سعيد عيسى, Author at 180Post

2025_11_10_22_16_16_150.jpg

بعد سنواتٍ من التّصنيفات والمعارك والتّحوّلات العميقة التي أصابت المشهد السّوريّ، جاء قرار مجلس الأمن رقم 2799، الصّادر في السادس من تشرين الثّاني/نوفمبر 2025، ليشكّل نقطة انعطافٍ حقيقيّةٍ في خريطة النّفوذ الإقليميّ.

punto-de-apoyo.jpg

لم يعد الحديث عن "استعادة السّيادة" في لبنان شعاراً سياسيّاً يُرْفَعُ في الخطاب العامّ، بل أصبح رهاناً يتعلّق بقدرة المجتمع على تعريف ذاته وحدوده ومصادر أمنه. ففي ظلّ التّحوّلات الإقليميّة المتسارعة، وما يرافقها من إعادة رسمٍ لمراكز النّفوذ، يجد لبنان نفسه أمام مرحلةٍ دقيقةٍ يُعَادُ فيها النّظر بوظيفة الدّولة ودورها وموقعها في توازنات المنطقة. وفي هذا السّياق، يبرز مشروع حصر السلاح بيد الدولة بوصفه مطلباً يحظى باجماع خارجي (باستثناء إيران)، في مقابل واقعٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ داخلي تشكّل عبر عقودٍ من الاعتماد على شبكات حمايةٍ غير رسميّةٍ.

IMG_0276.jpeg

في اللحظة التي أعلنت فيها الشاشات اسم زهران ممداني عمدةً لنيويورك، بدا أنّ المدينة تنفّست دفعةً واحدةً وذلك على مسافة سنة واحدة من الانتخابات النصفية التي يستعد لها الحزبان الجمهوري والديموقراطي.

ChatGPT.jpg

يشهد لبنان تحوّلاً رقميّاً قسريّاً، حيث تتسارع وتيرة تبنّي تقنيّات البيانات الضّخمة (Big Data) والخوارزميّات والذّكاء الاصطناعيّ (AI) في القطاع الخاص، وفي المشهد الاجتماعيّ-السّياسيّ، بالتّوازي مع انهيارٍ اقتصاديٍّ وبنيويٍّ غير مسبوقٍ.

800-55.jpg

التّصريحات السّياسيّة في القاعات المكيّفة شيءٌ، وحقائق التّاريخ بين دمشق وبيروت شيءٌ آخر. ذلك الإرث الثّقيل من التّداخل والتّبعيّة الذي استمرّ حوالي ثلث قرنٍ (1976 – 2005)، لم يكن مجرّد وجودٍ عسكريٍّ سوريٍّ على الأرض اللبنانيّة فقط، بل كان مشروعاً سياسيّاً متكاملاً لإعادة صياغة الهويّة اللّبنانية وفق الرّؤية السّورية. خلال تلك العقود تحوّل لبنان إلى ساحةٍ خلفيّةٍ للصّراع الإقليميّ، وورقةً تفاوضيّةً بيد النّظام السّوري، والأخطر من ذلك أن جيلاً كاملاً من السّياسيّين اللّبنانيّين ترعرع على ثقافة "التّبعيّة المدروسة"!  

8800.jpg

مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابيّ في ربيع العام 2026، تتجدّد في المشهد السّياسيّ والإعلاميّ ظاهرةٌ ثابتةٌ، تتجلّى في ظهور جيلٍ جديدٍ من المرشّحين ينتمون إلى صُلْبِ البيوتات السّياسية التّقليديّة، يستعدّون لتسلّم "الرّاية" من الجيل الذي سبقهم. لا يُنْظِرُ إلى هذا الأمر كاستثناءٍ، بل كقاعدةٍ، وكأنّ المقعد النّيابي مُلْكيّةٌ خاصةٌ تتوارثها الأجيال.

800-47.jpg

منذ مطلع الخريف، تشهد الحدود الجنوبيّة للبنان حالة تصعيدٍ محسوبةٍ، تكاد تكون استمراراً لحربٍ لا تُعْلَنْ ولا تتوّقف. القصف الجوّيّ والاشتباكات المحدودة لم تعد استثناءً، بل إيقاعاً يوميّاً يتحكّم في حياة القرى الجنوبيّة. خلف هذا المشهد الظاهر، تتكشّف استراتيجيةٌ أعمق تسعى من خلالها إسرائيل إلى إعادة تعريف الشمال، ليس كمنطقة مواجهةٍ مع لبنان فحسب، بل كمجالٍ أمنيٍّ واحدٍ يمتدّ من غزّة إلى الجولان مروراً بالجنوب اللبنانيّ. الهدف المعلن هو “الرّدع”، لكن الهدف الفعليّ هو إعادة رسم أو ترسيم الجغرافيا - ليس فقط على الأرض، بل في المخيّلة السّياسيّة.

800-45.jpg

مع كلّ جولة توترٍ على الحدود الجنوبيّة، تعود واشنطن إلى المسرح اللبنانيّ. فيتساءل مراقبون: هل تسعى الولايات المتّحدة فعلاً إلى فتح قناة تفاوضٍ مباشرةٍ بين بيروت وتل أبيب، أم أنّها تكتفي بإدارة النّار من بعيدٍ لتبقى المُمْسِكَةَ بخيوط اللّعبة الإقليميّة؟ السّؤال لم يعد افتراضياً، بل صار جزءاً من ديناميّةٍ متشابكةٍ تجمع بين ملفَّي الغاز والحدود من جهةٍ، وملفّ الحرب والسّلام من جهةٍ أخرى.

800-37.jpg

في ظلّ تهاوي الأنظمة الإقليمية القديمة، وتشكّل تحالفاتٍ جديدةٍ، في قلب هذه العاصفة الجيوسياسيّة، يقف لبنان كسفينةٍ تتقاذفها أمواجٌ عاتيةٌ. إنّه المشهد الأكثر تعقيداً في منطقةٍ متغيّرةٍ، دولةٌ تمتلك كلّ مقوّمات النّجاح، لكنّها حبيسة صراعاتها الدّاخلية وتداخلاتها الإقليميّة. السّؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس إنْ كان لبنان سيتغيّر، بل كيف سيغيّر نفسه لينجو من العاصفة ويبني مستقبلاً يليق بشعبه.

88bca15b982a2b316a6be2fd748e3be9.png

شكّل التدخّل العسكريّ الروسيّ في سوريا قبل نهاية عام 2015 نقطة تحوّلٍ حاسمةٍ، لم يكن هدفها المُعْلَن إنقاذ شخص بشّار الأسد بقدر ما كان يهدف إلى إعادة تموضع روسيا كقوةٍ عالميّةٍ عظمى على السّاحة الدّوليّة. جاء هذا التدخّل ردًا على الخسائر الجيوسياسيّة التي تكبّدتها موسكو بعد أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم عام 2014 وما تبعها من عقوباتٍ غربيّةٍ مؤلمةٍ. لقد اختارت موسكو سوريا لتكون ساحةً لـ"ردّ الاعتبار" وتأكيد أنّها طرفٌ أساسيٌّ لا يمكن تجاهله في معالجة القضايا الإقليميّة.