير من الاوساط الشيوعية خارج التنظيم لغريب بانه ينحرف يمينا بقيادته للحزب فيما تعتبره اوساط شيوعية سابقة وقريبة حاليا من قوى 14 اذار انه لا يقوم بما يلزم للابتعاد عن تحالف قوى 8 اذار.. لننتظر الياس جرادة ونرَ وكلنا أمل ألا يخيب الآمال.

إقرأ على موقع 180  هل يُفوّت الحراك اللبناني "اللحظة الحريرية"؟

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  دويّ "طوفان الأقصى".. لا عروبة بغيرِ فلسطين!