مع حلول أواخر ديسمبر/كانون الأول 2019، بدأ الأطباء في مدينة ووهان بوسط الصين بالقلق بشأن مرضى في مستشفياتهم كانوا يعانون نوعا غير عادي من الالتهاب الرئوي.
مع انتشار المرض الغامض في أحد المراكز الصناعية الرئيسية في الصين، حاول البعض تحذير زملائهم من أخذ المزيد من الحيطة في العمل، لأن المرض يشبه سارس (المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة)، وهو مرض تنفسي قاتل أودى بحياة مئات الأشخاص في 2002 ـ 2003.
أحد أولئك الذين حاولوا توجيه الإنذار، على الرغم من أنه الوحيد بين عدد قليل من زملاء الدراسة في كلية الطب، كان لي وين ليانغ، طبيب عيون صيني يبلغ من العمر 33 عامًا. قال إن سبعة أشخاص كانوا في عزلة في المستشفى، ويبدو أن المرض هو فيروس كورونا من نفس عائلة سارس.
في مطلع كانون الثاني/يناير 2020، استدعت الشرطة لي، ووبخته لأنه أقدم على “نشر الشائعات على الإنترنت”، وأُجبِر على توقيع ورقة يعترف فيها بـ”الجنحة” ووعد بعدم تكرارها.
سرعان ما انتشرت العدوى بين المرضى، وأعلنت الحكومة الصينية في 23 كانون الثاني/يناير عن إغلاق غير مسبوق لمدينة ووهان ومقاطعة هوبي المحيطة بها.
بعد أسبوعين، وتحديدا في 7 شباط/فبراير، توفي لي وينغ ليان، الذي أصيب بفيروس كورونا في المستشفى التي يدرس فيها، بسبب الحالة التي حاول التنبيه منها، وترك وراءه زوجة وطفلا صغيرا.
أصبح لي الوجه الجديد للمرض الغامض. تصدرت قصة وفاته وصوره في سرير المستشفى وهو يرتدي قناع الأوكسيجين عناوين وسائل الإعلام العالمية، بما في ذلك المملكة المتحدة.
وبينما أصبح علماء المملكة المتحدة والباحثون في الطب أكثر قلقا، وهم يدرسون الأدلة الآتية من الصين، فإن أولئك الذين كانوا الأكثر قلقا لم يوصلوا رسائلهم إلى المناصب (السياسية) العليا.
تشتت الانتباه
كانت لدى حكومة المحافظين برئاسة بوريس جونسون انشغالات أخرى ملحة بداية هذا العام. كان جونسون لا يزال مستمتعًا في نجاحه في الانتخابات العامة في كانون الأول/ديسمبر الماضي. بعد أن عاد من عطلة كاريبية احتفالية مع خطيبته كاري سيموندز، بدا أن الجو السياسي لرئيس الوزراء كان مناسبًا. لقد كان وقت شهر العسل.
بعد ثلاث سنوات ونصف من استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، كانت المملكة المتحدة على وشك مغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني/ يناير(…). تم التعامل مع الوضع الناشىء عن كورونا بثقة مفرطة، يقول أحد كبار المحافظين. كان جونسون يعد تعديلا وزاريا كبيرا لتأكيد سلطته بعد أن أنجز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنجاح.
في ظل غياب قيادة فعالة لحزب العمال بعد هزيمته الرابعة على التوالي في الانتخابات، لا معارضة كبيرة تزعج جونسون على أية جبهة على الإطلاق، وبالتأكيد لم يكن هناك أحد يطرح أسئلة صعبة حول فيروس كورونا.
أعاد جونسون تشكيل فريق حكومته في 13 شباط/فبراير، أي بعد خمسة أيام من وفاة الطالب الطبيب لي وينغ ليان في ووهان. قام بتغييرات كبيرة لكنه احتفظ بشكل غير مفاجئ بمات هانكوك ـ ذي اليدين النظيفتين حتى ذلك الحين ـ وزيرا للصحة.
يبدو أن بوريس جونسون كان لا يزال فرحا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. كان أي تلميح بإتخاذ اجراءت قاسية لمحاربة فيروس كورونا الذي قد يضر بالاقتصاد، هو آخر شيء يمكن أن يفكر به
في إشارة إلى حيث تكمن الأولويات – وعدم القلق من أن أزمة محتملة قد تكون في طريقها إلينا من الشرق – لم يضيع هانكوك وقتًا في تسجيل مقطع فيديو لنفسه وهو يبتسم بسعادة في يوم التعديل الوزاري، وتحدث فيه عن “التعامل مع فيروس كورونا.. والحفاظ على السلامة العامة” قبل أن يضيف مبتسما: “الآن دعونا نعود إلى العمل”!
ربما يكون من السابق لأوانه الاستنتاج على وجه اليقين بأن جونسون وهانكوك وفريق الحكومة بأكمله من مستشارين علميين وطبيين في القيادة، كانوا نائمين. لكن الحقيقة أن جونسون وهانكوك بالاشتراك مع الكثير من موظفي داونينج ستريت، اصيبوا بفيروس كورونا أو يعانون من أعراضه، ما يؤشر أيضا إلى أن الأشخاص في المناصب العليا لم يكونوا حذرين كفاية.
الآن، بعد 11 أسبوعًا من الحالات الأولى المؤكدة في المملكة المتحدة ـ تحديدا في 31 كانون الثاني/يناير – وهي الفترة التي توفي خلالها أكثر من 16000 شخص (وربما عدة آلاف اخرين عندما يتم إحتساب حالات الوفيات في الرعاية المنزلية) جراء Covid-19.
نحن نعلم أن دولًا أخرى، مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان ونيوزيلندا، ستخرج من هذه الأزمة، وقد كان أداءها أفضل بكثير من أداء المملكة المتحدة. قبل بضعة أسابيع، قال مستشارو الحكومة بصراحة أن أقل من 2000 حالة وفاة ستكون “نتيجة جيدة للغاية” للمملكة المتحدة.
الآن، يعتقد العديد من الخبراء أن المملكة المتحدة قد تخرج من هذه الأزمة، متى كان ذلك ممكنًا، مع واحدة من أسوأ السجلات في مكافحة فيروس كورونا بالمقارنة مع أي دولة أوروبية أخرى. بمجرد حساب العدد الكامل، يتوقع أن يكون عدد الوفيات ليس أقل من 20000 حالة.
وعلى النقيض من ذلك، كانت ألمانيا تقول يوم الجمعة الماضي إنها تعتقد أنها تمكنت من السيطرة على فيروس كورونا بشكل كبير. كان لديها 3868 حالة وفاة، أي أقل من ثلث الإجمالي في المملكة المتحدة (يبلغ عدد سكان ألمانيا، 83 مليونًا)، وذلك بعد أن أجرت اختبارًا واسعًا لـ Covid-19 بشكل مبكر، بعكس المملكة المتحدة التي فشلت في القيام بتلك الفحوصات.
كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ وهل فشلت المملكة المتحدة ببساطة في الاستجابة للتحذيرات؟ أم أنها قررت اتخاذ قرارات مختلفة، بينما قام الآخرون بإجراءات بديلة لإنقاذ الأرواح؟
تزداد شدة التحذيرات
يقول ديفيد نابارو، أستاذ الصحة العالمية في جامعة إمبريال كوليدج في لندن، ومبعوث منظمة الصحة العالمية ل- Covid-19، إن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا. لقد تم تحذير جميع الحكومات بشأن مدى خطورة الوضع في نهاية كانون الثاني/يناير. لا يمكن أن يكون الجهل بالخطر القادم عذراً. ومع ذلك، لم يعلن جونسون عن إغلاق كامل حتى أواخر اذار/ مارس بعد أن سبقته إلى ذلك الكثير من الدول.
يضيف نابارو: “كانت منظمة الصحة العالمية تتابع تفشي المرض منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر، وفي غضون أسابيع قليلة، دعت إلى اجتماع طارئ لتحديد ما إذا كان هذا الانتشار “حالة طارئة للصحة العامة ذات أهمية دولية”.
“هذا هو أعلى مستوى من التنبيه الذي يمكن أن يصدر عن منظمة الصحة العالمية، وقد أصدرته في 30 كانون الثاني/يناير. لقد أوضحت حينها – لكل دولة في العالم – أننا نواجه شيئًا خطيرًا جدًا بالفعل”، يقول نابارو.
قبل نهاية كانون الثاني/يناير، كانت منظمة الصحة العالمية تتابع التهديد المتزايد بدقة: كان 14 كانون الثاني/يناير يومًا مفصليا في انتشار المرض الذي سيعرف باسم Covid-19. تم تأكيد الحالة الأولى خارج الصين، مع إدخال امرأة إلى المستشفى في تايلاند.
حذر مسؤول في منظمة الصحة العالمية في ذلك الوقت بأنه من المحتمل أن ينتقل من شخص لآخر – وهي علامة على أن المرض قد ينتشر بعيداً وبسرعة – داخل الصين. هذا الإعلان لم يحظ بإهتمام دولي.
رسميا، لم تشهد الصين حالة جديدة من فيروس كورونا لأكثر من أسبوع. حاولت تكريس إنطباع أن الوباء يتلاشى. استغرق الأمر ستة أيام أخرى لكي تعترف الصين علناً بخطورة التهديد (الإنتشار)، وهو الوقت الذي يعتقد العلماء أنه أدى إلى إصابة 3000 شخص آخرين في الصين.
في 20 كانون الثاني/يناير، أعلن المسؤولون الصينيون عن أكثر من 100 إصابة جديدة واعترفوا بأن الفيروس ينتشر بين البشر، وهو علامة إنذار تثير القلق. بعد ذلك بيومين، تم توضيح حجم التحدي لعامة الناس عندما عزلت بكين الملايين من الناس. تم قطع جميع وسائل النقل من وإلى مدينة ووهان، وهو حجر صحي حديث غير مسبوق ستكون له كلفة بشرية واقتصادية ضخمة.
في 29 كانون الثاني/يناير، ستشهد المملكة المتحدة أول حالتين مؤكدتين للمرض. في أوائل شباط/فبراير، أعلن دونالد ترامب حظرًا على المسافرين الذين مروا عبر الصين في الأيام الـ 14 السابقة. بدأت أوروبا اختبارًا مركّزًا للأشخاص الذين يعانون من الأعراض وتاريخ سفرهم يربطهم بالمرض، ولكن لا شيء غير ذلك.
يبدو أن بوريس جونسون كان لا يزال فرحا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. كان أي تلميح بإتخاذ اجراءت قاسية لمحاربة فيروس كورونا الذي قد يضر بالاقتصاد، هو آخر شيء يمكن أن يفكر به.
في عرض واضح للتحدي ضد الذين يريدون الإغلاق، حضر جونسون وخطيبته كاري سيمونز مباراة الركبي بين إنجلترا وويلز في تويكنهام في 7 اذار/مارس
“مناعة القطيع”
بحلول أوائل اذار/مارس، كان من الواضح تمامًا للعديد من الأكاديميين والعلماء أن النهج الذي تتبناه المملكة المتحدة كان مختلفًا بشكل ملحوظ عن النهج الذي اتبعته دول أخرى. من كوريا الجنوبية إلى ألمانيا، استثمرت الحكومات بكثافة في توسيع قدرة الاختبار منذ الأسابيع الأولى للوباء.
فرضت هونغ كونغ وتايوان وسنغافورة ضوابط على المسافرين من المناطق المصابة وتم الطلب إليهم إلتزام العزل الذاتي. أصبحت أقنعة الوجه منتشرة في شرق آسيا، قبل وقت طويل من التوصية بها في أي مكان آخر.
نهج بريطانيا كان مختلفًا. أشار البروفيسور ديفي سريدهار، رئيس الصحة العالمية في جامعة ادنبره، في مقالة له في “الأوبزرفر” الشهر الماضي، إلى نهج المملكة المتحدة المتميز. “بدلاً من التعلم من البلدان الأخرى واتباع نصيحة منظمة الصحة العالمية، التي تأتي من خبراء لديهم عقود من الخبرة في معالجة تفشي المرض في جميع أنحاء العالم، قررت المملكة المتحدة اتباع مسارها الخاص. يبدو أن هذا يدل على أن الفيروس لا يمكن إيقافه وربما يصبح عدوى موسمية سنوية”.
“إن الخطة ـ كما أوضح كبير المستشارين العلميين ـ هي العمل من أجل مناعة القطيع”، أي جعل غالبية السكان يصابون بالفيروس، وتطوير الأجسام المضادة ومن ثم أن يصبحوا محصنين ضدها.
لم تكن المملكة المتحدة وحدها التي كان ساستها ومستشاروها العلميون يعملون ببطء في المراحل الأولى. دول أخرى، بما في ذلك إسبانيا وفرنسا، إرتكبت الخطأ ذاته أيضًا، ولكن المأساة الإيطالية هي التي حذرت أوروبا من حجم التهديد الذي تواجهه.
اضطرت الحكومات والمواطنون الأوروبيون إلى رؤية الواقع وأن آلاف الأميال التي تفصلهم عن الصين، لا تعني شيئًا على الإطلاق. كان الآلاف من البريطانيين يقضون عطلة في إيطاليا في الأسبوع الذي أغلقت فيه. وقد تم نصحهم بالخضوع للحجر الصحي عند عودتهم، ولكن لم يتم تسجيلهم من قبل السلطات الصحية، ولم يتم تعقبهم بعد عودتهم.
بدأت الحالات ومن ثم الوفيات في الارتفاع بشكل حاد في شمال إيطاليا في أواخر شباط/فبراير. تم إغلاق عشرات البلدات ولكن في بقية أنحاء البلاد استمرت الحياة كالمعتاد. سرعان ما اتضح أن المشكلة لم يتم احتواؤها. في 8 اذار/مارس، قام رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، بطلب الحجر الصحي على 16 مليون شخص في جميع أنحاء شمال البلاد، وفي اليوم التالي مدّد الإغلاق ليشمل كل إيطاليا.
أنقذت هذه الإجراءات أرواحا كثيرة، لكنها جاءت متأخرة جدًا بالنسبة لآلاف الإيطاليين. وتفوق عدد القتلى على الصين، وبدا العالم مرعوبا حيث كانت المستشفيات غارقة، واضطر الأطباء إلى اختيار من يجب أن تكون لديه فرصة على جهاز التنفس الصناعي ومن يجب أن يموت. في 11 اذار/مارس، أعلنت منظمة الصحة العالمية كوفيد ـ 19 وباءً عالميًا. في 14 اذار/مارس، تم إغلاق إسبانيا، وبعد ثلاثة أيام قامت فرنسا بالشيء نفسه.
ولكن المملكة المتحدة تعاملت بتردد وإرتباك. كان المستشارون الحكوميون يحذرون الوزراء من أن الشعب قد يتفاعل بشكل سيئ مع الإجراءات القاسية ولن يتسامح معها لفترة طويلة. كان الميل العام هو لرفض الإغلاق. وفي عرض واضح للتحدي ضد الذين يريدون الإغلاق، حضر جونسون وخطيبته كاري سيمونز مباراة الركبي بين إنجلترا وويلز في تويكنهام في 7 اذار/مارس.
التعطيل: جونسون يغير مساره
كانت النغمة على وشك التغيير. في مؤتمر صحافي عقد في داونينج ستريت في 12 اذار/ مارس، قال جونسون، وذلك قبيل أيام قليلة من تسجيل حالة الوفاة الأولى في بريطانيا إن المرض “من المحتمل أن ينتشر أكثر قليلاً”.
الحديث السابق لمستشاريه حول تجنب التعطيل وتطوير “مناعة القطيع” تم نفيه. وقال جونسون للصحافيين “يجب أن أكون صريحا معكم… الكثير من العائلات، وعدد أكبر بكثير من العائلات، ستفقد أحباءها قبل وقتهم”. في 18 اذار/مارس، وبعد أيام فقط من اقتراح داونينج ستريت بأن هذا لن يحدث، أعلنت الحكومة إغلاق جميع المدارس حتى إشعار أخر. وأمرت الحانات والمطاعم بالإغلاق في 20 اذار/مارس. جاءت المملكة المتحدة إلى “المعركة” متأخرة.
ويصف أحد الوزراء السابقين ما جرى الأسبوع الماضي من تغيير للنهج بأنه “منعطف صارخ”. أصبح العديد من مستشاري رئيس الوزراء قلقين بشكل متزايد من أن المملكة المتحدة أصبحت تعاكس إيقاع الدول الأخرى بسبب مقاومتها التدابير التي تضر بالاقتصاد. تم إبلاغ “الأوبزرفر” بأن اثنين على الأقل من كبار المستشارين الحكوميين كانوا على حافة الاستقالة قبل أن يغير جونسون منهجه.
وجدت الحكومة نفسها غير قادرة على الهروب من عواقب التقاعس. نقص في المعدات الواقية لموظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية في الخطوط الأمامية، ونقص أجهزة التنفس للمرضى في العناية المركزة، وفشل في الاختبارعلى نطاق واسع لـ Covid-19، خاصة بين العاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
في الأسبوع الماضي، قالت الدكتورة أليسون بيتارد، عميدة كلية طب العناية المركزة، إن الحد الأدنى من المواصفات لنظام التنفس المحلي الخاص بالحكومة سينتج آلات تعالج المرضى “لبضع ساعات فقط”. “إذا قيل لنا أن هذا هو الحال… لقلنا: “لا تهتم، فأنت تضيع وقتك. وقالت لصحيفة فاينانشيال تايمز “هذا غير مفيد”.
قبل عدة سنوات حذرت منظمة الصحة من مرض يسمى ببساطة “المرض X” وهو “وباء دولي خطير ناجم عن مسبب غير معروف حاليًا”
وقال وزير في الحكومة الشهر الماضي إن الحكومة فاتها نهائيا شراء أجهزة التنفس من الاتحاد الأوروبي لأن الرسالة المرسلة من بريده الكتروني لم يلحظها أحد!
جرت العادة أن تكون لكل مريض بالعناية المركزة ممرضة واحدة طوال الوقت. الآن هناك ممرضة واحدة لستة مرضى، على الرغم من أن موظفين آخرين تم نقلهم إلى وحدات العناية المركزة لسد الفجوات وكان النظام الجديد يعمل بفضل الجهود البطولية للجسم الطبي والتمريضي.
وقال النائب عن حزب المحافظين ووزير الصحة السابق دان بولتر، الذي يعمل بدوام جزئي في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، إنه نظرًا لضخامة التحدي الذي تواجهه الحكومة “يبدو من الخطأ الانتقاد”، لكنه يعتقد أن جزءًا من المشكلة هو أنه تم طلب نصائح غير كافية من أطباء هيئة الخدمات الصحية الوطنية ذوي الخبرة الذين كانوا سيحذرون بشكل مبكر من نقص معدات الوقاية ولا سيما نقص أجهزة التنفس، وكان بإمكانهم إخبار الوزراء بالحاجة الملحة لاختبار موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
كيف كان رد فعل العلماء؟
في الواقع، تم توجيه تحذيرات عديدة في الماضي بشأن المخاطر الفيروسية التي تواجه البشرية. تنبّأ بيل جيتس بذلك قبل عدة سنوات، “نظرًا للظهور المستمر لمسببات الأمراض الجديدة… والترابط المتزايد لعالمنا، هناك احتمال كبير بحدوث وباء كبير وقاتل في حياتنا”. وحذر من أنه “ستكون له أثار حرب نووية”، وحث الدول على البدء في تخزين الأدوية والعلاجات المضادة للفيروسات… فقط لو.
من جهتها، أعدت منظمة الصحة العالمية – قبل عدة سنوات – قائمة بالفيروسات التي لا توجد علاجات أو لقاحات معروفة لها، وهي أمراض يمكن أن تؤدي في يوم من الأيام إلى تفشي هذا الوباء وقتل مئات الآلاف. ومن بين القتلة المحتملين مرض يسمى ببساطة “المرض X” وهو “وباء دولي خطير ناجم عن مسبب غير معروف حاليًا”.
في ما يتعلق بالطبيعة الأكثر احتمالية لهذا الفيروس الغامض، افترضت معظم النماذج أن “المرض X” سيكون شبيهًا بالأنفلونزا في السلوك، كما تقول الدكتورة جوسي غولدنغ، رئيسة قسم الأوبئة في Wellcome Trust. ثم جاء ظهور Covid-19 في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. في البداية، تم تسليط الضوء على حالات قليلة فقط، وهذا الاتجاه بدأ يتغير في وقت مبكر من هذا العام مع ارتفاع عدد المصابين بالمرض.
يقول أستاذ علم الأوبئة في جامعة أدنبرة مارك وولهاوس: “التقرير الذي جذب انتباهي بالفعل صدر في منتصف كانون الثاني/يناير”. واضاف انه تم تشخيص 41 حالة اصابة بمرض تنفسي جديد في منطقة صغيرة في الصين (ووهان). وهذا قرع أجراس الإنذار لي”.
أظهرت البيانات المبكرة من الصين – التي تم إصدارها مرة أخرى في كانون الثاني/ يناير – أن الفيروس ينتقل من الأشخاص الذين لم تظهر عليهم سوى أعراض خفيفة، أو في بعض الحالات من غير أعراض. ويقول أستاذ علم الفيروسات جوناثان بول من جامعة نوتنغهام إن هذا يجعل تتبع الحالة صعبًا للغاية.
في شباط/ فبراير، ظهرت حالات متفرقة من Covid-19 في جميع أنحاء المملكة المتحدة، كما يتذكر توم وينجفيلد، وهو طبيب وخبير في الأمراض المعدية في كلية ليفربول للطب الاستوائي. “كانت هذه حالات تم جلبها إلى البلاد، بشكل رئيسي من الصين أو إيطاليا. ثم كان هناك تفشٍ في برايتون وأدركت أن الفيروس قد رسّخ نفسه في المجتمع هناك. وكانت نقطة تحول”.
كانت بريطانيا لا تزال تعمل بشكل جيد في احتواء المرض عن طريق الاختبار وتعقب التواصل وإنشاء الحجر الصحي لأولئك المشتبه في إصابتهم بـ Covid-19. يقول وينجفيلد: “في اذار/مارس، قررت الحكومة التخلي عن هذا النهج والتحول من احتواء المرض إلى تأخير تقدمه”.
تقول إحدى الممرضات:”ليس هناك شك في أننا لم نكن مستعدين بشكل كاف. لقد تم تحذيرنا قبل بضع سنوات عندما أوضحت التقارير أن المملكة المتحدة ليست مستعدة لمكافحة وباء إنفلونزا كبير ولم نتخذ هذا التحذير. ونتيجة لذلك، أخطأنا”. ويقول كثيرون إنه يجب إجراء تحقيق في مدى استعداد بريطانيا لـ Covid-19 في مرحلة ما، لكنهم أكدوا أن هذا لا ينبغي أن يبدأ حتى يتم التعامل مع الأزمة في المملكة المتحدة.
يوافق على ذلك البروفيسور إيان بويد، كبير المستشارين العلميين السابقين في وزارة البيئة والأغذية والشؤون الريفية. يحذر بويد: “هناك خطر كبير، سيكون هناك الكثير من النظر إلى الوراء عند إتضاح الصورة وتوجيه أصابع اللوم”. “ولكن عندما تكون في منتصف الأشياء عليك أن تتخذ الكثير من القرارات الصعبة وأحيانًا تقوم بإجراء خطوة خاطئة. من ناحية أخرى، ليس هناك ضرر في التأكد من أننا نتعلم أكبر قدر ممكن من الدروس”.
نابارو: سيتعين علينا إيجاد طرق لمواصلة حياتنا والتعايش مع هذا الفيروس كتهديد مستمر لحياتنا. وهذا يعني عزل أولئك الذين تظهر عليهم علامات المرض وكذلك اتصالاتهم. يجب حماية كبار السن
الدروس المستفادة من بقية العالم
أحد الاستنتاجات التي يرسمها الخبراء بالفعل هو أنه كانت تلك البلدان المقربة من الصين، والتي لديها روابط ثقافية مع جارتهم، كانت أسرع بكثير في مواجهة Covid-19. ولعل أبرزها في النجاح كانت تايوان. بسبب ارتباطها الاقتصادي والثقافي مع البر الرئيسي للصين، كان من الممكن ان تكون تايوان معرضة بشدة لخطر وباء Covid-19. سافر السياح ورجال الأعمال بانتظام ذهابا وإيابا.
ولكن بمساعدة وجود عالم وبائيات كنائب للرئيس، وضعت الحكومة التايوانية نظامًا قياسيًا ذهبيًا للاختبار وتعقب التواصل، مما يعني أنه بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبًا من أول إصابة مؤكدة، سجلت أقل من 400 حالة وست حالات وفاة.
هونغ كونغ، التي عانت أيضًا من أزمة سارس، تحركت بشكل مبكر أيضًا لفرض الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، بالإضافة إلى ارتداء القناع على نطاق واسع، وسجلت أكثر من ألف حالة فقط وأربع وفيات فقط.
في أواخر شباط/فبراير، بدت كوريا الجنوبية وكأنها كانت على طريق الكارثة، مع أكبر عدد من الحالات المؤكدة خارج الصين، والأعداد ترتفع بسرعة. ولكن بعد الإصابة الأولى في البلاد، التقت الحكومة بشركات طبية وحثتها على البدء في تطوير مجموعات اختبار فيروس كورونا على نطاق واسع.
كانت النتائج مثيرة للإعجاب. عندما ضرب الوباء، كان الإستعداد لنشر الإختبارات واسع النطاق. سمحت هذه الاجراءت لكوريا الجنوبية بأن تصبح الدولة الثانية التي تسطّح منحنى فيروس كورونا، من دون العزل الشامل للمجتمع والنشاط الاقتصادي الذي كانت الصين رائدة فيه، وسيضطر الغرب إلى اعتماده.
كان ينبغي أن تقدم تجربة الصين نموذجًا قاتمًا للدول الغربية لاستخدامه عند الاستعداد. أظهرت السرعة التي اشتدت بها أزمة ووهان أنه يمكن إغراق نظام طبي متقدم نسبيًا. في غضون ثلاثة أسابيع، كان هناك أكثر من 64 ألف شخص مصاب و1000 قتيل.
اذا نظرنا ثلاثة أشهر إلى الوراء، نجد أنه في الصين لم تكن هناك اختبارات كافية لمعرفة من كان لديهم فيروس كورونا، ولم يكن هناك ما يكفي من معدات لحماية للعاملين الطبيين الذين يعالجون المرضى، وفوق ذلك، لم يكن هناك ما يكفي من أسرة المستشفيات وأجهزة التنفس للمرضى. هذه بالضبط هي التحديات التي تواجهها السلطات من نيويورك إلى روما، ومن لندن إلى مدريد.
الدولة الأخرى التي لم تستمع
إذا كان لدى المملكة المتحدة أسئلة جدية للإجابة عليها، فإن الدولة التي شهدت حتى الآن أسوأ تفشٍ لكورونا، هي الولايات المتحدة، التي كانت الأبطأ بين الجميع في التصرف. تجاهل دونالد ترامب لعدة أشهر. قلّل من شأن أو كذّب عن التهديد الذي يشكله فيروس كورونا.
في 17 اذار/مارس، صدرت أوامر بإغلاق أجزاء من كاليفورنيا. وبحلول نهاية ذلك الأسبوع، كانت مدينة نيويورك قد أغلقت أيضًا، إلى جانب عشرات الولايات التي وضعت غالبيتها قيودا. فقط خمس ولايات كانت لديها ضوابط قليلة أو معدومة.
هناك الآن أكثر من 700 ألف حالة مؤكدة في الولايات المتحدة وأكثر من 23 ألف حالة وفاة. من المرجح أن تكون الأرقام الفعلية أعلى لكليهما. كما تضرر الاقتصاد، مع أكثر من 22 مليون عاطل عن العمل مع انهيار الشركات أو تقليصها تحت الضغط.
يصر ترامب على أن الولايات المتحدة تتحسن، وقد حاول إلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية لفشلها في دق ناقوس الخطر بالكامل، وأمر بتجريدها من التمويل الأميركي السنوي.
“في المملكة المتحدة، كان الموقف بين السياسيين والعلماء أننا أمام مجرد شكل من أشكال الإنفلونزا. استندت جميع خطط الوباء الحكومية إلى سيناريو الإنفلونزا. ثم اتضح أنه شيء مختلف وبعيد وأسوأ بكثير وكانت الاستجابة غير كافية على الإطلاق”، يقول مصدر رفيع في وايتهول لديه معرفة تفصيلية باستجابة المملكة المتحدة ودول أخرى.
سوف نعيش مع عواقب ما حصل “لفترة طويلة”، يقول ديفيد نابارو، أستاذ الصحة العالمية في جامعة إمبريال كوليدج في لندن. لا تتوقعوا أن يأتي اللقاح في المدى القصير. “بالنسبة للمستقبل المنظور، سيتعين علينا إيجاد طرق لمواصلة حياتنا والتعايش مع هذا الفيروس كتهديد مستمر لحياتنا. وهذا يعني عزل أولئك الذين تظهر عليهم علامات المرض وكذلك اتصالاتهم. يجب حماية كبار السن. سيكون هذا هو الوضع الطبيعي الجديد بالنسبة لنا جميعًا”.
(ترجمة وإعداد سارة سنو)