أصغيت بدقة إلى خطاب الرئيس اللبناني الجديد العماد جوزاف عون، بعد فراغ مديد تعايشنا معه، وأطربني الحلم السياسي المستحيل، لا بل سرقني الخطاب ودعاني لأن أسكر قليلاً وآمل كثيراً إلى أن انتابتني تساؤلات متتابعة:
أصغيت بدقة إلى خطاب الرئيس اللبناني الجديد العماد جوزاف عون، بعد فراغ مديد تعايشنا معه، وأطربني الحلم السياسي المستحيل، لا بل سرقني الخطاب ودعاني لأن أسكر قليلاً وآمل كثيراً إلى أن انتابتني تساؤلات متتابعة:
خلص؛ متى نعترف بالخسارات؟ متى نتجرأ على الاعتراف بالأخطاء والإرتكابات؟ كيف نواجه يأساً واقتراباً من النهايات؟
خلص. مائة عام من الخيبات والخسائر. هذه البلاد مصابة بوباء الاستبداد. حاضرة دائماً للفتك. أهداها الغرب وباءً صهيونياً. نصحنا مراراً بالاستسلام: "من حق إسرائيل المطلق أن تكون بديلاً عن فلسطين".
"سأخون وطني". كان ذلك نصاً نبوئياً. بلاد تعيش في هذيان الرعب. أما الحرية فهي مضادة للاضطهاد، يتساءل "المواطن" (وهي تسمية مبهبطة) لماذا لم يتم الاعتراف بي كإنسان عادي جداً. مجرد إنسان فقط.
كأنّ الذي حصل، فصلٌ من فصول الجحيم. نحن اليوم في فداحة الخراب. كيانات تصطف وتسأل عنها: أهكذا يكون التغيير؟ هل هذا لبنان؟ هل هذا وطن أم..؟ هل هذه سوريا؟ كيف احتملوها زهاء نصف قرن؟ كيف كانت السجون فيها مزدهرة وجحيمية؟ كيف كان الموتى يدفنون موتاهم؟ كيف تم قتل المستقبل؟
ماذا غداً؟ لا شيء أبداً. إنه ماضٍ لا يمضي. إنما، أُفاجأ كل يوم بمزيد من القتل. أتساءل ولا أجد أجوبة. ليتني أعرف الطريق إلى الاستسلام، أو ليتني أعلن بصوت عال: "أنا خائف فقط من الجنون". جنون الحروب، تمارين على الإبادة. إتقان التسلح. امتهان التعصب إلى درجة الهمجية. فقدان الإنسانية عند من يدّعي أنه إنسان. تلاسن الأديان بمقذوفات قاتلة. توظيف "الله" بالعنف، واتهامه بما لا يوصف من البراءات والفضائل المنعدمة.
فجأة، أُحضِرَ "الأب بيار"، ليحتل شاشات التلفزة في فرنسا. وقت ثمين أُنفقَ لتأكيد ارتكابات "أبو الفقراء في العالم"، وأفدحها، الانتهاكات الجنسية، بل بلغ التحريض حد الاتهام بالتحرّش.
احذف ما يلي: الحقائق أولاً، ثم تجرّأ أكثر: الإنسانية. لقب غير جدير بهذه الهمجية المتراكمة. احذف بقسوة: العدالة. هذه خديعة مزمنة. العدل، تبرع مراراً بارتكاب الاتهام والإعدام.. والعفو عن المجرمين الذين ملأوا البشرية وسيرة الإنسان ظلماً ونكرانا. العدالة كذبة في السياسة والمال والدين والقيم.
من التاريخ جاء. جان دايه وحيداً جداً. لا يشبهَهُ أحدٌ. اختصاصه المعرفة. ميدانه قرون من التراث. إيمان لا يتزحزح بأن هناك دائماً نافذة، ومنها، يُطلق لقلمه حرية الكتابة، بشرط الصدق.. فالتاريخ، إن كذبَ، كان فتنة، بدل أن يكون لغة معرفة وإعادة صياغة للوقائع والأحداث. أصالة الكاتب المُنقّب، تقوم على صدق الكلمة.
لا تحزنوا عليه. إنّه ماضٍ إلينا. يلتحق بأحياء ما زالوا على قيد الإيمان بالحقائق، وملتزم برهافة الحرية، وصفاء الصدق.