اوليفر: انهار الاتحاد السوفياتي، وقامت روسيا الاتحادية برئاسة بوريس يلتسين. كنتُ في سانت بطرسبورغ في بداية العام 1992 والتقيت سابتشاك. ربما التقيت بك – من يدري؟ – طالما أنك كنت مساعده في ذلك الوقت.
بوتين: أنا لا أتذكر، لكنني أريد أن أقول بكل صدق إن سابتشاك كان شخصاً حقيقياً وواثقاً بالايديولوجية الديموقراطية، ولكنه كان عدواً مطلقاً لسقوط الاتحاد السوفياتي
اوليفر: كان ضد الانهيار. فعلاً كانت اوقاتاً رائعة .اوقاتاً مثيرة. تبين، ان هناك مولوداً جديداً . لكن لا احد يعرف كيف ستكون الوجهة. كان هناك المافياويون. كانوا موجودين بالفعل- أناس مختلفون – ارتدوا البسة بشكل جديد … كنتُ في الاتحاد السوفياتي عام 1983 ، في فترة حكم بريجنيف، لقد لفتني شيء ما . ولهذا عندما عدت بعد سبع او ثماني سنوات ، بدا كل شيء بالنسبة لي غير واقعي . سابتشاك دعانا الى مطعم فاخر، وقد امضينا وقتاً ممتعاً معه.
بوتين: نعم، ولكنني في الوقت ذاته، أريد ان الفت انتباهك الى انه عندما ظهرت هذم المطاعم الفاخرة، تم تدمير نظام الحماية الاجتماعية، وتعطيل معظم القطاعات الاقتصادية. عملياً، تم ضرب قطاع الصحة، وصارت القوات المسلحة في وضع مُزرٍ، والملايين من الناس اصبحوا على حافة الفقر. يجب ألا ننسى هذا. عن هذا الأمر يجب أن نتحدث.
أوليفر: نعم، هكذا انقلبت الامور. انتم انتقلتم الى موسكو عام 1996، وتوليتم رئاسة الامن الفدرالي الروسي (“كي جي بي” سابقا) لفترة 13 شهراً…
بوتين: كلا، ليس مباشرة. انتقلت الى موسكو، وكان من المفترض ان أعمل ضمن فريق ادارة الرئيس بوريس يلتسين. وقد بدأت العمل في قسم التوجيه التابع للرئيس في الجانب الحقوقي، وترأستُ قسم مراقبة التوجيه. هذا القسم كانت مهمته المراقبة والتأكد من عمل ونشاط الحكومة، بالاضافة الى متابعة الادارات الاقليمية. وبعد ذلك، أصبحتُ مدير خدمة الامن الفدرالي(“اف أس بي”).
اوليفر: مفهوم ، وفي هذا المركز، بحسب ما فهمت، كان من الواجب عليكم ان تعرفوا ماذا يحصل. كانت هناك فوضى عارمة .
بوتين: طبعاً لقد رأيت ذلك. اتعلم؟ لقد سمعت الكثير من النقد في ما يخصني، ولا سيما في ما يتعلق بأسفي على سقوط الاتحاد السوفياتي. اولاً، والأهم، هو انه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي اصبح هناك 25 مليون مواطن روسي خارج الحدود، وهذا طبعاً عدد ضخم. يمكن اعتبار ذلك من اضخم المآسي التي حصلت في القرن العشرين. الناس الذين عاشوا في بلد واحد، وكانوا مرتبطين بعلاقات اسرية، ناهيك عن العمل، والبيوت، والشقق، والتساوي في الحقوق… في لحظة واحدة، وجدوا انفسهم خارج الحدود. برزت بداية في البلاد عوامل سلبية مختلفة، ومن ثم حرب اهلية كبيرة، وقد رأينا ذلك بشكل جلي، وبالاخص عندما أصبحتُ مديراً للامن الفدرالي.
اوليفر: عام 1999 اصبحتَ رئيساً للحكومة. يلتسين قدم استقالته عام 2000 . كان واضحاً ما وصل إليه. يكفي ان نشاهد أحد المؤتمرات الصحافية أو الأفلام عن السيد يلتسين لنكتشف أنه كان يعاني من ادمانه على الكحول. نظراته كانت تفضحه… كيف كان يتحدث عندما ينظر الى الكاميرا، وكيف كان يتحرك بشكل متعرج.
بوتين: لا اعتقد أنني أملك الحق لكي أقدم أية ملاحظات جدية تتعلق بعمل غورباتشوف او شخصية يلتسين. قلتُ ان غورباتشوف لم يفهم ما العمل، وما هي الاهداف، وكيف يمكن العمل على تحقيقها. ولكن في كل الاحوال، فإنه قام بالخطوة الاولى نحو اعطاء الحرية للبلاد. وهذه خدمة تاريخية، وهذا عامل واضح. والشيء نفسه فعله يلتسين. هو وكل شخص منا كانت لديه مشاكله، ولكن كانت لديه جوانبه القوية. ومن هذه الجوانب القوية انه لم يحاول ولو لمرة واحدة التهرب من المسؤولية . لقد كان في موقع اتخاذ المسؤولية وتحمّلها، بالرغم من الكثير من المشاكل التي كانت لديه. وفي ما يخص ما قلتم… نعم ، كانت لديه آثام يخفيها، نعم كان هذا صحيحاً.
أوليفر: فقط على سبيل الحشرية… على حد معرفتي بأقوال خروتشوف ، ان ستالين كان يجبره على الجلوس معه على الطاولة (لتناول كأس)… هل حصل وتناولت الكحول مع يلتسين؟
بوتين : إطلاقاً. أولا، لم أكن من المقربين اليه، ولم اكن صديقاً او ضمن المجموعة المحيطة لا غورباتشوف ولا يلتسين . في ما يخص انه قام بتعييني مديراً للامن الفدرالي، كانت تلك مفاجأة غير منتظرة بالنسبة لي. ثانياً، انا لست من مدمني الكحول. ثالثاً، كنا نلتقي مع بوريس نيكولايفتش فقط اثناء العمل، ولم يحصل مرّة واحدة أن رأيته ثملاً خلال تلك اللقاءات.
اوليفر: حتى ولو قليلاً ؟
بوتين : لا اعرف ، لم أتحقق، ولم اتشمم الرائحة . اقول لك بكل صدق، أنني لم اذهب معه الى الصيد، ولم أقض معه اوقاتاً خاصة، فقد كنت التقيه في مكتبه اثناء العمل، ولم أشرب معه أي قدح من الفودكا .
اوليفر: رائع. رؤساء حكومات كانوا يدخلون ويخرجون بشكل غير منتظر، وأصبحتم أتم رئيساً للوزراء… ماذا بعد؟
بوتين: كما تعلمون ، هذا تاريخ طريف . لقد جئت من لينينغراد – من سانت بطرسبورغ – الى موسكو عام1996، وعملياً، وبالمجمل، لم يقدم لي أحدٌ أية مساعدة أو دعم، ولم تكن لديّ علاقات قوية. عام 1996 انتقلت إلى هناك، وفي الاول من كانون الثاني/يناير عام 2000 اصبحت القائم التنفيذي باعمال الرئيس . من وجهة النظر الاولية للتاريخ هذا أمر لا يُصدق، هذا من حيث المبدأ.
اوليفر: نعم
بوتين: عن ذلك، اريد ان اخبرك بأنه لم تكن لديّ أية علاقات خاصة مع بوريس نيكولايفتش يلتسين ولا مع فريق عمله، ولكن هذا الذي حصل .
اوليفر: قدم رئيس الوزراء استقالته، وقال (يلتسين): ” لقد حان الان دورك”…
بوتين : اعتقد في كل الاحوال أنه كان يملك تصوراً ، واختار. قد يكون اتخذ قراراً بالخروج. ولهذا ، راح يقوم بتغيير الكثير من رؤساء الحكومة، الواحد تلو الآخر، وتقريبا كل نصف سنة. لا اعرف لماذا وقع خيار يلتسين عليَّ بالتحديد .على الاقل، هناك كثيرون عملوا قبلي، وكانوا من الاشخاص الاكفاء. احدهم، للأسف، رحل عن الحياة . انه السيد (يفغيني) بريماكوف… ولكن عندما طلب مني يلتسين في المرة الاولى رفضت .
اوليفر: رفضتم ؟ لماذا؟
بوتين : نعم… كنت في غرفة مجاورة. دعاني وقال انه يريد ان يسميني رئيساً للوزراء، وأنه ينبغي عليّ بعد ذلك أن أترشح لرئاسة الدولة. اجبت بأن هذه مسؤوليات كبيرة ستدفعني إلى تغيير نمط حياتي كلياً، وأنني لست واثقاً ما اذا كنت جاهزاً للقيام بذلك. قال سنعود الى هذا الحديث لاحقاً.
اوليفر: كيف يمكن أن تتغير حياتك؟ اقصد وانت منذ فترات طويلة كنتَ تعمل في المؤسسات الحكومية؟
بوتين: كلا، في كل الاحوال هذا عمل آخر ومختلف. أن تعمل موظفاً شيء، وأن تتولى الرئاسة شيء آخر. حتى وإن كنتَ في موقع مسؤول كبير يمكنك ان تعيش حياتك كباقي الاشخاص… ان تذهب الى السينما والمسرح ، أن تجتمع مع الاصدقاء، ولا تتحمل مسؤولية شخصية تجاه الآخرين. أما ما يحصل معك كرئيس للبلاد ، فهو أن عليك تحمل مسؤولية مصير الملايين من الناس ، وأن تأخذ على عاتقك مسؤوليات كبرى. هذا الأمر في أوضاع روسيا ليس بالعمل السهل. اكثر من ذلك، في آب/ اغسطس 1999، عندما دعاني بوريس يلتسين لتولي منصب رئاسة الوزراء، وصوّت البرلمان على ذلك، بدأت حرب الشيشان الثانية في روسيا. كانت هذه التجربة صعبة للبلاد. صراحةً ، لم اكن اعرف ما هي المشاريع المتصلة بالعلاقة مع بوريس يلتسين، ولكن الوضع كان على الشكل التالي: لقد بات عليَّ أن آخذ على عاتقي المسؤولية، ولكنني لم أكن اعرف الوقت المتاح لي. كان يمكن ان يقول لي الرئيس في أية لحظة “انت حر” … فكَّرتُ حينها بأمر واحد: ” أين اخبئ الاطفال؟”.
اوليفر: حقاً؟ وماذا فعلتم؟
بوتين : طبعاً، ماذا تعتقدون؟ الوضع هناك كان دقيقاً للغاية. تصوّر لو أنني جُرِّدت من مسؤولياتي، وصرت من دون حراسة … ما العمل؟ كيف أعيش؟ كيف احمي العائلة ؟… حينها رأيت انه اذا كان القدر مقدّراً لي يجب عليّ الذهاب حتى النهاية، ولم اكن أعرف آنذاك بنسبة مئة في المئة أنني ساكون رئيساً… لم يقدّم أحد ضمانات جدية على هذا الصعيد .
اوليفر: هل سبق أن حضرت لقاءات يلتسين مع الاوليغارشيين؟
بوتين: طبعاً.
اوليفر: هل رأيتهم، هل كان يلتسين متماسكاً؟
بوتين: بالطبع … بما يكفي وبشكل جدي ورسمي.كا ن يلتقي بهم ليس كمجموعة اوليغارشية، بل كرجال اعمال كبار، حيث كان الامر يتعلق بمصير الكثير من الناس وعلاقتهم بكبار رجال الاعمال او الممثلين عنهم.
اوليفر: الم يكن لديك إحساس بأن يلتسين يخادع او يتزلف؟
بوتين: هو لم يكن يعرف ذلك. بوريس نيكولايفتش كان شخصاً لبقاً. يمكنك ان تحمله المسؤولية عن تلك الفترة. كان يصدّق اكثر من اللزوم. لم تكن لديه علاقات مباشرة مع الاوليغارشيين، ولم تكن له على وجه الخصوص مشاريع خاصة معهم .
اوليفر: هل حصل في وقت ما أن التقيت (بوريس) بيريزوفسكي او من هم على شاكلته؟
بوتين: طبعاً… مع بيريزوفسكي كنا قد التقينا قبيل هذه اللقاءات، أي قبل انتقالي الى موسكو
اوليفر: كيف ؟ هل كانت اللقاءات ودية؟
بوتين :إطلاقاً. لم تكن بيننا علاقات صداقة. هكذا تعارفنا: اثناء عملي في سانت بطرسبورغ ، جاءنا طلبٌ من موسكو بأن نستقبل احداً ما لم اعد اذكر اسمه، لكنه كان احد النواب الاميركيين. كان قادماً من تبيليسي واراد ان يلتقي سابتشاك. وبما اني كنت المسؤول عن العلاقات الخارجية في المدينة عهد اليَّ بتنظيم اللقاء. اخبرت سابتشاك بالأمر، فوافق. كان هذا السيناتور الاميركي يصطحب معه بيريزوفسكي نفسه . هكذا تعارفنا والمفارقة انه غفى اثناء اللقاء.
اوليفر: بيريزوفسكي رجل ذكي، ولا شك انه اعجب بك. كان يفكر ويراقب كيف يمكنه إقامةعلاقة معك… اليس كذلك؟ وقد اعتقد أن هذا الأمر قد يكون مفيداً لكليكما؟
بوتين : إطلاقاً. إسمع … اذا كان هو قد فكر بشيء، فقد فكر فقط في كيفية توطيد علاقاته مع سابتشاك وليس معي او التقرب مني.
ترجمة فؤاد خشيش