“إيغوز” تستهدف “أبو علي رضا” في النبطية بـ”روبوت صامت” (82)

عنون الكاتب "الإسرائيلي" رونين بيرغمان هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية" كالآتي: "آتونا برأس (يحي) عياش"، وهذا الجزء يروي كيفية إغتيال القيادي في حزب الله رضا ياسين الملقب بـ"أبو علي رضا".

يتناول الكاتب رونين بيرغمان كيف ان طرفي إتفاق أوسلو (الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس وزراء “إسرائيل” إسحاق رابين) “شعرا سريعا بالاحباط لعدم نجاح الإتفاق في وقف الحرب الدائرة بين الطرفين، ما شجع على نمو قوى التطرف على جانبي الصراع” بحسب قول الكاتب، ويتابع، ليس هذا ما توقعه رابين ان تكون عليه ولايته الثانية في رئاسة الوزراء. فهو انتخب بناء على وعوده بتأمين الامن – حيث كان يُنظر اليه كقائد عسكري قاس وغير مساوم في الحرب على “الارهاب” – وعلى مبادرته الدبلوماسية التي ستنتشل “إسرائيل” من عزلتها وتجلب لها الرخاء الاقتصادي وتضع حداً للانتفاضة الشعبية الفلسطينية.

وكان رابين، حسب بيرغمان، “قد توصل الى استنتاج بضرورة وضع حد للاحتلال “الاسرائيلي” للاراضي الفلسطينية، لذلك وافق على عملية “اوسلو”، التي كان اطلقها شيمون بيريز برغم شكوكه وتهيبه من النوايا الفلسطينية، وكل ذلك كان واضحا من خلال معالم وجهه ولغة جسده عندما اقنعه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بمصافحة ياسر عرفات خلال مراسم توقيع الاتفاق في البيت الابيض في 13 سبتمبر/ ايلول عام 1993. كان رابين على قناعة بان تنفيذ الاتفاق يجب ان يتم تدريجياً بدلا من توقيع اتفاق شامل بحيث تنسحب “اسرائيل” بداية من قطاع غزة واريحا، وهذا ما يسمح لها بان تسسلم اجزاء من الاراضي المحتلة الى السلطة الفلسطينية وتواصل بعدها التاكد من ان عرفات ينفذ قسطه من الاتفاق، وهذا يعني ان الامور الاساسية ستبقى موضع خلاف – عودة اللاجئين الفلسطينيين والوضع النهائي لمدينة القدس ومستقبل المستوطنات في الضفة الغربية وغزة وما اذا كانت السلطة الفلسطينية ستصبح دولة ذات سيادة – وتركت كل هذه الامور ليُتخذ القرار بشأنها في مرحلة لاحقة. وقد امل رابين ان ذلك سيسمح له بالتغلب على التناقضات الحادة التي ستنشأ في “اسرائيل” عندما ياتي اوان البت بها”.

أوسلو.. وإحباط الفلسطينيين

ولكن التنفيذ التدريجي لم يمنع التناقضات من ملاحقة رابين على اي حال، كما يقول بيرغمان، “فشريحة واسعة من الراي العام “الاسرائيلي” كانت تعتقد ان اتفاقيات اوسلو من شانها زيادة الهجمات “الارهابية” وانه بسبب عملية السلام ونقل السلطة الى سيطرة عرفات اخذ “الارهاب” يتصاعد، وهو حرفيا ما كان الشيخ احمد ياسين يقوله بانه لن يكون هناك تسوية ابدا وانه لن يقبل ابدا بوجود دولة يهودية. وما بدأ كتظاهرات هامشية لبعض المجموعات الصغيرة للمستوطنين المتطرفين تنامى ليصبح حركة احتجاج واسعة في طول “اسرائيل” وعرضها وراح يكبر أكثر فأكثر مع كل هجوم “ارهابي” ووضع رابين نفسه تحت مجهر الاتهام، وكان محرك هذه الاحتجاجات قادة الليكود ارييل شارون وبنيامين نتنياهو”.

على المقلب الاخر، يضيف بيرغمان، “كان الاحباط يتزايد عند الفلسطينيين الذين رأوا كيف انهم يُجرّدون من أراضيهم – علما ان رابين وضع ضوابط لعمليات الاستيطان ولكنه لم يوقف كليا بناء المستوطنات ولم يخلِ اي مستوطنة في الاراضي المحتلة – ورأى الفلسطينيون ان عملية اوسلو لن تقودهم الى تأسيس دولتهم الخاصة. في الوقت نفسه، لم يرد عرفات خوض صراع مع المعارضة الاسلامية لديه فامتنع عن مواجهة هجمات فدائية وانتحارية كانت تنفذها حركتا حماس والجهاد الاسلامي”.

رونين كوهين: “على الرغم من العيب الاستراتيجي في عملية اغتيال (السيد عباس) الموسوي، فانها بدت نموذجاً تكتيكياً جيداً، يُحدّد الهدف عبر مُسيّرة، ويتم تعليمه بالليزر وبعدها يُطلق عليه صاروخ، لقد كانت طريقة فعالة وغير مكلفة”

وينقل بيرغمان عن رئيس جهاز “الشين بيت” في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي آمي ايالون قوله إن كل طرف من الطرفين لم يتفهم مطالب الطرف الاخر، وقد قاد ذلك الى شعورهما “بشكل مبرر كثيراً بانهما خدعا، فلم نحصل نحن على الامن ولم يحصلوا هم على الدولة”.

فيتنام.. وجنوب لبنان

يتابع الكاتب، “لم تكن الجهود لمعالجة الصراع على الحدود الشمالية لـ”اسرائيل” اكثر نجاحا، فقد توسط وزير الخارجية الامريكي وارن كريستوفر بين سوريا و “اسرائيل” للتوصل الى اتفاقية سلام تقوم بموجبها “اسرائيل” بالانسحاب من مرتفعات الجولان وربما من لبنان ايضا فيما تقوم سوريا من جانبها بوضع حد لعمليات حزب الله ضد “اسرائيل”، ولكن لم يتحقق اي خرق مهم في هذا المجال ايضا. فقد واصل حزب الله، بتحريض من سوريا، التسبب بخسائر متزايدة لقوات الجيش “الاسرائيلي” في جنوب لبنان. في ضوء ذلك، فقد كان القادة الميدانيون للجيش “الاسرائيلي” في جنوب لبنان غاضبين جداً ويطالبون بان تُطلق يدهم للعمل، وكان ابرز هؤلاء القادة العميد ايريز غيرشتاين، وهو رجل قوي البنية وصاحب كاريزما وثقة بالنفس وينظر اليه الكثير من الناس على انه رئيس الاركان المقبل للجيش، وقد راى غيرشتاين الكثير من اوجه الشبه بين جنوب لبنان وفيتنام وبالاخص لجهة الدروس التي ينبغي تعلمها من اخطاء الجيش الامريكي هناك.

وينقل بيرغمان عن غيرشتاين قوله “كنا نجلس في حصوننا نلعب بخصيتينا بدلا من الخروج والتفكير مثلهم (حزب الله) بضربهم حيث لا يتوقعون ضرباتنا وقتل قادتهم”. وكان “جيش لبنان الجنوبي” غير راضٍ عن الوضع ايضا لشعوره انه يستخدم وقوداً للمدافع وأنه بات ممنوعاً من الرد، ولسنوات كان نائب قائد هذه الميليشيا عقل هاشم يناشد “اسرائيل” السماح له على الاقل باستهداف مسؤولي حزب الله. ولكن كل مناشداته لم تجد سوى اذان صماء. وفي الاول من يناير/كانون الثاني عام 1995 خلف امنون ليبكين شاحاك الجنرال إيهود باراك في رئاسة الاركان، ولانه اراد ان يخرج من ظلال سلفه فقد قرر ان يغير السياسة المتبعة في لبنان، “فمن الان وصاعدا ستكون هناك حرب وسيتم التعامل مع حزب الله على انه عدو كامل المواصفات. وكان يحتاج الى الموارد لتحقيق ذلك: البشر الذين يمكنهم جمع المعلومات ومجموعات العمليات الخاصة الكفوءة ذات المهارات في التخريب والاغتيال”.

على وجه السرعة، يضيف بيرغمان، “نظم ليبكين شاحاك وقائد المنطقة الشمالية العقيد عميرام ليفين، احد ابرز خبراء الجيش “الاسرائيلي” في حروب العصابات، وحدة كوماندوس خاصة اسميت “وحدة ايغوز” (التعبير العبري الذي يعني الجوزة) لشن حرب مضادة لحرب العصابات ضد حزب الله، وكان واحد من اوائل آمري هذه الوحدة موشيه تامير الذي يُنقل عنه بيرغمان شرحه لمهمات وحدته “الجزء الاكبر من التكتيكات التي اتبعتها في قيادة وحدة ايغوز.. أتيت به من الكتب التي جمعها الجيش البريطاني عن القتال في جبال الهملايات في اندونيسيا وايضا من خبرات الامريكيين في فيتنام، بالاخص على المستويات الدنيا، فقد كانت ارشادية بامتياز”. ومثلهم مثل الضباط الامريكيين والانكليز والفرنسيين في الجزائر كان غيرشتاين وتامير وزملاؤهم يعتقدون انه اذا حصلوا على الموارد المناسبة ومع الوقت والدعم من الخلف سيكون بالامكان هزيمة حزب الله”.

إقرأ على موقع 180  الحياة داخل السفارة السوفياتية: مخاطر... وفسحة فرح في "مدينة مغلقة"

يقول بيرغمان إن وحدة “ايغوز” بدأت بتنفيذ الكمائن والغارات داخل لبنان، في المناطق التي كان حزب الله يشعر فيها بالامان، “وتمكنت من قتل اعداد كبيرة منهم، وكان أحد هؤلاء الذين قتلوا هادي نصرالله نجل قائد هذه الحركة (السيد حسن نصرالله). وكان قائد المنطقة الشمالية الجديد العقيد عميرام ليفين الذي سبق له ان شارك في عملية “ربيع الشباب” (اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار) في بيروت قبل اكثر من عقدين من الزمن) راى اهمية الضربات التي تستهدف قادة حزب الله. وكان على رونين كوهين الذي تسلم حديثا رئاسة مكتب لبنان في استخبارات المنطقة الشمالية ان ينفذ السياسة الجديدة. فقرر الاثنان التركيز على قتل القادة الوسطيين لميليشيا حزب الله. كان ليفين يعتقد ان حزب الله يميز بين العمليات التي تستهدف احد قادته او مركز نشاطاته في بيروت وبين التكتيكات القتالية التي تحصل في جنوب لبنان، فالاولى كانت تدفع الى رد فعل متطرف قد يصل الى ان يكون خارج منطقة الشرق الاوسط فيما الرد على النوع الثاني يبقى محصورا في لبنان وشمال اسرائيل”.

فجرت شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله خبر قتل رضا ياسين. لقد كان هو الشخص الذي يقود السيارة، وقد سمع المراقبون “الاسرائيليون” لهذه الشبكة رجال (عماد) مغنية يتحدثون وقد هزّهم الخبر كما هزّ معنوياتهم، لقد اغتيل أحدهم بروبوت طائر بصمت

يتابع بيرغمان، “حتى ذلك الوقت كان جهاز الموساد ينفذ عمليات القتل المتعمد فقط خارج “اسرائيل” فيما يتولى الجيش “الاسرائيلي” تأمين الدعم اللازم كحد اقصى، ولم يكن “الموساد” يرى حزب الله سوى مشكلة حدودية على الجيش “الاسرائيلي” التعامل معها، وحتى لو جرى تغيير سلم الاولويات فان الجهاز غير جاهز لتنفيذ هجمات في لبنان”، وهنا ينقل بيرغمان عن كوهين قوله “باختصار، لقد كان واضحاً لي انه اذا كان علينا ضرب اهداف نوعية لحزب الله، على الجيش الاسرائيلي ان يفعل ذلك بنفسه”. وبالنسبة إلى كوهين “على الرغم من العيب الاستراتيجي في عملية اغتيال (السيد عباس) الموسوي، فانها بدت نموذجاً تكتيكياً جيداً، يُحدّد الهدف عبر مُسيّرة، ويتم تعليمه بالليزر وبعدها يُطلق عليه صاروخ، لقد كانت طريقة فعالة وغير مكلفة”.

تحديد الهدف.. رضا ياسين

اختارت استخبارات القيادة الشمالية هدفاً يدعى رضا ياسين، المعروف بشكل واسع باسم “ابو علي رضا”، وهو قائد حزب الله في منطقة النبطية ويعيش في بلدة زوطر الشرقية، وهو مسؤول وسطي في جنوب لبنان، “وكان رضا مناسباً جداً للمواصفات المحددة، وبعد اسبوعين من المراقبة، تمكن كوهين من جمع معلومات كافية عن رضا الذي اعطت الاستخبارات العملية التي استهدفته اسما حركيا هو “خلية النحل الذهبية”. كان رضا يذهب مرة في الاسبوع الى بيروت لحضور اجتماع لكبار المسؤولين في حزب الله ويعود في وقت متأخر من الليل، ومن ثم يقود سيارته بنفسه الى مكتبه في الساعة الثامنة والنصف صباحا، وكانت الخطة تقضي بأن يقوم احد العملاء بالمراقبة في ذلك الوقت للتأكد من ان رضا استقل سيارته ولا احد آخر معه. وما ان يتم تأكيد ذلك تقوم مسيرة بملاحقته حتى يخرج من البلدة لتقوم بتحديده بشعاع ليزر فيما تقوم مروحية اباتشي باطلاق صاروخ نحوه. كانت عملية “خلية النحل الذهبية” التي تدار من غرفة الحرب في القيادة الشمالية تشارف على الانتهاء صبيحة يوم 30 مارس/اذار عام 1995 حين فوجىء العميل المراقب بأن مرآب سيارة رضا خالياً، ولم يكن بامكانه البقاء اكثر خوفا من اثارة الشكوك حوله وكان عليه ان يغادر ولكن المُسيّرة كانت لا تزال في السماء ترسل الصور الحية من مسافة بعيدة عندما رأى مُشغّل المُسيّرة سيارة رضا تعود الى المنزل. خرج منها شخص ما ودخل الى المنزل ولكن ليفين وكوهين ومساعديهما لم يتمكنوا من رؤية وجه هذا الشخص، كما انهم لم يتمكنوا من تحديد هوية الشخص الذي خرج بعد ساعة من المنزل وشغل محرك السيارة وقادها خارج البلدة عابرا نهر الليطاني ومتجها جنوبا الى النبطية، وكانت المعضلة التي برزت حينها هي من كان يقود السيارة الان؟ هل هو رضا او احد اولاده؟ هل يعطى الامر باطلاق الصاروخ؟ قامر ليفين بالامر وقال لقائد الاباتشي ان يطلق الصاروخ. بعدها بثلاث ساعات، فجرت شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله خبر قتل رضا ياسين. لقد كان هو الشخص الذي يقود السيارة، وقد سمع المراقبون “الاسرائيليون” لهذه الشبكة رجال (عماد) مغنية يتحدثون وقد هزهم الخبر كما هز معنوياتهم، لقد اغتيل أحدهم بروبوت طائر بصمت. لقد كانت تلك المرة الثانية التي تستخدم فيها المسيرات لقتل شخص واحد (المرة الاولى كانت عند اغتيال السيد عباس الموسوي). تعهد (السيد حسن) نصرالله بالرد فاطلق حزب الله رشقات كثيفة من صواريخه نحو شمال “اسرائيل” فقتل شاب في السابعة عشرة من عمره كان يمارس هواية الركض ولم يسمع زمور الانذار، وتماماً كما تنبأ كوهين وليفين فان حزب الله اعتبر الحادثة امراً محلياً ولم يحاول الانتقام لرضا خارج منطقة الشرق الاوسط”، كما ينقل عنهما رونين بيرغمان.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  شارون يحاول إستدراج عرفات: 18 عبوة “إسرائيلية” في ك1 1981(42)