لغتي ملكي. ابتكرتها. طوّرتها. إقتطعت ما أريد منها. نشرتها. تشاركتها. تتضخم الأحرف أو تصبح الراء غائية حسب خصوصية الحنجرة لكل مجموعة بشرية. كان الفيثاغوريون أول من رسموا الأرقام بأشكال هندسية. ولهذه المدرسة الفلسفية، حسب التعريف القديم للفلسفة الممزوج بالهندسة والرياضيات، أثرها الكبير في تشكيل لغات الشعوب بأرقامها وحروفها الحديثة في ما بعد.

لكل حياة لغتها الخاصة القابلة للعلاج. لكل تعريف مساره الخاص. لكل فكرة وجهان وأكثر. لكل حرف طريقة نطق وأكثر. لكنها وبكل ألوانها متشابكة ببعضها البعض وتُعبّر عن فكر الانسان. شعوره وحالته النفسية. لذلك، يمكن معالجتها على صعيد الأفراد والجماعات.

أطرح أسئلة في محاولة للتعريف من زاوية خاصة، ذلك أنه يحق لأي فرد متحضر أن يفكر بها. ولكنني أتمنى ان تُعبّر باقي الكائنات الحية التي عذبناها على مر العصور، عما يجول في ذهنها أو عن غضبها واشمئزازها منا. فقد أثبت العلم أننا الأكثر وحشية وغرابة من بين الكائنات.. جل ما أطرحه لمحة من أشكال صراع أدوات الحياة ومنها اللغة وتكاملها بجماليتها كقوة دفع غير متناهية. كما في الحياة النفسية. لذلك، يُصبح الرجوع للصفر وارداً أو قد يكون في أجيال الفضاء المقبلة، المختلفة جيناتها عما اعتدناه. ففكرة الالتحاق بأكوان مختلفة أو الأصح “استعمارها” يمكن أن لا تتحقق لأن “نوعنا” عرضة للانقراض. لغتنا كذلك. أحلامنا مهددة لأنها منبثقة من لغتنا ايضاً. تغذي الخيال، قد تشاركه نقطة البدء والاكتمال والامتداد. لغتي هي ما أراه وما أشعره وما أحسه وما أرسمه أو أتخيله. أيضاً ما ألوّنه. هي طرف في صراع ثنائي الأبعاد. هي عالمي الذي أدركه وأفهمه ووحدي ألمسه.

ما هي اللغة؟ هل يمكن أن تكون اللغة موجودة لمجرد اللغة؟ مقارعات سفسطائية العصر القديم أو ماهية الفكرة وتحديد المفهوم وعلاجه لدى سقراط؟ أو ما نفكر به، نخفيه وننويه؟

من البديهي أن تُضلل اللغة المنطوقة أو المكتوبة جزءا لا يستهان به منا أو فينا. هي جدارنا الفاصل بين ذواتنا وذواتنا. وفي نفس الوقت صلة تفاعل مع الآخرين. وعليه هل هي رغباتنا الملطخة أو المعترف بأحقيتها ضمن النظام الاجتماعي العام؟ هل هي تكيف اجتماعي موروث للتعريف عن الهوية الشخصية؟

أي فكر له صفة لا متناهية. مزيج من الخيال والواقع، وهكذا قد تكون اللغة. تعتمد الأولى على الثانية أو العكس. فالأفكار هي القضايا، والانسان أيضاً، نتفق أن لا فكرة من دون معالجة ولا قضية دون فكرة. اللغة مثلاً فكرة تحمل قضية قابلة للعلاج

 للجهاز النفسي فينا لغته الخاصة التي تحتاج إلى فك شيفرات دلالاتها. هناك عبارة شهيرة للمحل النفسي الفرنسي جاك لاكان “التحويل هو الحب”. يقصد هنا عملية استخراج وتحويل ما خفي من افكارنا او الترسبات المجتمعية فينا ولا سيما المعقدة والمشوهة في نظرنا ضمن، رغبات الـ”هو”. أي عن أفكار ولدت مع تكون جهازنا الإدراكي والنفسي قبل وبعد عملية الفطام. فصراعات الهو والأنا الأعلى قد تكون مزعجة وتؤثر على لغتنا المنطوقة اذا بقيت دون معالجة ليس كونها عيباً، بل كونها تكونت في ظروفة غير عادية وأخرى عادية، مؤججة الصراع المستمر حول محرمات الفكر التي روضها وهذبها الانسان الإجتماعي. شرح جاك لاكان عملية “التحويل” بين المريض والمعالِج، حينما اشتدت هذه الصراعات النفسية عند المريض، أو غير المريض أو جميعنا. نتيجة ظروف إما طبيعية أو منحرفة عما نشأ وتطور عليه عقل الانسان وجهازه النفسي بطبقاته المتعددة. علينا استخراج مؤثرات وحوافز الصراع الى العلن حيث يتلقاها المعالجِ من المعالَج. ولكي تنجح العملية على المعالجِ ألا يترك المعالَج، أن يقع في حبه كأمر وارد. مما قد يؤثر على عملية العلاج. ولذلك فهذا العالم المحسوس الحقيقي فينا تبنى عليه لغتنا الخاصة التي قد تكون مرتبطة هي الأخرى بالرغبة المرتبطة بالآخر. والدال على الرغبة له أحرفه وزلاته الخاصة. فاللغة المكتوبة والمنطوقة والمضمرة لها وجهان وأكثر. كما لنا حلمان وأكثر.

عاش سقراط، كشخصية حقيقية أو وهمية في العصر الذهبي، الذي أنزلت فيه الفلسفة من سمائها وحطت على الأرض. بدأ العقل يطرح الأسئلة عن كيفية قياس الخير والشر أو العدالة ونسبيتها. وكانت محاوراته، غير المكتوبة، تدل على قوة إرادة العقل. لم يكتب سقراط آنذاك، فقد فكر ونتج عن ذلك تعريف المفاهيم وبالتالي اللغة. ولذلك نعتمد الكلمة ومعناها، أو معانيها، أصولها فروعها ونشأتها. يمكننا أيضاّ أن نعتمد الكتابة وسيلة ناقلة للقضايا، نبدأ أولا بتعريف المفهوم ومن ثم قياس تفرعاته. تليه العودة إلى الإجابات مع تعريف المفهوم الأساسي. التناقض في النتيجة دالٌ على التناقض في التفكير. ما هو؟ السؤال الأول. ماذا يعني؟ ماذا تقصد به؟ وما هو تعريفك له؟ ربما تلك من أبسط وأسهل طرق عملية التفكر التي اكتسبناها من سقراط وظلت أساساتها راسخة في حلقات تقدم الفكر الفلسفي. نستطيع في هذه الحالة أن نقف عند اللغة. ما هي اللغة؟ مجموعة مفاهيم متعددة التعريفات تعالج قضايانا الكبرى انطلاقا من أصغرها. ولكن، أي فكر له صفة لا متناهية. مزيج من الخيال والواقع، وهكذا قد تكون اللغة. تعتمد الأولى على الثانية أو العكس. فالأفكار هي القضايا، والانسان أيضاً، نتفق أن لا فكرة من دون معالجة ولا قضية دون فكرة. اللغة مثلاً فكرة تحمل قضية قابلة للعلاج. أو هي وسيلة تفاعل وتوثيق.. وستبقى جميع الإجابات نسبية. ليس عيباً أن نفكر وأن نكتب بلغتنا الخاصة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الحرية، الهوية.. والثورة التي لا تهدأ (2)
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  "خبز على طاولة الخال ميلاد"؛ دردشة عن الرجولة والهشاشة