نلثم الهواء الآتي من أولى القبلتين. نُضَاءُ بنور القيامة والأقصى. نتوضأ بشموخ كرامة حي الشيخ جراح وبه نغتسل.
نرجو لنار القدس ونيرانها ألا ينزل عليها لا البرد ولا السلام، فلا تنطفئ جذوة اشتعالها إلا على أصوات من قرعوا أجراسها ورفعوا الآذان في منائرها، ليعلنوا فرحين ولادة النور.
في القدس، لهبٌ من رحيق عشق إلهي تلاه مؤمنون ما بين ركوع وركوع، ما بين سجود وسجود، ما بين شعلة نار تضيء النور، بمواجهة هوام الأرض.
بتوقيت القدس، فرض المقدسيون توقيت الوقت، وتسطير البيان، وترسيم العنفوان، وإمتلاك اللحظة التي ستؤدي إلى إنجاز اللحظة.
ساندتهم غزة بصلوات صلياتها قبل انبلاج دقائق ما قبيل الغروب. زأرت سراياها فتساقطت صواريخها على جحور آكلي البشر ومصاصي الدماء. لم ولن تهنأ غزة ما دامت القدس قيد سعار قطعان المستوطنين. فاجأتهم وأفرجت عن ثغر الشيخ جراح وساكنيه عتمة ليل بهيمي. وعلى الموعد لم يتأخر فلسطينيو القرى والبلدات من فلسطين ال48 لنصرتهم ونجدتهم وتأدية الواجب الوطني للتحرير الموعود. وعلى الموعد عينه وقبله كانت قلوب العارفين والشاخصين لأولى القبلتين تحفظ الوعد وتنتظر.
فصل من أوار الحب والترانيم والتحدي خاضه أبناء القدس وعلى مدى ليالٍ ودماء.. وبتوقيتهم اعتصموا، وهتفوا، وأطلقوا أهازيج التجذّر بحجارتها، وواجهوا ولم يهدأوا، وقاوموا ونازلوا وداسوا على ضجيج آليات وجنود، وطمأنوا القدس على مصيرها، وإطمأنوا إلى نيران زنابقها الحارقة كي يطلع النور الآتي مع فجر عيونهم، كي يصبح الصباح بألوان تراب فلسطين وزيتونها، والقدس وسمائها. فجرٌ يليق بحرية أحرارها.
في إنتفاضتكم المقدسية في قلب فلسطين لا يفصلنا عنكم جدار، ولن يفصلنا عنكم مسار. نبكي ونحن نتفرج على أدائكم. نتحسر ولكن نلعن الظلام
زنابق من هامات وقامات مضوا إلى خيارهم، وقرارهم، وأداء تضحياتهم بكل طقوس العزم والإرادة والكثير من ألق النور على وجوههم. سهروا فأعطوا لسهر الليالي معنى آخر. أقاموا الإفطار بلا مآدبه كي لا يتشبهّوا بمسوخ أصحاب المآدب وتجشوءاتهم. أفردوا لقواميس اللغة مفرداتهم المسكوكة بلغة صلواتهم وصلياتهم ومصلياتهم. هكذا صنعوا ما أرادوا. هكذا رأيناهم، وقرأنا في إقدامهم تواريخ شهداء واستشهاديين وجرحى وأسرى أحرار. قرأنا عقوداً من مئات سنين من صراعات واحتلالات، من غزاة ومن حطين، من كفاح ومقاومة، من هزائم غابرة وانتصارات تتالى.
أما بعد؛
لو قالت الأعراب شيئاً من خجل، لكان للخجل مكان في قواعد الإعراب، ولو قالت الأمم سطراً من أكاذيبها في حقوق الإنسان، لكان للكذب دفتر لا بل دفاتر من مغفرة.
أما ما بعد البعد؛
أيها الأحبة،
في إنتفاضتكم المقدسية في قلب فلسطين لا يفصلنا عنكم جدار، ولن يفصلنا عنكم مسار.
نبكي ونحن نتفرج على أدائكم.
نتحسر ولكن نلعن الظلام.
نخوض بجوارحنا وغضبنا ما تخوضونه بدمائكم.
نبقى عاجزين، ولكن والله العظيم لن نخونكم، ولن نبيعكم كما يتنافس أهل الخساسة على بيع أنفسهم.
نقول لكم كما أنشد الشاعر توفيق زيّاد ابن بلدة الناصرة: نبوس الأرض تحت نعالكم.