لا توقعات بتغييرات سياسية في انتخابات الجزائر المقررة غداً (الخميس)، لكن هذه المحطة، التي ظلت موضع جدل خلال الأشهر الماضية، تمثل لحظة فارقة في الخلاف بين الحراك الشعبي والسلطة الانتقالية، التي يديرها عملياً الجيش، وتختبر صبر الجانبين، في ظل إصرار الحراك الشعبي على إبعاد “الحرس القديم”، بجناحيه السياسي والعسكري، عن المشهد، في حين تسعى المؤسسة العسكرية، التي تقود المرحلة الإنتقالية، لأن تكون الانتخابات نقطة فاصلة في إستعادة النظام السياسي وإنتشاله من حالة الشلل، بكل تبعاتها السلبية على المستوى الاقتصادي.
ثلاثية الصراع
وعلى غرار المشهد السياسي المضطرب الذي تكرّس في العديد من الدول العربية التي نجحت فيها الاجتجاجات الشعبية في اسقاط رأس الهرم، تعيش الجزائر، منذ خلع عبد العزيز بوتفليقة، صراعاً حاداً، في إطار ثلاثية: الحراك الشعبي، الجيش، والحرس القديم.
وظهرت الحركة الاحتجاجية، أو ما يسميه الجزائريون “الحراك”، في الربيع الماضي عندما تظاهر مئات الآلاف احتجاجا على اعتزام بوتفليقة الترشح لفترة خامسة. وبالرغم من تحوّله إلى رقم صعب في المعادلة الجزائرية، إلا أن الحراك لم يبلور حتى الآن، شأن الكثير من حركات الاحتجاج المماثلة في العالم العربي، أي برنامج واضح للتغيير السياسي، في ظل غياب القيادة التنظيمية الوحدة، لتبقى العامة كعزل الحرس القديم، وانهاء الفساد، وابتعاد الجيش عن السياسة، ورفض إجراء أية انتخابات في وجود رموز نظام بوتفليقة في الحكم.
أما الجيش، الذي يعد منذ فترة طويلة مكوناً أساسياً في دائرة الحكم، فقد وجد فرصته المنتظرة لتصدّر المشهد، بعد ترهّل نظام بوتفليقة، بعدما كان يتعين عليه في السابق أن يضع في الحسبان أجنحة قوية أخرى داخل المنظومة الخاصة، وبينها الجهاز الأمني.
ومع اكتساب الاحتجاجات ضد بوتفليقة قوة دافعة، ظهر الجنرال قايد صالح على شاشات التلفزيون لحث الرئيس العجوز والعاجز على التنحي، فيما قام باحتجاز كثيرين من حلفاء الرئيس السابق بتهم ذات صلة بالفساد، واعتقال المنافسين القدامى في إدارة الأمن، وذلك ضمن إطار عملية تطهير جذرية نفذها الجيش للهيكل الحاكم، لتسوية الصراعات الداخلية.
مرشحون لـ”حكم العسكر”
وبرغم عملية التطهير هذه، إلا أن المعارضين يرون أن ما قام به الجيش الجزائري، هو مجرّد تصفية حسابات قديمة، لتسيّد المشهد في المرحلة الجديدة، من خلال إستغلال الحراك الشعبي من جهة، وضمان وصول رئيس جديد يكون ستاراً للحاكم الفعلي – الجنرال صالح، من جهة ثانية.
ثمة مؤشرات كثيرة تعزز هذا الانطباع، بينها الازدواجية التي يتعامل من خلالها الجيش الجزائري مع الحراك، الذي يلقى إشادة باعتباره حركة وطنية ساعدت في اجتثاث الفساد وإنعاش الدولة، في وقت يتم اعتقال عشرات المتظاهرين، بما في ذلك شخصيات معارضة بارزة وصحافيين وفنانين بتهمة “تقويض معنويات الجيش”.
وأما المؤشر الأهم، فهو إعادة دفع رموز النخبة السياسية من الحرس القديم إلى الواجهة السياسية، وهو ما يمكن رصده بسهولة في السيرة الذاتية للمرشحين الخمسة الذين سيخوضون المنافسة الانتخابية غداً، وكلهم مرتبط سياسياً بالنظام الحاكم، وكانوا في بعض الأحيان من المقربين من عبد العزيز بوتفليقة، علما أن هؤلاء الخمسة قالوا في المناظرة الأخيرة بين المرشحين الخمسة بيّنت حجم الخواء السياسي في الخطاب، وذلك بصورة معاكسة لنبض الشارع الجزائري.
عبد العزيز بلعيد
أول هؤلاء عبد العزيز بلعيد (56 عاماً)، الذي يعد أصغر المرشحين، والوحيد الذي لم يكن يشغل منصباً وزارياً في السابق. ومع ذلك، فإنّ الشطر الأكبر من مسيرته السياسية كان ضمن “جبهة التحرير الوطني” (الحزب الواحد سابقاً) ومنظماته الجماهرية، حيث توى رئاسة الاتحاد الوطني للطلاب الجزائريين (1986-2007)، ورئاسة الاتحاد الوطني الجزائري للشباب، بجانب انتخابه لعضوية الجمعية الوطنية مرتين تحت لواء “جبهة التحرير” عام 2004.
في الانتخابات الرئاسية لعام 2004، دعم بلعيد ابن منطقته – باتنة – علي بن فليس ضد عبد العزيز بوتفليقة. وفي عام 2012، سُمح له بإنشاء حزب سياسي خاص به (“جبهة المستقبل”)، ليخوض بعد عامين الانتخابات الرئاسية، التي احتل فيها المركز الثالث (3 في المئة من الأصوات).
علي بن فليس
ومن بين المرشحين علي بن فليس (75 عاماً)، هو رئيس وزراء سابق خاض انتخابات الرئاسة مرّتين دون نجاح أمام بوتفليقة.
وبن فليس قاضٍ ومحامٍ سابق، شغل منصب وزير العدل لفترة قصيرة (1988-1991)، لينكفئ نسبياً ضمن المكتب السياسي لـ”جبهة التحرير” طوال التسيعنيات، قبل أن يتصدر المشهد مجدداً في العام 1999، كمدير للحملة الانتخابية لبوتفليقة، مرشحّ الجيش آنذاك، ويرأس بعد ذلك رئاسة الحكومة في الفترة الممتدة بين العامين 2000 و2003، والتي اتخذت، تحت قيادته، قراراً بحظر المظاهرات في العاصمة بعد أعمال الشغب التي شهدتها خلال تظاهرات ضد القمع في منطقة القبائل.
بعد إقالته عام 2003، رشح بن فليس نفسه للرئاسة في انتخابات عام 2004، بدعم من رئيس الأركان السابق محمد العماري، ثم دخل المنافسة مجدداً عام عام 2014 وفشل.
عبد العزيز تبون
كذلك، فإنّ المرشح عبد المجيد تبون (74 عاماً) كان حليفاً لبوتفليقة في وقت من الأوقات، وشغل منصب رئيس الوزراء لقرابة الثلاثة أشهر عام 2017، لكنه أقيل عندما حاول توجيه تهم الفساد لرجال أعمال أقوياء، ابرزهم علي حداد المقرّب من سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المخلوع.
وتولى تبون، وهو خريج المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969، مناصب إدارية في الدولة، بينها منصب الوالي (المحافظ) عدة مرّات، ثم أُسندت إليه وزارة الإسكان، التي أشرفت على أعمال البناء المثيرة للجدل للمسجد الكبير في الجزائر الذي قرره بوتفليقة. وبرغم إقالته، على أثر الخلاف مع سعيد بوتفليقة، حافظ تبون على ولائه للرئيس السابق، من خلال دعمه لولاية خامسة.
ويخوض الرجل الانتخابات برغم الفضيحة المدوّية التي تورط بها ابنه، الضالع في عملية تهريب ضخمة للمخدرات.
ويقول البعض إن ترشّح تبون يحظى بدعم الجنرال قايد صلاح، لكن انشقاق مدير حملته، عبد الله باعلي، السفير السابق في عدة عواصم غربية، في اللحظة الأخيرة، بدأ يثير الشكوك في ذلك، بجانب توقيف أحد أقاربه، وهو رجل الأعمال علي عليلات، بتهمة فساد.
عز الدين ميهوبي
أما عز الدين ميهوبي (60 عاماً)، وزير الثقافة السابق، فيعدّ التمليذ النجيب لرئيس الوزراء السابق احمد أويحيى الموقوف على ذمة قضايا فساد، ولذلك فإن البعض يراه المرشح المفضل لـ”جبهة التحرير الوطني”، رغم أن الحزب أكد في وقت سابق أنه لن يؤيد أي مرشح.
بدأ ميهوبي مسيرته العامة كمدير للتلفزيون الرسمي، وانخرط مباشرة في الحياة السياسية عام 1996، من خلال “التجمع الوطني الديمقراطي”، وهو حزب أنشأته الحكومة لإدارة التناقضات ضمن النخبة الحاكمة، وكان عضواً في ما يسمى “برلمان التزوير” عام 1997، الذي أتت الغالبية فيه لصالح “التجمّع” الذي ترأسه في ذلك الوقت عبد القادر بن صالح ، الرئيس المؤقت الحالي.
عبد القادر بن قرينة
وأما عبد القادر قرينة (57 عاماً)، فإن ترشيحه لا يخرج عن نهج لطالما كان مفضّلاً لدى النظام الجزائري، الذي يفضّل دوماً أن يكون هناك مرشح خاسر من التيار الإسلامي. وبالرغم من أن “حركة مجتمع السلم”، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، قررت العزوف عن المشاركة في الانتخابات، إلا أن بإمكان قرينة، وزير بوتفليقة السابق ورئيس حزب “البناء الوطني” الصغير، أن يؤدي الدور بامتياز.
بعد انشقاقه عن حزب “الحركة الشعبية” في عام 2009، خاض بن قرينة رحلة طويلة في مؤسسات النظام، حيث كان عضواً في البرلمان المعين، والمجلس الوطني الانتقالي في العام 1997 ، ثم وزيراً للسياحة بين عامي 1997 و 1999.
لا يجد الرجل وازعاً في القول إنه “ممثل الحراك”، ولكن ناشطي الحراك انفسهم جعلوه في الفترة الأخيرة مادة للسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تعليقات تحمل وسم تقنية الـ VAR (المستخدمة في كرة القدم) لتسليط الضوء على المواقف القديمة للمرشحين المتسللين من النظام إلى الثورة.