“في 6/6، قبل 39 سنة (1982)، نشبت حرب لبنان الاولى (“سلامة الجليل”). اليوم، يوزع رئيس الاركان (أفيف كوخافي) وسام المعركة في لبنان 1982 – 2000. من الصواب مراجعة علاقاتنا مع هذه الدولة من منظور طويل من جهة، ولكن ايضا مع تناول ملموس للحاضر من جهة ثانية.
بدأت “حرب لبنان الاولى” بمبادرة من اسرائيل. رئيس الوزراء في حينه مناحيم بيغن لم يخفِ هذا واسماها “حرب الخيار”. طبّقت اسرائيل في تلك الحرب استراتيجية هجومية لم تكن غايتها فقط ازالة التهديد بل التغيير من الاساس للواقع السياسي في الدولة المجاورة. حولت تلك الحرب النزاع مع دولة لبنان من مشكلة هامشية الى تحدٍ امني متواصل. اسرائيل بادرت اليها في ظل الاستناد الى وصف مغلوط للواقع. وفقا للرواية في حينه كانت في لبنان قوتان: الاشرار والاخيار. “الاشرار” كانوا الفلسطينيين وعلى رأسهم منظمة التحرير الفلسطينية ومقابلهم كانت الكتائب المسيحية، منظمة هي ظاهراً ذات توجه اوروبي وليس عربياً، ولهذا فقد اعتبرت حليفاً مخلصاً ونخبة جديرة بان تحكم لبنان. وبالتالي كان من الصواب القتال ضد “الاشرار” وتتويج “الاخيار” على لبنان. كان هذا الوصف مغلوطاً من الاساس وتبسيطياً ايضاً، إذ ان “الاخيار” و“الاشرار” شكلوا نحو 20 في المئة. ما هو مكان السُنة؟ الدروز؟ المسيحيين الذين ليسوا مع الكتائب؟ وبالطبع السُنة؟ وبالفعل كل هؤلاء لم يكونوا في القصة، ولكنهم كانوا في الواقع. وكانت النتيجة الإنزلاق من حرب قصيرة لاسبوع الى مراوحة 18 سنة في الوحل اللبناني.
لما كانت اسرائيل قادرة على أن تخرّب لبنان في غضون بضعة ايام، ولأن العالم من ايران إلى الولايات المتحدة وفرنسا يخشى تدمير لبنان، فهذا هو السبيل الآمن للنجاح في معركة قصيرة
في العام 2021 من شأننا ان نخطىء مرة اخرى في وصف الواقع في لبنان. وبالفعل، حسب الرواية الدارجة في الغرب يوجد في لبنان اليوم “اخيار” و“اشرار”. الاخيار هم السُنة، المسيحيون والدروز الذين يريدون ان تكون دولتهم مؤيدة للغرب ومزدهرة. أما “الاشرار” فهم منظمة الارهاب حزب الله التي تعمل باسم ايران.
لو كان هذا الوصف صحيحاً، لكان العالم مطالباً بان يساعد ويعزز “الاخيار” كوزن ضد “الاشرار”. اما عملياً فالواقع مختلف تماماً. لبنان يسيطر عليه حلف يشارك فيه حزب الله من جهة، وشريحة رقيقة من الاغنياء السُنة والمسيحيين من جهة اخرى. هذا الحلف يسمح لطرفيه بان يستغلا لبنان حتى النهاية وامتصاص مقدراته. وفقاً للتفاهمات القائمة، دور القيادة السُنية – المسيحية هو اظهار الوجه الجميل المزعوم للدولة. دولة يوجد فيها اقتصاد حر، صحافة على ما يكفي من الحرية، حياة الليل. اكاديميا باسلوب غربي، اما دور حزب الله فهو أن يكون عملياً القوة العسكرية الوحيدة للبنان، حيث يكون الجيش اللبناني في واقع الامر تابعاً له.
محظور على اسرائيل أن تقع في الفخ الذي وقعت فيه في العام 2006، في “حرب لبنان الثانية”، عندما قاتلنا ضد حزب الله تجاهلنا دولة لبنان. تلك الحرب استمرت 33 يوماً، واليوم، وفي ضوء كمية الصواريخ لدى حزب الله، حجمها ومدياتها لا يمكننا ان نسمح بمعركة بهذا الطول. السبيل الوحيد لتقصيرها وضمان النصر يستوجب ان تديرها إسرائيل ضد دولة لبنان وليس ضد منظمة حزب الله. ولما كانت اسرائيل قادرة على أن تخرّب لبنان في غضون بضعة ايام، ولأن العالم من ايران إلى الولايات المتحدة وفرنسا يخشى تدمير لبنان، فهذا هو السبيل الآمن للنجاح في معركة قصيرة.
لقد اخطأنا في قراءة الوضع في لبنان في 1982. اخطأنا في 2006 ومحظور ان نخطىء مرة اخرى. لن يكون كافياً تنفيذ السياسة السليمة في الوقت الذي تبدأ فيه الصواريخ بالنزول في اسرائيل. المعركة السياسية، اي الجهد لرواية القصة الصحيحة، يجب أن تبدأ حيال الولايات المتحدة وباقي العالم منذ الآن. اكثر من ذلك، كلما اجدنا في قول هذا الآن، سنعزز الردع ونمنع الحرب. حزب الله حساسيته اكبر إزاء تدمير لبنان من المس المحتمل بمقاتليه وصواريخه”. (المصدر: مركز الناطور للدراسات والأبحاث).