فجأة، أُحضِرَ "الأب بيار"، ليحتل شاشات التلفزة في فرنسا. وقت ثمين أُنفقَ لتأكيد ارتكابات "أبو الفقراء في العالم"، وأفدحها، الانتهاكات الجنسية، بل بلغ التحريض حد الاتهام بالتحرّش.
فجأة، أُحضِرَ "الأب بيار"، ليحتل شاشات التلفزة في فرنسا. وقت ثمين أُنفقَ لتأكيد ارتكابات "أبو الفقراء في العالم"، وأفدحها، الانتهاكات الجنسية، بل بلغ التحريض حد الاتهام بالتحرّش.
احذف ما يلي: الحقائق أولاً، ثم تجرّأ أكثر: الإنسانية. لقب غير جدير بهذه الهمجية المتراكمة. احذف بقسوة: العدالة. هذه خديعة مزمنة. العدل، تبرع مراراً بارتكاب الاتهام والإعدام.. والعفو عن المجرمين الذين ملأوا البشرية وسيرة الإنسان ظلماً ونكرانا. العدالة كذبة في السياسة والمال والدين والقيم.
من التاريخ جاء. جان دايه وحيداً جداً. لا يشبهَهُ أحدٌ. اختصاصه المعرفة. ميدانه قرون من التراث. إيمان لا يتزحزح بأن هناك دائماً نافذة، ومنها، يُطلق لقلمه حرية الكتابة، بشرط الصدق.. فالتاريخ، إن كذبَ، كان فتنة، بدل أن يكون لغة معرفة وإعادة صياغة للوقائع والأحداث. أصالة الكاتب المُنقّب، تقوم على صدق الكلمة.
لا تحزنوا عليه. إنّه ماضٍ إلينا. يلتحق بأحياء ما زالوا على قيد الإيمان بالحقائق، وملتزم برهافة الحرية، وصفاء الصدق.
جورج قرم، ترك ضوأه. الشعلة لا يطفئها الزمن. هو خالد أبداً. لا صفات تحوشه. لا ملامة له أو عليه. شيء من الترهبن للمعرفة والوضوح والالتزام. لا، ليس عابراً أبداً. إقامته ليست في غياب. هو هنا دائماً، إلى زمن يحتضن رجالاً ونساءً، كانوا ضوءاً، لا يُطفئه الزمن المتمادي.
أن تعيش المأساة يومياً، فهذا دليل على أنك حي. لم تعد مجرد مستمع أو متفرّج أو مداوم على مشاهد الموت.
إنهم وحيدون. وحيدون كسوانا. تركنا القضاء على رصيف بلا أفق. نمرّ أحياناً قرب الرابع من آب/أغسطس لأجل حزن مختنق. نبكي دموعاً جافة. نتأوه بصمت. حناجرنا لم تعد تستجيب لأصواتنا. أحزاننا تخلَّفت عنا. ثم نعود إلى وحدنا. نتطلع إلى الصور. أحياناً، لا نبكي. لا ندمع. الصورة والإطار يدمعان.
هذا زمن اجتثاث الإنسانية من جذورها. الغرب برمّته ارتكب حضارة مشوّهة بأخلاقيات التفوق وديموقراطيات الاعتداء وقيم الرأسمال المتوحش. هذا زمن كشف زيف التحضّر الغربي وشناعات الحروب والاجتياحات والإبادات. فعلاً، أثبت أنه متفوق في تأبيد الانحطاط في مستعمراته واجتياحاته، مُروِّجاً لثقافة التفوق والإبداع، ومُبدّداً لشعوب وثقافات وثروات، تنتمي إلى عالم، يدعى "الثالث"، وهو أكثر من ذلك تراجعاً.
حاولت أن أتهرّب. القراءة سهلة وطيّعة، تتطلب صدق النص وحياداً صعب المنال. في السياسة، الانحياز ليس خطأً. السياسة أصعب المدارس. لا خطوط مستقيمة بين ماضٍ وحاضرٍ.
كم كان كارل ماركس خيالياً. قال: لا بد من إضفاء الأخلاقية على الاقتصاد لقمع الاستلاب والاستغلال. لا بد من ابتكار نظام اقتصادي من واجبه أن يجعل البشر متساوين. تبدو الماركسية في هذا المدى الجارح والمهين، يوتوبيا، لم يحلم بها الزهّاد والقديسون.