بعد التأكّد من أن السلالة البريطانية قد انتشرت بسرعة كبيرة في أكثر من 30 دولة والجنوب أفريقية في أكثر من 15 دولة، حتى الآن، ومنها الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، الدنمارك وإسرائيل، وهما تنتشران في معظم دول العالم برغم الإحتياطات الصارمة التي فُرضت على حركة المسافرين من والى كل الدول التي ظهرت فيها هذه السلالات الجديدة والخطيرة في آن معاً، فوجىء الرأي العام العالمي بظهور سلالة جديدة في اليابان أكثر خطورة.
الخبر بحدّ ذاته ليس غريباً لأنننا كُنّا قد ذكرنا في مقالات سابقة ان هذا النوع من الفيروسات التي تحتوي على حبل من رسول الحمض النووي الريبي (RNA) يتحوّر بسهولة كلّما تكاثر أكثر في جسم الإنسان، وأن العلماء قد أحصوا حتى تاريخنا هذا أكثر من 12 الف طفرة وراثية أو جينية منذ ظهور الفيروس في مدينة ووهان في الصين في كانون الاول/ ديسمبر 2019. وهذه الطفرات كانت بمعظمها صامتة في أغلب الأحيان، من دون حدوث تغيّرات خطيرة على صعيد إنتشار العدوى وخطورة اعراض المرض ومدّته ونسبة الوفيات الناتجة عن كل ذلك.. إلى ان ظهرت السلالة البريطانية التي أسميت (VOC–202012/01) أو (covid B.1.1.7) وهي تتميّز بأنها شديدة العدوى بحيث زادات معها معدلات إنتقال الفيروس بنسب تتراوح بين 50 و70% وبحيث أصبحت هذه السلالة هي “الفيروس المسيطر” أو “المهيمن” في بريطانيا.
هذا الوضع المستجد كان السبب الأبرز في نشوء وضع كارثي خطير على مستوى القطاع الصحي وفي الزيادة الكبيرة في عدد الحالات الجديدة في بريطانيا والتي لم تفلح حتى اليوم حملة اللقاحات الواسعة التي بدأت منذ حوالي الشهر وطالت أكثر من عشرة ملايين شخص هناك، في الحدّ من تمدّدها، علماً أن الساعات الأخيرة شهدت تراجعاً طفيفاً في عدد الحالات الجديدة المُصابة بالفيروس لأول مرة منذ تاريخ بدء إنتشار هذه السلالة الجديدة في 24 كانون الأول/ديسمبر 2020 في بريطانيا.
أما السلالة الاخرى الأخطر التي ظهرت في جنوب إفريقيا والتي سُمّيت بسلالة (501.V2 Variant)، فقد اتفق الخبراء على أنها اكثر خطورة من السلالة البريطانية، وهي تحمل عدداً اكبر من الطفرات الجينيّة، ممّا تسبّب بزيادة أكبر في نسبة إنتقال العدوى وإنتشار اسرع للفيروس.
وقد تعمق الخبراء في أسباب هذه الظاهرة وخرجوا بإستنتاجات مفادُها أنّ جنوب إفريقيا هي من اكثر الدول التي ينتشر فيروس نقص المناعة المُكتسبة (الإيدز او السيدا)، أي فيها عدد كبير من المرضى الذين يعانون من نقص او ضعف في المناعة، وهذا ما يفسر سرعة انتشار هذه السلالة الجديدة من فيروس كورونا، في هذا البلد الأفريقي، حسب عدد كبير من الخبراء.
ومن المعروف أنّ هذا النوع من الفيروسات يُحاول دائماً أن يتحوّر لكي يُحاول الإفلات أو الإلتفاف على جهاز المناعة الموجود في داخل جسم الإنسان، وهو قابل للتحول أو التغير عندما يصيب أشخاصاً يعانون أصلاً من ضعف أو خلل في جهازهم المناعي نتيجة انتشار مرض الإيدز.
وفق تقارير يابانية، تم إكتشاف سلالة جديدة من كورونا من قبل السلطات الصحية اليابانية الثلاثاء في 12 كانون الثاني/يناير الحالي، عندما تم الكشف على أربعة مسافرين عائدين من مقاطعة الأمازون في شمال البرازيل.
بحسب اقوال احد اهم الخبراء البريطانيين في مجال العلوم المكروبيولوجية البروفسور رافي غيبتا (Ravi Gupta) فإن هذه السلالة الجديدة قد تكون “السلالة المفاجأة” في سيرة تطوّر وتحوّر فيروس كورونا لناحية عدد الطفرات الجينيّة الموجودة فيها وموقع وحساسية وأهمية هذه الطفرات
هذه السلالة (البرازيلية) الجديدة أُسمّيت (P.1) وهي مُن نسل السلالة المعروفة تحت إسم (B.1.1.28)، إلا أنها قد تكون السلالة الاكثر خطورة حتى تاريخنا هذا، ذلك أنها تحتوي على كوكتيل من الطفرات الجينية من ضمنها 17 تغييراً في الحوامض الأمينية و3 حالات حذف لحوامض أمينية و4 طفرات جينية و4 مرادفات طفرة وكذلك إضافة إلى جزء من الجينوم يُسمّى 4nt. وفي المحصّلة لقد حصلت في السلالة الجديدة عدّة طفرات جينية كان الخبراء قد لاحظوها مع السلالات البريطانية والجنوب افريقية (E484K ؛ K417N-T ؛ N501Y) هذه الطفرات الجديدة ظهرت بشكلٍ مُستقلّ، ما دفع الخبراء الى التخوُف من إمكانية ان يؤدّي هذا الفيروس الى إعادة إصابة المرضى الذين أُصيبوا في السابق بسلالة قديمة من الفيروس، وهذا ما جعل مخاوفهم تكبر إزاء فعالية اللقاحات التي تم إكتشافها حتى الآن.
وبحسب اقوال احد اهم الخبراء البريطانيين في مجال العلوم المكروبيولوجية البروفسور رافي غيبتا (Ravi Gupta) فإن هذه السلالة الجديدة قد تكون “السلالة المفاجأة” في سيرة تطوّر وتحوّر فيروس كورونا لناحية عدد الطفرات الجينيّة الموجودة فيها وموقع وحساسية وأهمية هذه الطفرات. فقد اعلنت السلطات الصحية اليابانية على لسان الناطق بإسم المعهد الوطني الياباني للأمراض الجرثومية أن هذه السلالة تحمل الكثير من الطفرات الجينيّة ومنها 12 طفرة جينية فقط في البروتينات المشهورة التي تسمى البروتين (S) نسبة لكلمة (Spike) وهي البروتينات الموجودة في النتوءات التي تُكوّن الغلاف الفيروسي.
وكلنا نعلم ان هذه البروتينات لها الدور الأساس في عملية الإلتصاق بالخلايا وفي عملية دخول الفيروس إلى داخلها. ويؤكّد الخبراء أن هذه الطفرات تتسبّب في تغيير جوهري في مُكوّنات وشكل البروتينات، وهذه التغيّرات الجوهرية تجعل من الفيروس يلتصق بشكلً أكبر واقوى بالخلايا، ممّا يزيد بشكل كبير من قابليات العدوى والانتشار ومما يُقلّل ايضاً من فاعلية الاجسام المناعية المضادة التي يفرزها جهاز المناعة من اجل القضاء على الفيروس لأن هذه الاجسام قد تجد صعوبات كثيرة في التعرّف على الفيروس والإلتصاق به قبل البدء في عملية القضاء عليه.
وبحسب المعطيات الاوّلية حول السلالة التي استدعت إستنفار مراكز الأبحاث والمختبرات في اليابان لدراستها، فإنّ هذا الفيروس المتحوّر يحمل الطفرة الجينيّة التي تحملها السلالة البريطانية المسماة (N501Y) وهذا ما يجعله قابلاً للإنتشار ولنقل العدوى بشكلٍ كبير كما هي حال السلالة البريطانية. لكنه يحمل ايضاً ـ وهنا الخطر الأكبر كما هي حالة سلالة جنوب افريقيا ـ الطفرة الجينية (E484K) وهي اكثر شراسة لأنها تزيد بشكلٍ كبير من معدّلات إنتقال العدوى والإنتشار، وهذا ما جعل كبير خبراء الأمراض الجرثومية في الإدارة الأمريكية الحالية البروفسور انطوني فوسي يدقّ جرس الخطر منذ بضعة أيام.
السلالة اليابانية الجديدة التي ظهرت منذ أيام سوف تُشكّل بحسب الكثير من الخبراء نوعاً من “الكوكتيل المُتفجّر” الذي قد يعيد خلط الأوراق حول مدى فاعليّة اللقاحات المُطوّرة حالياً لمكافحة جائحة كورونا
ويبدو أن السلالة اليابانية الجديدة التي ظهرت منذ أيام سوف تُشكّل بحسب الكثير من الخبراء نوعاً من “الكوكتيل المُتفجّر” الذي قد يعيد خلط الأوراق حول مدى فاعليّة اللقاحات المُطوّرة حالياً لمكافحة جائحة كورونا. بحيث أنه يوجد إجماع لدى العديد من الخبراء في هذا المجال الى انّ اللقاح يبقى فعّالاً في حال حصول 3 الى 4 طفرات جينية تطال مكونات البروتين المذكور اعلاه (بروتين S)، لكن الأمور سوف تتعقّد كثيراً مع هذه السلالة اليابانية الجديدة مع وجود 12 طفرة جينية تطال هذا البروتين. فالأجسام المناعية المضادة سوف تجد صعوبة كبيرة في التعرّف على الفيروس نتيجة وجود الطفرة التي سميت (E484K) والتي ذكرناها سابقاً. لكن بعض الباحثين يشير إلى أن كل ذلك يبقى نظرياً، لأن لا دراسات علمية دقيقة تؤكّد حتى الآن إنخفاض أو إنعدام فاعلية اللقاح مع هذه السلالات الجديدة، علماً أن تقارير ودراسات أوّلية نشرتها شركتا “بيونتك” الالمانية و”فايزر” الأمريكية تُشير إلى أن اللقاح الذي يسوّقانه حالياً يبقى فعّالاً مع السلالة البريطانية الجديدة، وإن كانت بعض التقارير الاولية – الفرنسية خاصةً – تُشير إلى إنخفاض فاعلية اللقاح ضد السلالة الجنوب افريقية.
ويقتضي هذا التضارب الإنتظار بعض الوقت من أجل إجراء تجارب سريرية لمعرفة ردّة فعل الجسم بعد إعطاء اللقاحات والتعرّض في ما بعد للسلالة اليابانية الجديدة التي ظهرت منذ أيام قليلة فقط والتي لم تترك للخبراء الكثير من الوقت لإجراء دراسات إضافية. وإن كان الكثير من الخبراء يجزمون أن فعالية اللقاح سوف تنخفض بشكلٍ كبير أو قد تنعدم (لا معطيات مؤكّدة حتى الآن) وهذا هو أكبر مؤشر على خطورة هذه السلالة الجديدة التي بدأت بالإنتشار في البرازيل واليابان والتي قد تكون كما سابقاتها قد وصلت الى العديد من الدول الأخرى.
وما يُطمئن إلى حد ما هو أن الشركات والمختبرات التي تعمل في مجال اللقاحات باتت قادرة، بفضل القفزة العلمية الكبيرة، على إعادة تطوير لقاحات فعّالة ضد هذه السلالات الجديدة، وبالتالي لن تنطلق من نقطة الصفر في عمليات التطوير هذه، وهذا يجعلنا نتوقع أن لا تحتاج هذه العمليات لاكثر من شهر أو شهرين في حال الاضطرار إلى تعديل اللقاحات.
وسوف تكون عمليات التطوير والتسويق من جديد أسرع بكثير منها في المراحل السابقة. وعلى الشركات والمختبرات التي طوّرت هذه اللقاحات إستبدال بعض المُكوّنات الفيروسية بمكوّنات اخرى من السلالات الجديدة وإعادة تطوير اللقاح مع الاجزاء الوراثية المُحوّرة. وحتماً لن يكون ذلك بالعمل الصعب بالنسبة لمعظم الشركات والمختبرات خاصة وأن لديهم تجربة مُماثلة مع لقاح الانفلونزا الذي يتغير في كل موسم وهم قادرون على الإستفادة من خبرتهم في هذا المجال لأجل تطوير لقاحات كورونا مُضادة للسلالات الجديدة.