لا شيء يؤخر إنتقال السلطة في الولايات المتحدة. لا الحروب ولا الأزمات الإقتصادية ولا جائحة كورونا. هذا ما ردّده بايدن في خطاب تنصيبه. هذه الإستمرارية في إنتقال السلطة تجعل من الديموقراطية الأميركية، سمة مميزة. صحيح أن الديموقراطية الأميركية تكون أحياناً هشة وركيكة، لكن برغم كل هشاشتها وركاكتها، تكون ثابتة أكثر بكثير من حكم الديكتاتوريات المُعتمِدة على قوة الشخص والشخصية وحكم الفرد.
إن المنطق الأفلطوني لحكم “الملك العادل” بغياب القانون والمحاسبة، لم يورثنا سوى الإستبداد، ذلك أن ثمة حكمة تاريخية صحيحة تقول “إن السلطة تُفسد والسلطة المطلقة تُفسِد بالمطلق”.
هذا الكلام النظري يأتي بعد حفلة من الجنون عاشتها أميركا طوال أربع سنوات من ولاية دونالد ترامب. كان من الصعب توقع أو إستقراء حركة الرجل وأعماله، لا سيما خلال جائحة كوفيد ـ 19 التى يعيشها العالم. لم يتخل ترامب عن قيادة العالم وحسب بل حتى تخلى عن قيادة بلده وترك الأمور تجري على غاربها، فحصدت الجائحة 400 الف أميركي، أي ما حصدته الحرب العالمية الثانية من أرواح جنودها في أربع سني الحرب ضد المانيا النازية واليابان قبل 75 عاماً.
إن الولايات المتحدة تعود اليوم الى العالم سواء بجمالها أم ببشاعتها، أكان عبر حكمها الديموقراطي داخلياً أو إمبرياليتها في الخارج، ولكن الأكيد أن الهيمنة الأميركية في العالم لا يمكن أن تستمر كما كانت أو كما هي عليه حالياً، وهذه سمة صعود وهبوط كل “الأمبراطوريات العظمى”، كما قال بول كينيدي.
إن أميركا بتنصيب بايدن تعود الى العالم بحلوها ومرها ولكن الأهم أن أميركا تعود إلى نفسها. تعود الى طبيعتها الهادئة. الى الناس الذين تعبوا من المفاجآت اليومية تأتيهم من رئيس يتحرك على وقع مزاجية من غير الممكن توقع حدودها ونتائجها.
إن إنتخاب بايدن يعيد الحياة الى مجراها الطبيعي، وهذا مطلب كل أميركي طبيعي أو عادي.