الجميع على يقين من أن نسبة عالية من الذين سيتلقون التهاني بفوزهم، لن يكونوا نوّاباً جدداً، بل من صنف الذين تم التجديد لهم. المعنى أن الأداء الذي اعتاده اللبناني طيلة “عهد” المجلس المُولّي، سيكون مشابهاً لما يمكن توقعه من المجلس الذي سوف يُسمى “جديداً”. وبالتالي فلا جديد يمكن أو يجوز توقعه على أيّ مستوى كان. الهبوط سوف يتواصل، هبوط السياسة وهبوط قيمة الليرة وهيبة القانون ومفهوم الدولة وقيمة كل ما ينبغي أن تكون له قيمة.
أحدٌ لن يفعل شيئاً، ولن يكون بوسعه أن يفعل شيئاً، لتصحيح الأداء، بغير الكلام والتصريحات والخُطب والوعود مما ألفه الناس. “القضايا الكبرى” وحدها، من دينية أو قومية، ستظل مهيمنة على الساحة وستكون هي ذاتها ووحدها محط الاهتمام. حجز أموال المودعين في المصارف المدعومة من السياسيين، ومدّ اليد عليها، لن يتوقف، والقلّة القليلة من أصحاب الودائع الذين سيمكنهم تحقيق خروقات صغيرة واستعادة البعض اليسير من ودائعهم، بأحكام قضائية، سوف لن يدخلوا موسوعة “غينس” للحالات القياسية على الرغم من استحقاقهم. أما الذين تتهمهم “النمال الغاضبة” بموبقات النهب والقتل والتفجير ومختلف الآثام والشرور، فلن تُتخذ بحقهم أية أحكام ولن تجري محاكمتهم ولا معاقبتهم البتّة، حيث لا دولة لتنفيذ القوانين، والسلطة القائمة ليست معنية بهذه الأمور.
كل ما فعله الطائف انه كرّس انتصار زعماء تلك الحرب على الدولة، ثم سلّمهم مفاتيح الحكم ومقاليد السلطان. لدينا ـ نحن الذين نظن أننا الأكثرية الصامتة ـ لدينا ملء الحرية في أن نغرق في شبر ماء تخيّلاتنا المنسوجة من السذاجة أو من حُسن النوايا أو من التوق إلى الخلاص. علينا أن نكفّ عن المراهنة على أوهام “الشرعية”، فالشرعية هي اليوم للقوة
وكما قبل السادس عشر من أيار/مايو، فلا روادع قانونية ولا دينية ولا أخلاقية ولا عشائرية ستكون ممكنة، والحبال ستبقى متروكة، كما هي اليوم، على غواربها. لا قوّات ردع عربية (ولا إسلامية لهواة النوع) ولا قوّات دولية تحت الفصل السابع ولا قوى خفية سوف تكون مستعدة للتدخل. الرئاسات بتراتبيتها المقدسة لن تستطيع فعل شيء، غير ما فعلته منذ شهر أو سنة أو.. ثلاثين. الزعامات بمختلف أنواعها وأنماطها وأزيائها، لن يمكنها “إخراج الزير من البير”، حتى لو كانت في هذا الوارد. كل ما يمكن توقعه هو المراوحة على الصفر وتحت الصفر. والذين يعتقدون أن الدستور، وبخاصة اتفاق الطائف الذي بات دستوراً، سوف يعالج الأزمة أو يساعد على حلحلتها، إنما هم يُعانون من انتفاخ في التوهم المتفائل. الاتفاق الدستور الذي جرى طبخه في تلك المدينة السعودية، لم يضع نهاية للحرب الأهلية ولا أعاد السلطان للدولة. لننظر جيداً وبلا زجاجات ملوّنة: كل ما فعله الطائف انه كرّس انتصار زعماء تلك الحرب على الدولة، ثم سلّمهم مفاتيح الحكم ومقاليد السلطان. لدينا ـ نحن الذين نظن أننا الأكثرية الصامتة ـ لدينا ملء الحرية في أن نغرق في شبر ماء تخيّلاتنا المنسوجة من السذاجة أو من حُسن النوايا أو من التوق إلى الخلاص. علينا أن نكفّ عن المراهنة على أوهام “الشرعية”، فالشرعية هي اليوم للقوة، ونحن المواطن.. لا قوة لنا ولا حَول. وكل ما هو جارٍ الآن لا يختلف عن إعادة تسليم السلطان مجدداً للميليشيات وتثبيتها وتجديد ولايتها. ولا يهم مطلقاً إن كان يعجبنا الأمر أو لا يعجبنا. فنحن هذا اللاأحد الذي عليه ألّا يتوهم أنه أحد.
لا شك أن بعض (وليس جميع) من “يفوزون” بالمقعد النيابي للسنوات الأربع المُقبلة، سينصرفون بعد 16 ايار/مايو إلى توزيع الحلوى على بطاناتهم.. بعض الحلوى فقط مما وصلهم من “المهنئين” أنفسهم!
غداً لن يكون يوماً آخرَ.. إلا في الروزنامة.