١٧ تشرين.. تنذكر وتنعاد

من السخافة إعتبار حركة ١٧ تشرين وليدة لحظة، ومن الأسخف نِسبةُ شرارتها إلى ضريبة الـ ٦ سنتات على تطبيق الواتساب.

لم تكن حركة ١٧ تشرين منظمة أو ممنهجة، ولا حركة سفارات أو جمعيات أو دول خارجية تتحكم بها وتديرها. تسويق تلك الأفكار أتى ضمن حملة شنّتها السلطة والاحزاب الحاكمة لشيطنة الانتفاضة وتخوينها وتقليب الرأي العام عليها لتصل الى مرحلة التشكيك بأهدافها.

كشفت حركة ١٧ تشرين عن وجود شروخ ضمن البنى الطائفية والمذهبية. كما لدى جماهير الأحزاب الحاكمة: من لم يقتنع بحملة الشيطنة، بقي مؤمناً بنوايا ١٧ تشرين، ومن صدّق الدعاية، بقي يدافع عن طائفته ويُهلل لزعيمه.

بعد مرور ٣ سنوات على إنطلاقة انتفاضة ١٧ تشرين، ثمة أسئلة مشروعة:

١- هل كانت تديرنا دولاً وجهات خارجية؟

مُضحكٌ من يعتبر أن دولة ما خارجية إستطاعت تحريك الشارع يوم ١٧ تشرين. هذه الدول التي نُتّهم بها هي بذاتها التي تدير الأحزاب الحاكمة منذ عشرات السنين ضمن لعبة المحاور. فمن هي هذه الدولة العظمى التي استطاعت في يوم واحد تحريك عشرات الآلاف من عدّة مناطق في اليوم ذاته؟ (للمفارقة، هذه “الدول” جمعت أهل السلطة كلهم على مائدة الترسيم البحري في أجواء من الحبور والسرور وممنوع التشكيك بنوايا أهل سلطتنا).

٢- هل كُنّا تابعين للسفارات؟

كل تلك الأحزاب الحاكمة تأخذ تعليماتها من تلك السفارات. راقبوا حركة السفراء جميعهم، وراقبوا نشاط السفارة الأميركية والسفيرة الأميركية تحديداً..

وكما أنه في بلد مكشوف أمنياً، تتغلغل كل أجهزة إستخبارات العالم، فإن أبسط الأمور أن تحاول العديد من الدول إستغلال الشارع لمصلحة ما أو لهدف معيّن ضمن لعبة الأمم، وهذا في صلب مهامها، لكن هل هذا يعني أن هذه الدول باتت تُحرّك الشارع المنتفض بأدق تفاصيله؟

مُضحكٌ من يعتبر أن دولة ما خارجية إستطاعت تحريك الشارع يوم ١٧ تشرين. هذه الدول التي نُتّهم بها هي بذاتها التي تدير الأحزاب الحاكمة منذ عشرات السنين ضمن لعبة المحاور. فمن هي هذه الدولة العظمى التي استطاعت في يوم واحد تحريك عشرات الآلاف من عدّة مناطق في اليوم ذاته؟

٣- هل كُنّا جمعيات؟

الجمعيات هم جزء لا يتجزأ من المجتمع منذ عشرات السنين. إنوجدت بسبب تقاعس الدولة. لو كانت الدولة تقوم بواجباتها في كافة القطاعات، لما وجدت الجمعيات. مع العلم أن كل الأحزاب الحاكمة والبلديات، على كافة الأراضي اللبنانية، مُستفيدة من وجود الجمعيات في مختلف أنشطتها، عدا أن العديد من الجمعيات أسّسها إمّا زعيم سياسي، أو زوجته، أو أحد أقربائه، فمن هو فعلياً المستفيد الحقيقي من تفريخ الجمعيات؟

٤- هل نحن تابعون لأحزاب السلطة؟

عندما بدأت انتفاضة ١٧ تشرين، حاولت بعض الأحزاب الحاكمة استغلال الحراك وركوب الموجة لتظهر نفسها على شكل معارضة. تلك الأحزاب التي حكمت على مدى سنوات، ودخلت في لعبة الفساد والمحاصصة، رفضت أن تتحمل المسؤولية، وفجأة قررت أن تختبئ تحت عنوان المعارضة. ولكن لم يطل هذا التنكّر بل إنكشف سريعاً.

١٧ تشرين إنتفاضة عفوية، سبقتها بيومين أزمة الحرائق. فمن تحرّك لينقذ البلد؟ الناس وليس الدولة.

١٧ تشرين لم تكن وليدة لحظة. هي نتيجة أزمات متراكمة على مدى عشرات السنين، وتقاعس الدولة عن القيام بدورها على كافة الأصعدة، بالإضافة الى فساد وجرائم الحكّام بحق الشعب!

١٧ تشرين سبقتها تحركات “خلصت ريحتكم” عام ٢٠١٥، وحملة اسقاط النظام الطائفي عام ٢٠١١ وغيرها من التحركات في الشارع على مدى سنوات!

١٧ تشرين تخطت المناطقية والطائفية، فنزلنا الى الشارع من كل المناطق ومن مختلف الطوائف. إبن الجنوب لم يكن يعرف إبن الشمال من قبل، وإبن الجبل لم يكن يعرف إبن البقاع.. تعرفوا على بعضهم البعض من خلال الزيارات والنشاطات المتبادلة فكسروا المتاريس التي وضعتها الأحزاب الطائفية بين المناطق!

١٧ تشرين لم تحرّكها لا الأحزاب ولا السفارات ولا الدول الخارجية بل الوجع والقهر والظلم.

صحيح أن الشارع إنكفأ، وخفّت وتيرة التحركات. لكن لا يمكن أن ننكر ما أحدثته إنتفاضة ١٧ تشرين وانتجته:

أولاً؛ تخلخل النظام، وتخبّط المسؤولين فيما بينهم بعد كسر قواعد الحياة السياسية التي تم تثبيتها على مدى ثلاثة عقود من الزمن، وهذا ما أظهرته أرقام نتائج الانتخابات النيابية ٢٠٢٢ على سبيل المثال لا الحصر.

ثانياً؛ إشراك جيل شاب واسع في الحياة السياسة بعد أن كان مهمشاً على مدى سنوات طويلة. أعطت ١٧ تشرين هذا الجيل الجرأة ليقول رأيه بحرية، وينخرط في العمل السياسي على كافة الأصعدة. كما أعطت الجرأة للمنظمين في الأحزاب الطائفية أن يخلعوا عباءتهم الحزبية ليتحرروا من الطائفية ولولائهم لزعيمهم.

لا شك أن البعض أحبط، البعض هاجر يائساً، والبعض الآخر لم يعد مؤمناً بالتغيير. لكن هناك من بقي في الشارع يدافع عن حقوق الناس، وهناك من دخل مجلس النواب ليقف الى جانب الناس من باب التشريع (بالاضافة الى النضال في الشارع) والبعض الآخر يتحرك من داخل النقابات لكسر هيمنة الأحزاب عليها. وهناك من أحدث التغيير في إنتخابات مجالس الطلاب الجامعية.

إقرأ على موقع 180  مئوية لبنان الكبير تستحق الإحتفال أم الجنازة؟

تلك الإنجازات، ولو كانت بسيطة ومتفرقة، لكنها أبقت في نفوسنا الأمل لتحقيق التغيير.

ندرك أن الواقع لن يتغيّر بالسهولة التي يظنّها البعض، فنحن نحارب نظاماً طائفياً عمره مائة سنة.

عندما سأل الفنان زياد الرحباني أحد المتصلين به ضمن برنامج “حوار العمر” عبر شاشة “إل بي سي” في التسعينيات الماضية: هل أنت مستعد للنزول في المظاهرات؛ رد عليه المتصل: إذا في نتيجة أكيد بنزل. فكان رد الرحباني مُعبّراً: “بدك تشارط قبل ما تنزل. شو بيعرفك إذا في نتيجة. ما صايرة قبل إنو شعب بيشارط إذا في نتيجة بينزل وإذا ما في نتيجة بيبقى بالبيت”.

Print Friendly, PDF & Email
يوسف كليب

ناشط سياسي، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  إنتخابات 2022: لبنان على أبواب حرب أهلية!