خطاب نصرالله بين المخاوف الأمنية.. و”الخيارات البديلة”

بالأمس، بدا الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله مُثقلاً بالمخاوف الجدّية من التفلت الأمني والفوضى، فكان خطابه إستثنائياً بكل معنى الكلمة.

من تابع خطاب السيد حسن نصرالله على مدى تسعين دقيقة، إستنتج أن حزب الله يمتلك من المعلومات ما يجعل أمينه العام يذهب إلى التحذير من أمر ما يحضّر للبنان. مع هذا التصاعد الجنوني للدولار والتضخم المخيف، هل تكون التتمة بإنفجار إجتماعي كبير؟ إغتيالات؟ إشتباكات مسلحة هنا وهناك (نموذج حادث عائشة بكار الأخير في بيروت هل سيجري تعميمه على مناطق وخطوط تماس لبنانية). كل هذه المخاوف يكثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، من برقيات بعض الأجهزة الأمنية إلى تحذيرات المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في إجتماع المجلس الأعلى للدفاع مطلع هذه السنة، وتكرار وزير الداخلية الأسبق مروان شربل حديثه عن الشخصيات الستة المستهدفة، وصولاً الى هواجس نصرالله بالأمس، وتحذيره من أن البعض في الخارج يريد أن يدفع بالبلد إلى حرب أهلية.

هل نحن فعلاً على أبواب حرب أهلية؟ عدّد السيد نصرالله الأسلحة التي تستخدم في تلك الحروب، وهذه الأسلحة موجودة لدى كل الأحزاب وفي كل بيت لبناني، ما يعني أن الأرضية جاهزة.

من خارج النص، يمكن القول إن ما ينقص هو قرار التمويل الخارجي. فهل هناك جهات خارجية مستعدة لتمويل حرب أهلية جديدة في لبنان، أم أن هناك من يريد إقفال مسارب حروب راهنة؟

ثم أن المعادلة الأبرز ما زالت قائمة منذ سنوات: من يستطيع خوض الحرب لا يريدها نهائياً ومن قد تدغدغ عقله فكرة الحرب، وربما مهد لها بالتدريب والتسليح، ليس قادراً على خوضها!
حذر نصرالله من أبعاد عودة “داعش” إلى الساحتين السورية والعراقية ومن إنعكاسات ذلك لبنانياً. فالمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، قتلت وأوقفت خلال الأشهر الأخيرة أكثر من خمسين أصولياً متطرفاً، بينهم أكثر من ثلاثين بين خلية كفتون (الشمال) ومنطقة البقاع الشمالي، فضلاً عن “ذئاب منفردة” هنا وهناك، كما يجري بين الحين والآخر إعتقال خلايا وأفراد ينتمون إلى تنظيم “داعش” في منطقة الحدود بين لبنان وسوريا.

إنعكس التجاوب الجنبلاطي بما يشبه إعادة فتح صفحة جديدة بين حزب الله والحزب التقدمي الإشتراكي بدليل المقابلة الأخيرة لوليد جنبلاط عبر موقع “الأنباء” الإلكتروني والتي إتسمت بنبرة سياسية هادئة جداً

من الناحية الأمنية أيضاً، بدا السيد نصرالله منزعجاً عندما قال “وصلت معي لهون”، بسبب قطع الطرقات. قد يبدو إنزعاجه مؤخراً من الذين يقطعون الطرقات في عمق المناطق الجنوبية وعلى اوتوستراد صيدا – بيروت، وحتى بين صيدا وصور، وهذه الظاهرة جديدة في تلك المناطق. يسري ذلك على طريق بيروت ـ دمشق الدولية، وهذه المسألة إقتضت حوارات أمنية بين حزب الله وبعض القوى النافذة على الأرض مثل حركة أمل في بيئة الجنوب والحزب التقدمي الإشتراكي في بيئة الجبل، وإنعكس التجاوب الجنبلاطي بما يشبه إعادة فتح صفحة جديدة بين حزب الله والحزب التقدمي الإشتراكي بدليل المقابلة الأخيرة لوليد جنبلاط عبر موقع “الأنباء” الإلكتروني والتي إتسمت بنبرة سياسية هادئة جداً.
في ما يخص الجيش اللبناني، أمهل نصرالله الأجهزة الأمنية الرسمية في ما يشبه “الفرصة الأخيرة”، وحملها مسؤولية فتح الطرقات، وإلاّ.. تهديدٌ واضح بأنه قد يأتي يوم يأخذ حزب الله على عاتقه فتح الطرقات في حال تقاعس الأجهزة الأمنية، ووضع ذلك تحت عنوان “للبحث صلة”!
لكن الملفت للإنتباه في خطاب الأمس، هو أن نصرالله أعطى مؤسسات الدولة اللبنانية فرصة أن تقوم بواجباتها إزاء المواطنين في المجالين الإقتصادي والإجتماعي. قال إن حزب الله لا يبحث عن خيارات تخص جمهوره وبيئته. الأساس هو حفظ كل الواقع اللبناني. من الناحية الإقتصادية، ذهب نصرالله إلى ما يشبه التكليف الشرعي الذي سيتجلى بتعميم داخلي قريب لكل حزبي يتقاضى راتباً بالدولار بمساعدة عائلته وجيرانه (الفقير والأفقر). طبعاً هذا الحل المالي يقتصر على جمهور الحزب، وبشكل مؤقت، ولا يشكل حلاً دائماً على مستوى الوطن. فالبلد يحتاج الى خطة إقتصادية شاملة تنقذه من الإنهيار المستمر. عاد نصرالله ودعا السلطة الى وقف الإنهيار ومعالجة أزمة الجوع. أما إذا بقيَ الوضع هكذا، “فنحن عندنا خيارات كبيرة ‏وخيارات مهمة، ولكن إذا تبين أن إجراءها عبر الدولة والمؤسسات وطبقاً للقانون غير مُتاح، يومها وعندما يصبح البلد ‏أمام جوع حقيقي وأمام إنهيار حقيقي، نحن سوف نَلجأ إلى هذا النوع من الخيارات، ما هي؟ لن أتحدث الآن، لأنه ‏سيحصل سجال عليها، وهذا ليس وقت سجال”.
في ما يتعلق بملف الحكومة، طرح السيد نصرالله خيارات عديدة، لكنه بدا أكثر إنشداداً إلى خيار تشكيل حكومة تكنو سياسية، اي تحمل على أكتافها ما ينتظرها من قرارات صعبة، سواء مع صندوق النقد الدولي أو من دونه. بدا حاسماً بحكمه على حكومات التكنوقراط بأنها محكومة بالفشل في ظل ما ينتظر لبنان من إستحقاقات كبرى، إقتصادياً ومالياً وإجتماعياً.

إقرأ على موقع 180  بن لادن.. عندما غيّر العالم بشكل كارثي (1)

أخيراً، عن سعر صرف الدولار، حمّل نصرالله المسؤولية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة شخصياً، قائلاً إن الحل بيده فقط. لكن غاب عن “السيّد” أمر تلك الغرف السوداء “المحمية” التي تتحكم بسعر الصرف، كما غاب عنه أيضاً من الذي يغطّي رياض سلامة ومن مدّد له ولايته ومن يحميه ويدافع عنه. إنها الطبقة السياسية الحاكمة مجتمعةً والمستفيدة من الحاكم.

Print Friendly, PDF & Email
يوسف كليب

ناشط سياسي، لبنان

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  عباءة غازي كنعان المثقوبة.. وطوائف لبنان المأزومة