ومع أول يوم من ربيع العام 1974 وصلتنا النجدة التي أنقذتنا من حيرتنا وترددنا الذي استطال أكثر مما يجب في اختيار رمز “السفير”.
ومع أول يوم من ربيع العام 1974 وصلتنا النجدة التي أنقذتنا من حيرتنا وترددنا الذي استطال أكثر مما يجب في اختيار رمز “السفير”.
من حظنا، أبناء جيلي وأنا، اننا عشنا، مرة، في ظلال الضمير، وتقدمنا خطوة ـ خارج النظام، في اتجاه بناء الدولة..
ليست الكتابة عن يوسف برجاوي إلا عبارة عن إستعادة لبعض تاريخ “السفير”، فلطالما كان “ابو فراس” طوال أربعين عاماً رفيق سلاح، بكل معنى الكلمة، ولطالما كانت “السفير” بيته وحضنه والأوكسيجين الذي يتنفسه يومياً.
عندما عاد جمال عبد الناصر ورفاقه مهزومين في ميدان مواجهة العصابات الصهيونية التي كانت تشرع في بناء دولتها “اسرائيل” كانت فكرة “الثورة” قد اختمرت في وجدانه.. وهكذا اندفع يجري الاتصالات مع بعض القوى السياسية التي توسم فيها الخير، بينما انهمك - في الجانب الآخر- في بناء تنظيم عسكري اعداداً للثورة.
جاء إلينا عدنان الحاج، وكنا في الطريق، ليكون "الترجمان" الخاص للإقتصاد، تحت رعاية عصام الجردي، وعندما "تمكن" صُرنا نقول له في إجتماعات هيئة تحرير "السفير": "هات لنا يا كابتن من يُترجم لنا أرقامك ومقالاتك"!
مُجدداً، أطلّت علينا القدس، بأطفالها وشبابها ونسائها وشيوخها، عنواناً لكرامتنا الوطنية والقومية المهدورة والمستباحة. شاهدناهم وكأنهم للتو يتعرفون على الأرض والتراب والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وكل نقطة تراب على أرض فلسطين.
لم يكن 13 نيسان/أبريل 1975 يوماً مفاجئاً لي. عندما غادرت منزلي في شارع أسعد الأسعد في الشياح، كعادتي كل صباح، متوجهاً إلى "السفير" في نزلة السارولا في الحمرا، كنت أرى في الشوارع والأزقة والأحياء الضيقة وجوهاً كئيبة وقلقة، فالناس تركض إلى يومياتها من خبز ومأكل ومشرب وملبس، وما لم يكن مُنتظراً أن يكون هذا تاريخ بداية حربنا الأهلية التي إندلعت شرارتها الأولى من شارع قريب من منزلي في عين الرمانة.
تسنى لي أن اعرف «الهيكلين»: الأول، محمد حسنين هيكل القريب من جمال عبد الناصر إلى حد اعتباره المعبّر الدقيق عن آرائه، المبشر برؤيته التاريخية، والناقل الأمين لأفكاره ومواقفه؛ الثاني، محمد حسنين هيكل صاحب التجربة الغنية والذاكرة الهائلة التي لا تنسى رجلاً أو واقعة أو حدثاً.
تكتب فلسطين، بدماء أهلها في غزة هاشم، فصلاً جديداً من التاريخ المضاد للتاريخ الرسمي العربي الآخذ إلى التيه في صحراء الاستسلام للعدو الإسرائيلي.
ما زال وجهي يحمل الشهادة بأنني قد نجوت من الموت بالمصادفة، وان من حاول اغتيالي، ومن معي، بعد منتصف ليل الرابع عشر من تموز/يوليو 1984، امام باب منزلي، قرب فندق البريستول في منطقة رأس بيروت، قد انصرف من مسرح الجريمة ليبلغ من ارسله بأن المهمة قد تم تنفيذها بنجاح وان المكافأة حق مستحق.. وفوراً.