سعيد عيسى, Author at 180Post

88bca15b982a2b316a6be2fd748e3be9.png

شكّل التدخّل العسكريّ الروسيّ في سوريا قبل نهاية عام 2015 نقطة تحوّلٍ حاسمةٍ، لم يكن هدفها المُعْلَن إنقاذ شخص بشّار الأسد بقدر ما كان يهدف إلى إعادة تموضع روسيا كقوةٍ عالميّةٍ عظمى على السّاحة الدّوليّة. جاء هذا التدخّل ردًا على الخسائر الجيوسياسيّة التي تكبّدتها موسكو بعد أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم عام 2014 وما تبعها من عقوباتٍ غربيّةٍ مؤلمةٍ. لقد اختارت موسكو سوريا لتكون ساحةً لـ"ردّ الاعتبار" وتأكيد أنّها طرفٌ أساسيٌّ لا يمكن تجاهله في معالجة القضايا الإقليميّة.  

799.jpg

شهدت تسعينيّات القرن الماضي ذروة النّفوذ العالميّ للمنظمات غير الحكوميّة (NGOs)، حيث نمت أعدادها وميزانيّاتها بشكلٍ غير مسبوقٍ في ظلّ رؤيةٍ متفائلةٍ لمجتمعٍ مدنيٍّ عالميٍّ قادرٍ على قيادة التّقدّم في قضايا حقوق الإنسان والبيئة. مثّلت منظمات كبرى مثل "أوكسفام" و"منظمة العفو الدوليّة" و"الشفافيّة الدوليّة" قوىً فاعلةً نجحت في حشد الرأي العام والتأثير في سياسات الدّول، بل والإسهام في صياغة معاهداتٍ دوليّةٍ مهمّة كـ "اتفاقية حظر الألغام المضادّة للأفراد" و"اتفاقيّة الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد".

750-2.jpg

في السّنوات الأخيرة، تحوّلت أولويّات العواصم الغربيّة من الانفتاح الدّوليّ إلى التّركيز الدّاخليّ عبر ما يُعْرَف بـالقوميّة الاقتصاديّة، فبدأت تعيد توجيه مواردها الوطنية نحو دعم الصّناعة المحلّيّة بدلاً من الالتزامات الخارجيّة.

IMG_6120.jpeg

تؤكّد الأحداث التي يشهدها كلٌ من النّيبال والمغرب أنّ جيل Z ليس مجرّد مستهلكٍ للتّكنولوجيا؛ بل هو دينامو الحراكات الاجتماعيّة والسياسيّة، ويمتلك القدرة على تضخيم القضايا المحلّيّة وتحويلها إلى قضايا وطنيّة باستخدام قوّة وسرعة الاتّصال الرّقميّ، رفضاً للواقع البراغماتي الذي فرضه عليه عالم الأزمات المتراكمة من فساد وفقر وبطالة وغيرها من الأزمات الإجتماعية.

700.jpg

في المجتمعات الحديثة، يُفْتَرَض أنّ التعليم والشهادات العليا تمنح الفرد القدرة على الاختيار ورفع مستوى وعيه. إلا أنّ الواقع يكشف المفارقة الآتية: كثيرٌ من المتعلّمين يواصلون الخضوع للنّفوذ الرمزيّ، الانقياد للجماعات القويّة، أو حتى للميليشيات المحلّية، بينما ينجح آخرون في الخروج عن هذه السيطرة وممارسة استقلاليةٍ حقيقيّة. هذه الظاهرة تثير تساؤلاتٍ أنثروبولوجيةً عميقةً حول العلاقة بين المعرفة والسلطة، بين التعليم والحريّة، وبين الفرد والمجتمع. فهل يكفي التراكم المعرفيّ وحده ليحمي العقل من الوقوع تحت سلطة الرّموز والأنماط الاجتماعية؟ أم أن هناك عوامل خفية تتحكّم في الانقياد، حتى بين المتعلّمين الأعلى تأهيلاً؟

800-35.jpg

منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، ارتكزت المعادلة الأمنيّة لدول الخليج العربيّ على شراكةٍ وثيقةٍ مع الولايات المتّحدة، وتعاونٍ متفاوتٍ مع بعض القوى الأوروبيّة، في إطار نظامٍ دولٍّي تقوده الليبراليّة الغربيّة. هذا النّظام كان يقوم على تبادلٍ واضح لحمايةٍ عسكريّةٍ وأمنيّةٍ من الغرب، مقابل تأمين إمدادات الطّاقة واستثماراتٍ ضخمةٍ في الاقتصادات الغربيّة.

aranceles-trump_0.jpg

تؤثّر السّياسات الحمائيّة التي تفرضها الدّول الكبرى بشكلٍ كبيرٍ على قدرة دول الجنوب على المنافسة، حيث تخلق حواجز تجاريّة تعرقل صادراتها وتقلّل من فرصها في الأسواق العالميّة. هذه السّياسات، التي غالبًا ما تُبَرّرُ بحماية الصّناعات المحلّيّة أو بدواعي التخوّف من فقدان السّبق التكنولوجيّ، تضع دول الجنوب في مواجهة تحدّياتٍ كبرى في تجارتها الدّوليّة وتحدّ من قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبيّة. في ظل التحوّلات الجيوسياسيّة الحاليّة وتصاعد نزعة الدّولة القوميّة في الغرب، أصبحت هذه الإجراءات أكثر تشدّدًا وتعقيدًا، مما يهدّد بإعادة تشكيل خريطة التّجارة العالميّة لصالح الدّول المتقدّمة على حساب اقتصادات الجنوب النّاشئة.

750-18.jpg

تواجه دول الجنوب العالميّ منظومةً معقّدةً من التّحدّيات الاقتصاديّة الهيكليّة والجيوسياسيّة التي تفاقمت بشكلّ حادٍّ في ظلّ صعود نزعة الدّولة القوميّة في الغرب، والتي تجلّت عبر سياسات ٍحمائيّةٍ مثل "أمريكا أولّاً" وارتفاع الرّسوم الجمركيّة وتقليص المساعدات التّنمويّة، ما أدّى إلى تعميق أزمات هذه الدّول المتمثلّة في اختناق الدّيون الخارجيّة التي تجاوزت 8.8 تريليون دولار، وارتفاع التضخّم لمستوياتٍ قياسيّةٍ بلغت 135% في بعض الدول، وتآكل القوّة الشّرائيّة، إضافةً إلى تقدم الأولويات الداخلية الغربيّة على ما عداها، ما يُهدّد جهود دول الجنوب لتحقيق النموّ المستدام والعدالة الاجتماعيّة.

QnjMn1HKL2C5krWJkoS1YILepFRQtjVy.jpg

يشهد النّظام الدوليّ تحوّلاتٍ عميقةٍ في العقدين الأخيرين، حيث يتراجع تدريجيّاً نموذج الهيمنة الأحاديّة الذي ساد بعد نهاية الحرب الباردة، لمصلحة مشهدٍ أكثر تعقيداً وتداخلاً، تتصارع فيه النّماذج وتتعايش في آنٍ واحد. هذا التّحوّل يثير تساؤلاتٍ جوهرية، هل يقود إلى صراعٍ مفتوحٍ بين النّماذج المتنافسة على قيادة النّظام العالميّ، أم إلى شكلٍ من التّعايش التّنافسيّ (Competitive Coexistence) الذي يسمح بإدارة الاختلافات دون الانزلاق إلى مواجهةٍ شاملة؟ وهل تستطيع الدّول صياغة أشكالٍ جديدةٍ من التّعاون متعدّد الأطراف تراعي الخصوصيّات الوطنيّة ولا تتخلّى عن المكاسب الجماعيّة؟ إنّ الإجابة عن هذه التّساؤلات ستحدّد ملامح الثلثين المتبقيين من القرن الحادي والعشرين، حيث بات من الواضح أنّنا ندخل حقبة "التّعدّدية القسريّة" و"التّحالفات المرنة" بدل القطبيّة الأحاديّة.