“صحيح أن التوتر (في الجبهة الشمالية) يدار حتى الآن “على نار هادئة” ولكن مثلما حصل في الماضي، سواء في ساحة الجنوب (غزة) أم في ساحة الشمال (لبنان)، الطرفان على مسافة بضع خطوات عن التصعيد الكفيل بأن يتطور إلى حرب.
وبشكل يشبه السلوك بين إسرائيل وحماس، يبدو أن إسرائيل ومنظمة “حزب الله” تبنتا المفهوم الذي يعتقد بأن التصعيد سيتلخص في بضعة أيام قتالية يمكن احتواؤها وإدارتها بشكل منضبط. ولكن احتمال ضرر التصعيد في الساحة الشمالية، والذي يفوق بقدر كبير حجم الضرر الذي من شأن “حماس” أن تلحقه بإسرائيل، يمكن أن يؤدي بإسرائيل وحزب الله أن يجدا صعوبة في التحكم بالتطورات ومنعها من أن تتحول إلى معركة واسعة.
إن كل فحص لوضع إسرائيل الاستراتيجي يجب أن يدرج، إلى جانب هذا التوتر المتواصل، متغيرات إضافية، بينها عملية الانتقال بين إدارة الرئيس ترامب وإدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، والتي يمكن للولايات المتحدة في أثنائها أن تهاجم أهدافاً إيرانية في المنطقة (سواء كرد على هجوم على قواتها في العراق وشرق سوريا أم بهدف ضرب المشروع النووي)، وهو تطور كفيل بأن يستدرج رداً إيرانيا بواسطة فروعها ضد إسرائيل أيضاً. وكل هذا بينما تتصدى إسرائيل لوباء كورونا والأزمة السياسية.
إسرائيل دولة قوية، مع منظمات حكم مستقرة وتؤدي مهامها، ولكن الشلل السياسي في عملية اتخاذ القرارات، بما في ذلك في مواضيع الأمن، يمس بجاهزية جهاز الأمن لتصعيد أمني. منذ تأليف الحكومة (برئاسة بنيامين نتنياهو)، قبل أكثر من نصف سنة، لم يصدق ويجاز قانون الموازنة، بما في ذلك ميزانية الدفاع، ولم تتقرر مشتريات الأجهزة والوسائل القتالية الجديدة، ولم تقر الخطة متعددة السنوات (تنوفا) التي عرضها رئيس الأركان أفيف كوخافي. وكما أشار مدير عام وزارة الدفاع اللواء احتياط امير ايشل، مؤخراً، فإن ملاءمة عمليات التأهيل، بما في ذلك شراء وتلقي وإدراج منظومات قتالية أو طائرات جديدة، يستغرق وقتاً.
إضافة إلى ذلك، وكما كشف في سياق الرحلة الأخيرة لرئيس الوزراء نتنياهو إلى السعودية، وكذا في المسيرة السياسية التي أدت إلى توقيع “اتفاقات إبراهيم”، فقد أقصي وزراء كبار وهيئة الأركان ولم يشاركوا في الإعداد والرحلة نفسها. إن الخطاب السليم الدائم المتواصل بين الحكومة والجيش هو عنصر حرج في قدرة إسرائيل على اتخاذ قرارات حيوية في المجال الأمني بالنسبة لبناء القوة، وليس أقل أهمية من ذلك – في مجال استخدام القوة. في حالة التصعيد بالشمال، فإن قدرة قادة الجيش ومسؤولي القيادة السياسية على إدارة حوار سريع ومرتب، يقوم على أساس الثقة والمعرفة، هي أمر حيوي لقدرة إسرائيل على إدارتها بنجاح.
على هذه الخلفية، ينبغي الترحيب بإصرار رئيس الأركان كوخافي على تنفيذ أجزاء حيوية من خطة “تنوفا”، وكذا إجراء المناورة متعددة المنظومات “سهم فتاك” في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، التي كانت تمثل معركة في أكثر من ساحة وتنفذ بمشاركة قوات الاحتياط. إلى جانب هذه المناورة، جرت تدريبات أخرى للقوات النظامية والاحتياطية وأخرى مستقبلية ستجرى في الأشهر القريبة المقبلة.
برغم التقدير السائد بأن خطر الحرب متدنٍ، في الوقت الحالي بالذات، ولا سيما حتى استقرار الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، من الحيوي الحفاظ على مستوى أهلية وجاهزية عالية للجيش تمهيداً لتطورات غير متوقعة، ولا سيما حيال المحور الإيراني – الشيعي في الساحة الشمالية
إن القوة الجوية الإسرائيلية ناجعة وفتاكة، وتعرف كيف تعمل في إطار هجمات كبيرة على نحو خاص. وتبلور في سلاح الجو مفهوم الضربات، بحجم ودقة عاليين، حين يكون على كل ضربة أن تحدث دماراً وضرراً للعدو يتجاوز توقعاته لقدرات ونوايا الجيش الإسرائيلي. وستوجه هذه الضربات لمنظومات العدو الحرجة، ما يؤدي إلى إخفاق متعدد المنظومات وإجباره (العدو) على توظيف معظم مقدراته في الدفاع وإعادة الترميم.
وبالمقابل، يحتمل بالتأكيد إلى جانب القوة الجوية أن تكون إسرائيل مطالبة بجهد بري استكمالي، عدواني وسريع يضرب نشطاء العدو في مناطقهم، ويخلق في أوساطهم إحساساً بالملاحقة وانعداماً لليقين كما يكشف أهدافاً لهجوم دقيق بالنار. في المناورة البرية، كما هو في مفهوم الجيش، انكشفت فجوتان مركزيتان في السنوات الأخيرة: القدرة على توفير رد على نار المقذوفات الصاروخية والصواريخ نحو الجبهة الإسرائيلية الداخلية، والقدرة على حرمان العدو بسرعة وبتواصل من قدراته في مراكز ثقله. وبالتالي، تبلور لدى الذراع البرية في الجيش الإسرائيلي مفهوم مناورة يتمثل بالتثبيت، الكشف، الجمع، الضرب، الهجوم. وبموجبه، ستتوفر للقوات التي تقوم بالمناورة قدرات استخبار وكشف مضاعفة، بحيث تتمكن من العثور على العدو، وضربه، وحرمانه من القدرات من خلال النار الدقيقة والمناورة السريعة والفتاكة.
بكل الأحوال، إن المجالات الواسعة في لبنان والمناطق المدينية المكتظة في قطاع غزة ستستوجب استخداماً لهجوم واسع من القوات، وبالتأكيد في حرب متعددة الجبهات، ومن هنا أيضاً استخدام قوات الاحتياط، إذ إن الجيش النظامي وحده لن يكفي. وهنا تكمن فجوة ثالثة في جاهزية الجيش الإسرائيلي ألا وهي أهلية القوات. ومن أجل أن تكون للجيش الإسرائيلي قدرة برية مؤهلة، عليه أن يتدرب خشية أن تجد إسرائيل نفسها مع جواب ناقص على التهديد.
في حديث أجراه عشية المناورة، في الجليل، مع قادة لواء المظليين، قال رئيس الأركان كوخافي: “لا يمكن الانتصار على أعدائنا بدون المناورة”، وحذر من وهم أن المعركة التالية ستقع بعد زمن طويل، وقال للقادة: “استعدوا لأن تقع هذه غداً”.
إلى جانب مستوى الجاهزية العالي، فإن عادة التدريب المعقولة هي تحد للجيش الإسرائيلي من يوم تأسيسه، وذلك لأن الجيش يعيش على نحو دائم تقريباً في مواجهة مع تهديدات ملموسة. ولكن خوض التدريبات في ضوء وباء كورونا هو تحد مركب، إذ إن للاضطرارات العادية التي يعيشها رجال الاحتياط، ولا سيما الحاجة للمناورة بين متطلبات الرزق والعائلة وبين الخروج إلى الاحتياط، تضاف إمكانية الإصابة بالمرض في أثناء التدريب. وهذا تخوف مسنود، لأنهم أصيبوا ومرضوا في بعض التدريبات.
ومع ذلك، كما قال رئيس الأركان، فإن أعداء إسرائيل لن يراعوا كورونا أو غيرها من الاضطرارات السياسية. وعليه، فإنه على الجيش الإسرائيلي أن يرتب في أقرب وقت ممكن نظاماً واضحاً يتضمن تعويضاً مناسباً لمعالجة المرضى أو من اضطروا للبقاء في الحجر في أعقاب تدريب الاحتياط، والإصرار على إجراء التدريبات. مثل هذا الترتيب سيوضح لقوات الاحتياط بأنهم ذخر مهم في نظر الجيش، ويعزز ثقتهم به، كما سيزيد أهمية التدريبات في نظرهم. إن إجراء التدريبات، إلى جانب النشاط الهجومي والمبادرات من الجيش الإسرائيلي في الساحات المختلفة، يعزز صورة الردع الإسرائيلية ويوضح جاهزيتها للمعركة وإن كانت لا تتطلع إليها.
وبرغم التقدير السائد بأن خطر الحرب متدنٍ، في الوقت الحالي بالذات، ولا سيما حتى استقرار الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، من الحيوي الحفاظ على مستوى أهلية وجاهزية عالية للجيش تمهيداً لتطورات غير متوقعة، ولا سيما حيال المحور الإيراني – الشيعي في الساحة الشمالية، بما في ذلك لبنان، سوريا وغرب العراق.
للجيش الإسرائيلي دور الراشد المسؤول، وبالذات في هذا الوقت عندما نجد أن اتخاذ القرارات السياسية وقدرة الحكم في إسرائيل تدار بمستوى منخفض. إن جاهزية وصورة عملياتية عاليتين وبارزتين ستساعدان على ردع عناصر المحور من محاولات طرح تحديات أمنية فظة في وجه إسرائيل تكون ذات إمكانية تدهور إلى معركة شاملة”. (المصدر: ترجمة بتصرف نقلا عن معهد دراسات الأمن القومي)