لن ينفرط عقد “ورقة التفاهم”

الأزمة الراهنة بين حزب الله والتيار الوطني الحر حقيقية وتواجه عقدة مربكة للجانبين. فلا التيار يملك "ترف" التخلّي عن الحزب، حليفه الوحيد في الداخل، ولا الحزب قادر على السير برئيس ترفضه القوى المسيحية الفاعلة التي يختصرها التيار الحر والقوّات اللبنانية!

على هذه الرمال المتحركة، يستحيل على كل من حزب الله والتيار الوطني الحر، برغم إستعادة التواصل الثنائي بينهما، أن يخرجا من عنق الزجاجة، وبالتالي يفضي ذلك إلى المزيد من التأزم اللبناني، حيث لا وجود لحل في الأفق، نتيجة عدم تدخّل الخارج كالعادة لفرض رئيس للجمهورية على اللبنانيين وفي ظل تمسك كل طرف بمرشحه، ولا سيما تمسك حزب الله الضمني بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهذه نقطة خلاف جوهرية مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

ومن الواضح أن أزمة ارتفاع الأسعار بشكل عشوائي على ضوء ارتفاع سعر الدولار، لا تجد من يهتم بها من قبل القوى السياسية الداخلية الغارقة في هموم المتابعة الدقيقة لمجريات ودقائق التحقيقات التي أجرتها، الأسبوع الماضي، وفود قضائية أوروبية في ملفات مالية ونقدية لبنانية، كما في ملف إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020.

وسط كل ذلك تنشغل المرجعيات السياسية والأمنية بالوضع الأمني المهتزّ على حافة انفجارات محتملة في الشارع، ترتفع وتيرتها بشكل يومي على وقع مخاوف متزايدة من عمليات أمنية بينها إغتيالات قد تُشعل الفتيل، ما يضطر شخصيات وقيادات فاعلة إلى إتخاذ إجراءات أمنية فوق العادة للحفاظ على أمنها الشخصي، حيث لا أحد يمكنه الاطمئنان إلى أنه سيكون فوق الغربال.

في خضم هذه المخاطر، تذهب أدراج الرياح نقاط الماء التي يرشّها رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الحريق المعتمل تحت رماد الأزمة، بقوله صراحة إن “انعقاد جلسات الحكومة لا ينبغي أن يعتبره البعض رسالة ضده، بل هناك حاجات ملحة للناس لا يمكن معالجتها من دون انعقاد الحكومة”، وهو كلام لا يكفي ولا يُجدي في طمأنة الطرف الأساسي المعني بهذا الكلام، وهو التيار العوني الواقف على “صوص ونقطة”.

تنشغل المرجعيات السياسية والأمنية بالوضع الأمني المهتزّ على حافة انفجارات محتملة في الشارع، ترتفع وتيرتها بشكل يومي على وقع مخاوف متزايدة من عمليات أمنية بينها إغتيالات قد تُشعل الفتيل

وجاءت مواقف وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته الأخيرة للبنان في سياق تهدوي واضح. إلا أنها بدت مثل صرخة في واد.. حيث تنافس أخصام الدور الإيراني على رجم الوزير وإيجابيته، على الرغم من أن المطلعين على حقيقة العلاقات بين السعودية وايران، يؤكدون انّ هناك انفراجاً حقيقياً بين الجانبين لا بد أن يخدم العمل على إحداث نوع من الحلحلة على مستوى الأزمة اللبنانية، لكن البداية ستكون حتماً من اليمن وليس من اي مكان آخر.

وهنا تتبدى فرصة حقيقية لتبديد العقدة الداخلية. وبالتالي فإن التشدد المبالغ فيه لمعاندة الإيجابيات وسدّ النوافذ التي يجري فتحها أمام الأزمة، لا يقوم على وقائع حقيقة بقدر ما هو قائم على افتراضات ونوايا مُسبقة، تتصل بطريقة مباشرة بأمر خارجي. وهؤلاء، من مختلف مواقعهم، يفتقدون إلى المقاربة الموضوعية والواقعية للاستحقاق الرئاسي، متجاهلين جميع العوامل التي من شأنها التأثير بدرجة إيجابية أساسية على هذا الاستحقاق، ومفترضين انّهم قادرون وحدهم، بهذه الوسائل العدائية، على الإتيان برئيس للبنان، كما يشتهون، في حين أنهم يساهمون بشكل واضح في تعقيد الوضع ومراكمة عناصر الخلاف، مُصرّين على فرض أجندتهم على القوى الداخلية المقابلة.

وهذا يفسّر العودة “الفولكلورية” المبالغ فيها لتحركات أهالي ضحايا جريمة تفجير مرفأ بيروت، ربما لتبرير تشدد بعض الداخل ضد أي حلحلة ممكنة، واستدراج الخارج لمعارضة وتعطيل أي تسوية يجري طبخها في الكواليس. والسلاح الأساس الذي يعتمدون عليه هو واقع عجز القوى المناهضة لهم عن إخراج نجيب ميقاتي من السرايا أو انتزاع صفته كرئيس للحكومة، ولو مستقيلة، ما يعمل على مفاقمة الرفض الداخلي للدور الذي يلعبه رئيس الحكومة المستقيلة وإظهاره في موقع مصادرة صلاحيات رئاسة الجمهورية، وبالتالي إثارة حفيظة قوى داخلية أساسية يستحيل عزلها عن الفعل والتأثير.

وهنا سرّ “صمود” وعدم انفراط عقد “ورقة التفاهم” بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهما يدركان كلاهما، مغزى مقولة “أُكِلتُ حين أُكل الثور الأبيض”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  عون وعبد المهدي.. وبلاد ما بين القصرين
محمود محمد بري

كاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  قراءة باردة في خطاب نصرالله الفرنسي!