بعد استكمال مراسم تنصيب تشارلز الثالث رسميا ملكًا جديدًا، أشار الكثيرون فى المستعمرات البريطانية السابقة إلى أن الملكة الراحلة إليزابيث الثانية لم تتحدث أو تعتذر أبدًا عن الجرائم المرتكبة فى ظل حكم الإمبراطورية البريطانية.
على عكس إليزابيث، لم يلتزم تشارلز دائمًا بالحياد فى السياسة البريطانية. فقبل زيارته للعاصمة الرواندية، فى شهر يونيو/حزيران، للمشاركة فى قمة الكومنولث، إذ وصف خطة الحكومة البريطانية لإرسال طالبى اللجوء إلى رواندا بأنها «مروعة». وبالتالى، أثارت تعليقاته غضب السياسيين البريطانيين؛ لأنه بموجب الدستور الحديث للبلاد، فإن الملك يحكم بشكل شرفى، ويجب أن يكون أفراد العائلة المالكة محايدين فى شئون الدولة.
إضافة إلى إعرابه عن حزنه خلال تلك القمة إزاء ماضى بريطانيا الاستعمارى، تابع الحديث قائلًا: «لا يمكننى وصف أعماق حزنى الشخصى على معاناة الكثيرين.. إذا أردنا صياغة مستقبل مشترك يفيد جميع مواطنينا، فيجب علينا أيضًا إيجاد طرق جديدة للاعتراف بماضينا». لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يعلق فيها تشارلز على الماضى الإمبراطورى الاستعمارى لبريطانيا. فى عام 2018، عندما زار غانا، وصف دور البلاد آنذاك فى تجارة الرقيق عبر المحيط أنه منافٍ للإنسانية.
على الجانب الآخر، أكثر ما تم الحديث عنه فى تاريخ غانا بين السياسيين البريطانيين هو رقصة الملكة الشهيرة مع نكروما، خلال زيارتها بعد الاستقلال فى عام 1961، عندما كانت الملصقات التى كتب عليها «لا سود، لا كلاب، لا إيرلنديين» لا تزال يتم نشرها على الأبواب فى بلدها!
ما لم يذكر فى كثير من الأحيان هو أن بريطانيا حظرت الصحف السياسية المؤيدة للاستقلال وسجنت محرريها. حيث سُجن كوفى باكو، رئيس تحرير كيب كوست ديلى ميل ولاحقًا أول وزير دفاع غانى، بتهمة التحريض على الفتنة بعد نشر مقاله «نحن ندعو إلى الحرية». كما حكم على نكروما نفسه بالسجن ثلاث سنوات فى عام 1950 لقيادته احتجاجات سلمية فى أكرا ضد الحكم البريطانى، تم سجنه لمدة عام فى فورت جيمس المركز التجارى السابق فى بريطانيا للمستعبدين. تحت قيادة نكروما، شرع الغانيون فى سلسلة من الإضرابات وأعمال الشغب والمقاطعة ضد البضائع البريطانية، مما أدى إلى الاستقلال عن بريطانيا فى عام 1957.
لا تزال الملكية البريطانية تستفيد من ثروتها الاستعمارية. فالعديد من الكنوز التى نُهبت بالقوة الغاشمة من دول شرق وغرب إفريقيا هى جزء من المجموعة الملكية للملكة، والتى رفضت إعادتها وورثها تشارلز. حتما، سيتضاعف الصخب من أجل عودتهم
كما قدرت لجنة حقوق الإنسان فى كينيا أن 90 ألف كينى تم إعدامهم أو تعذيبهم أو تشويههم، إضافة إلى احتجاز 160 ألفاً آخرين فى عام 2013، ما دفع الحكومة البريطانية إلى دفع 19.9 مليون جنيه إسترلينى لـ 5 آلاف من ضحايا التعذيب الكينيين الذين رفعوا دعوى قضائية ضد حكومة المملكة المتحدة.
لا تزال الملكية البريطانية تستفيد من ثروتها الاستعمارية. فالعديد من الكنوز التى نُهبت بالقوة الغاشمة من دول شرق وغرب إفريقيا هى جزء من المجموعة الملكية للملكة، والتى رفضت إعادتها وورثها تشارلز. حتما، سيتضاعف الصخب من أجل عودتهم. على سبيل المثال لا الحصر، تجددت الدعوات فى جنوب إفريقيا حول استرداد ماس كولينان الذى يزين صولجان الملكة.
فى الخطاب الأول لتشارلز الملك، تعهد بعدم التعبير عن آرائه السياسية بعد الآن و«التمسك بالمبادئ الدستورية»، متصديًا لبعض الانتقادات الموجهة إليه. فى مقابلة مع “بى بى سى” عام 2018، عندما سئل عما إذا كان حديثه علانية حول القضايا سيستمر كملك، قال: «لا، لن يحدث ذلك. أنا لست بهذا الغباء». ومع ذلك، شكك البعض فى قدرة تشارلز على الانتقال إلى الموضوعية التى حافظت عليها والدته.
كما قال المعلق السياسى المقيم فى جوهانسبرج تافى ماكا، سيتعين على الملك الجديد حتمًا معالجة الأسئلة المتعلقة بثروة النظام الملكى نتيجة للاستعمار والتعويضات، والتى طالب بها الكينيون والرئيس الغانى نانا أكوفو أدو. من المؤكد أن تشارلز سيكون حذرًا من الآن فصاعدًا بشأن بث آرائه الشخصية، ولكن من المفارقات أن الملك الأكثر صراحة يمكن أن يحسن سمعة النظام الملكى فى جميع أنحاء إفريقيا.
(*) بالتزامن مع “الشروق“