

في شارع الحمرا،
مرّ جثمان زياد كمن يختصر قرناً من ضجيج القلب والروح،
لا شيء يليق بوداعك إلا الصمت،
صمتٌ يحمل نبرة “عودك رنّان” في خلفيته،
ويرتجف.
***
خرج زياد من المستشفى كأن بيروت نفسها أُخرِجت معه،
مغلفًا بشال الوطن المهترئ،
محمولاً على أكتاف من نسوا أن يبكوا،
من تعبوا من خساراتهم المتكررة،
لكنهم هذه المرة،
بكوا كما يبكي المسافر عتبة البيت،
كما يبكي الوطن حين يغادره صوته.
***
انتظرناه،
وكان البكاء جماعيًا،
لم تكن الدموع إلا عناقات وداع،
ودّعنا مرحلة من أعمارنا وبيروتنا انطوت مع زياد،
ودّعنا الأسئلة الذكية التي ما توقفت،
ودّعنا النكات التي تخبّئ خلف ضحكها وجع بلاد بأكملها.
***
ودّعنا اليساري الذي رفض الحرب،
لكنه خاضها بنوتة وكلمة،
الشيوعي الذي لم يعلّق صور ماركس على جدرانه،
الشيوعي الذي علّق هموم الناس على وتر،
وغنّاها لهم بلا مقابل.
ودّعنا زياد الذي لم يصمت،
حتى حين أوجعه الصوت.
***
زياد،
من سيُعيد ترتيب الكآبة لتصبح شيئًا نرقص عليه؟
من سيعاندنا بعدك في السياسة والغناء؟
من سيشتمنا بأغنية، ويشفق علينا بمقطوعة بيانو؟
من سيحوّل وجعنا إلى نصٍّ ساخر يوقظ ضمائرنا النائمة؟
***
بيروت تنحني اليوم،
للمرة الأولى بلا استعراض،
تشهد أن من غنّى موتنا،
مات.
***
فيروز،
سيدتي؛
أيتها الكونية الأولى،
أيتها التي علّمت العالم كيف يهمس بجلال،
نحن الأيتام من بعده،
نقفُ في مهبّ رحيل أحبتك،
نرجوك: ابقي؛
ابقي؛
فنحن خسرنا الصوت الذي كان يتكلّم عنك،
باسمنا،
ضاحكًا وباكيًا.
ابقي يا سيّدة العالم الأولى،
كل ما حولنا ينهار..
إلّا أنتِ.