السيرة الذاتية للبشرية مريعة. الماضي لا يموت. هو حاضر دائماً. بطرق متباينة. لذا لا شفاء منه، وكل بداية جديدة مدينة لذلك الرحم الخصب. فلنعترف إذا بفضيلة الارتكاب. اننا نشبه سيرتنا، ومن هنا نسأل عن لبنان غداً. إنه لبنان الأمس. أمسه لا يموت.
***
حمى الأسئلة لم تبدأ بعد. اللبنانيون يائسون. ما عادوا مخلوقات بشرية مدنية. هائمون في رواسب النهايات. يسألون هل لهذا البؤس نهاية، ومتى؟ أو هل الهلاك هو خلاصنا من الألم وإثم الاقامة في بلد منكوب أولاً بمن استولى واستحوذ على السلطة كغنيمة، فأقام فيها، وعاث فيها، ورهنها للسقوط، ويستعد لتوريثها لأشباهه العائلية القميئة، والمذهبية الفاجرة، والـ.. إلى آخره، مما يتداوله بؤساء ما عادوا يملكون إلا الكلام المر، والنظر الضرير.
***
اللبنانيون خائفون مما بعد لبنان.
مريع جداً مواجهة الذات في ذروة ألمها ويأسها. مريع أكثر، أنهم يسألون عن حل، أو عن حلول. فالتاريخ شاهد على النهايات، وها هي النهاية في فصلها الأخير، فماذا غداً؟ أي لبنان بائس سيولد. أي ارض ستتحمل أوبئتنا وأقذارنا وطوائفنا وزعاماتنا وبؤسائنا؟ يلحون: يريدون حلاً. يتوقعون ذلك بعد الكارثة. يظنون أن خلاصاً ما سيحضر.. مستحيل أن لا يولد لبنان آخر. كيف؟ لا أحد يدري. ما سحنته؟ لا أحد يعرف. هل سيكون دولة أخيراً، أم سيمسخ مزرعة مرة تلو مرة؟ هل سيجترحون له نظاماً، لا يتعاطى ويحتضن النصب والاحتيال والكذب والسرقة وبيع الذمم. باختصار: ما الحل؟ ليس المقصود بالسؤال. تأليف حكومة شوهاء. أو اجراء عملية اختلاس انتخابية، يتبوأ فيها لصوص الطوائف مراكز إعادة ترميم الركام بكلفة منهوبة من جيوب الأغبياء من العاميات الطوائفية؟
***
يجب أن نتجنب التجني. لذلك، لا بد من الصراحة والمصارحة اللبنانيون، جداً أو قليلاً، يعرفون أن الافق مقفل. أي لا حل. هناك ترفيع. احتيال. فذلكات. صفقات. ضرب كم. قد يصلون إلى صيغة، من صنع “الدول الصديقة والعديقة” (من عدو). لم يُعطَ للبنانيين ولا مرة أن يجدوا حلولاً لمشكلاتهم. امتهنوا الصفقة، تحت يافطة مشرشحة بعنوان “التسوية”. كل تسوية تتضمن ظلماً ونهباً ومتاريس، برعاية رعاة من خارج لبنان.
***
لبنان، مستقبله مقيم في ماضيه. كما كان في ماضيه، سيكون في مستقبله، مع سوء أشد وتقاسم بلا حد. عودوا إلى زمن الميثاق. زمن اللاءين: “لا للشرق ولا للغرب”. كذب. عهر. نفاق. دجل. خيانات علنية. ولا مرة كانت السلطة وكلابها الطائفية المسعورة، على الحياد عن الشرق وعن الغرب. لقد غاص اللبنانيون في كل الوحول والحروب. ولو!!! نسيتم الـ 58. تناسيتم السبعينيات حيث انقسم الجميع. وحول “اتفاق القاهرة”، وسلاح المقاومة؟ ولو!!! هل تنسون انكم كنتم قتلة وحراميي، بقيادات قاتلة ومنهكة. لقد تم تهجير مئات الألاف على دفعات. دُمّرت قرى. هُتكَت أعراض. قُتل أكثر من 120 ألف لبناني.. ولو؟ هل نسيتم انكم جعلتم من الدولة خرقة، ومن النظام صهوة، ومن الادارات مغاور، ومن الجيش (يا عيب الشوم). والأنكى، أن خاتمة الحرب، لم يرتكبها اللبنانيون، وان اتفاق السلم الأهلي في الطائف، جاء إملاءً من دول لها مصالح ومطامع ومواقع اقدام فوق رؤوس اللبنانيين المدعوسة.
***
مستقبل لبنان في ماضيه. ولن يكون لنا غير ماضينا، نبني عليه ركام قلاعنا المذهبية.
ثقوا أن “قادة ” اليوم والأمس، سيزفون اليكم بشرى ولادة “لبنان الجديد”، بلباسه الطائفي القديم. لا تحلموا أبداً. الكوابيس أصدق. من تشكون منهم اليوم، ستتسابقون لتهنئتهم على لبنانهم الذي يخصهم. وأنتم، أيها الأتباع، سيروا على جباهكم وارفعوا مؤخراتكم عالياً.. يا للعار.
هؤلاء جميعهم، سيتولون سوق لبنان مرة أخرى إلى حتفه. ولا تصدقوا دول الجوار القريب والبعيد. انهم سحرة فقط. يجيدون صناعة التسويات الظالمة. وعليه، لا دولة مدنية. لا دولة علمانية. لا تتمة لاتفاق الطائف. لا عدالة لا.. لكل ما تحلمون به
كثرت التصريحات عن إنسداد الافق. كان الافق مسدوداً مراراً.
15 سنة من إنسداد الأفق بين الـ 75 والـ 90. ومع ذلك استنسخ لنا لبنان الراهن، وهو أسوأ صيغة. التعايش تناتش. الرئاسات كلها حرام. تذكروهم.
إنهم هم لا غيرهم. الجديد فيهم أسوأ من قديمهم. رؤساء الجمهوريات. يا حرام. شُبّهَ لكم. تأملوا الرئاسة الراهنة. حالة سوريالية تافهة. انصتوا جيداً للتوافقية. اسمها الحقيقي “الاختلافية”. كذبة لإرضاء أغبياء المذاهب. يظنون أن حقوقهم محفوظة في محفظة الزعامات الطائفية. تأملوا المناصب العليا. رؤساء حكومات. هل حقاً عندنا حكومات ليكون لها رؤساء. كذبة. بلص. وهم. دهاليز. سرقات. صفقات. عقارات. ديون ومصارف. فخامة مصرف لبنان. تأملوا رئاسة مجلس النواب. لسنا خرفانين أبداً. نعرف كل شيء. ولكننا نتصرف كالخراف. هل هذه المجالس نيابية؟ يا حيف. مجلس النواب مؤلف من ستة أو ثمانية “نواب”، والبقية خلف كراز امامي و”الرب راعيها”. تذكروا الصفقات. لا تنسوا إمرأة قيصر في قصور العدل العمياء قصداً. باختصار. أينما وضعتم يدكم تكمشون كومة زبالة وقاذورات. اما المرجعيات الدينية، فنعف عن الكلام عليها، لأنها فضيحة مجلجلة. ولا ذرة إيمان أو حب.
***
هذا لبنان في ماضيه، فكيف تتوقعون مستقبله. لدي الجرأة، بأن أؤكد، أن هؤلاء جميعهم، سيتولون سوق لبنان مرة أخرى إلى حتفه. ولا تصدقوا دول الجوار القريب والبعيد. انهم سحرة فقط. يجيدون صناعة التسويات الظالمة. وعليه، لا دولة مدنية. لا دولة علمانية. لا تتمة لاتفاق الطائف. لا عدالة لا.. لكل ما تحلمون به.
***
لماذا هذا التأكيد والاصرار على حتمية “الجحيم”. ببساطة، لأن لا بديل عن هذه “المنظومة العبقرية”. “المجتمع اللبناني السليم”، معطوب جداً. إنه منفصل ولا يتصل. المسألة ليست في القيادات المفقودة، بل في الشعب الذي أصابوه بيأس قاتل. حاربوه برغيف الخبز وحبة الدواء وكرامته.
الأحزاب النهضوية ضائعة وخافتة ولا تحظى بتأييد اليائسين والبائسين. لا تسأل كثيراً. الغياب فاضح.
وعليه، فإن ماضي لبنان.. هو مستقبله.
فَـ: قفا نبكِ على وطن درس.