أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صعود قيس سعيد ونبيل القروي إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، في انتظار الإعلان النهائي بعد البت في الطعون، في مقابل سقوط شخصيات من الوزن الثقيل على غرار مرشح الإسلاميين عبد الفتاح مورو الذي حل ثالثاً، ورئيس الوزراء يوسف الشاهد ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي اللذين لم يبلغا العشرة في المئة من أصوات الناخبين.
هذه النتائج هي بمثابة تعبير عن تصويت عقابي لمرشحي وأحزاب منظومة الحكم التي تقود الحكومة التونسية منذ انتخابات 2014 (“حزب النهضة” و”نداء تونس”)، مقابل صعود سعيد والقروي ويمكن تصنيفهما على انهما من خارج منظومة الأحزاب التقليدية التي تداولت على حكم البلاد منذ سنوات.
وتكمن المفاجأة في تفوق المرشّح قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري المعروف، الذي لا يتمتع بدعم أحزاب سياسية او شخصيات بارزة، وتخلى عن التمويل العمومي، وقام بحملة انتخابية بدائية من دون مكاتب اتصال او إعلانات انتخابية، فجاب محافظات البلاد مع رفاقه بسيارته المتواضعة، وأجرى معظم لقاءاته مع أنصاره في المقاهي الشعبية.
هذا المرشّح تغلب على مرشحين أنفقوا مبالغ طائلة على الإعلانات الانتخابية وشركات الاتصال واستمالة رجال الاعمال البارزين والطبقة المثقفة، وعلى رأسهم يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي، كما تغلب سعيد على مرشح “حركة النهضة” الإسلامية التي تُعرف على انها الحزب الأكثر تنظيماً وانتشاراً في تونس.
وبحسب ما قال الشاب كريم، وهو طالب يشارك للمرة الأولى في الانتخابات، فإنّ قيس سعيد يمثل استمرار مسار الثورة ومواجهة النظام الذي يقمع الشباب بمختلف اتجاهاتهم، ويعتبر أن هذه “الشخصية النظيفة المتعففة عن الحكم والظهور الإعلامي” بعيدة عن اللوبيات المالية والسياسية، فهو بنظره “أستاذ قانون دستوري محترم متواضع ينادي بتبني الديموقراطية الشعبية المباشرة بديلاً عن الديموقراطية التمثيلية”.
الجانب الآخر من “الصدمة” تمثل في احتلال نبيل القروي المركز الثاني الذي يؤهله لمنافسة قيس سعيد في الدور الثاني. نبيل القروي صاحب القناة التلفزيونية التي عملت طيلة الحملة الانتخابية وقبلها لصالحه من دون بقية المرشّحين، جاب البلاد شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، تحت عنوان العمل الخيري وتقديم المساعدات الغذائية والطبية للفقراء ليقوم بحصد ما زرعه طيلة سنوات في يوم الاقتراع، ويحتل المركز الثاني بالرغم من أنه يقبع في السجن منذ شهر بتهمة التهرب الضريبي وغسيل الاموال، علماً بأنه كان من ابرز المساهمين في فوز الراحل الباجي قائد السبسي وحزبه “نداء تونس” في انتخابات العام 2014 .
ويقول العم صالح، وهو عامل يومي من ضاحية تونس الجنوبية في العقد الخامس من عمره، إنّ نبيل القروي “يستحق صوته عن جدارة لأنه يساعد الفقراء ويذهب إليهم في قراهم البعيدة”، وهو يعتبر أن “اعتقاله ليس سوى اعتقال سياسي بهدف ابعاده من السباق الرئاسي لأنه كشف كذب الحكومات المتعاقبة التي لم تقدم شيئاً للفقراء”.
وبحسب ارقام نشرتها إحدى شركات سبر الآراء فإن قيس سعيد تمكن من استمالة جزء كبير من الناخبين الشبان الذين تترواح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، فيما حظي نبيل القروي بدعم جزء كبير من الفئات العمرية المتقدمة وبخاصة ذات المستوى التعليمي المتدني.
نفس المنطق الذي دفع بالناخبين الى اختيار قيس سعيد هو الذي دفعهم إلى اختيار نبيل القروي، وهو منطق اختيار اشخاص من خارج المنظومة الحاكمة والأحزاب التقليدية التي تحكم البلاد منذ سنوات. قد يتهمهم خصومهم بالشعبوية و”اللعب على عواطف الناخبين واستغلال فقرهم وجهلهم”، ولكنهم لم يقدموا بديلاً يستقطب الناخبين بقدر ما قدّمه قيس سعيد ونبيل القروي: خطاب بسيط يفهمه الناخب البسيط، ويناهض منظومة الحكم التي يحملها الناخبون مسؤولية الوضع المتردي في البلاد.
من جهة أخرى، كان تشتت بقية التيارات السياسية عاملاً حاسماً في صعود قيس سعيد ونبيل القروي حيث تقدمت عن قوى اليسار ثلاث شخصيات بارزة (حمة الهمامي ومنجي الرحوي وعبيد البريكي)، كما ترشح ستة قيادات بارزة من التيار الليبرالي الحداثي (أبرزهم يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي ومهدي جمعة ومحسن مرزوق وسعيد العايدي وناجي جلول)، في مقابل ترشح كل من عبد الفتاح مورو والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي ولطفي المرايحي وسيف الدين مخلوف عن التيار الإسلامي والتيار المحافظ.